زهراء حميد منبغداد: تنظر إيمان راسم العزاوي إلى القهوة التي تغلي، في مطبخها الذي تحكي أوانيه ومقاعده صمت إيمان الدائم وحديثها المستمر مع نفسها، وتقول quot;فكرت بالاستقلال في سكني، بعد أن فكر إخوتي ببيع البيت الذي تركه أبي لنا بعد وفاتهquot;.

وتضيف إيمان العزاوي (46 سنة)، وهي تقف على الجانب الأيسر من غرفتها الذي تحول إلى مكتبة مليئة بالكتب والمجلات، في منطقة الكرادة وسط بغداد، أن quot;ظلم المجتمع يطاردني لحد الآن، حتى في العمل لاني أعيش وحدي، لذلك أفكر أحيانا بالسفر والإقامة خارج العراقquot;.

نصائح لمن تريد السكن بمفردها
وتنصح إيمان العزاوي العضو في رابطة المرأة العراقية والموظفة في إحدى الشركات الأهلية، المرأة التي تسكن لوحدها بان quot;يتردد عليها أهلها من اجل أن تكون في مأمن من نظرة المجتمع لها، كما أن عليها العودة في وقت مبكر وتحديد علاقاتها حتى مع الفتيات من أجل الحفاظ على هدوء المكان وطبيعتهquot;.

وتؤكد إيمان أن quot;صاحب العمارة التي تسكن فيها فرض على الساكنين عدم سكن الشباب العزاب، يعني ان الساكنين كلهم من العائلاتquot;.

لم يغب عن إيمان حس الدعابة وهي تودع quot;السومرية نيوزquot;، إذ تقول quot;أمر جيد أن تكتبوا عني، ربما يتعرف شخص عليّ من خلال كتابتكم لهذا التقرير، ويعتبرني مناضلة ويتقدم لخطبتيquot;.

ويؤيد مهند حميد (32 سنة) استقلال المرأة بالسكن لوحدها ويقول انه quot;أمر لا باس به لان المرأة الان أصبحت قادرة على إدارة حياتها بالشكل الصحيح والسليم، خاصة المرأة العراقية التي تتمتع بصلابة في مواجهة الظروفquot;، مضيفا بالقول لـquot;السومرية نيوزquot;، quot;انه على الرغم أن نظرة المجتمع قاصرة لحد الآن للمرأة ،إلا أن على المجتمع أن يحترم قرارها بالاستقلال بالسكنquot;.

آخر إحصائية: ثلاثة ملايين امرأة أرملة في العراق
ومن جانبها تؤكد رئيسة مكتب منظمات المجتمع المدني في العراق فائزة العبيدي، أن quot;آخر إحصائية دولية تشير إلى أن عدد الأرامل في العراق وصل إلى 3 ملايين و16 ألف أرملةquot;.

لكن فائزة تقول، إن quot;توجيه المرأة إلى السكن بمفردها نوع من الانفتاح لا أتمناهquot;، موضحة أن ما تتمناه للمرأة هو quot;حرية الفكر والدفاع عن حقوق المرأة المعنفة التي يقع عليها الظلم، فالحالة الشائعة ليس استقلالية النساء بالسكن، بل اضطرار العديد منهن للسكن في منزل واحد مع عدد من العائلات التي تجمعها صلة القرابة بسبب العوز وأزمة السكن، وما يفرزه وضع كهذا من أزماتquot;.

السكن المستقل يجعل المرأة عرضة للاتهامات
أما الطالبة الجامعية نيران علي فوصفت المرأة المطالبة بحق السكن المستقل quot;بالمتهورةquot;، لان المجتمع العراقي لم يصل إلى quot;مستوى الفهم لطبيعة حرية المرأة مما يدعها عرضة للاتهامات والاستغلال من الآخرين، وهذا أمر لا ترضاه المرأة الحكيمة والعاقلةquot;، بحسب تعبيرها.

وتشاركها زميلتها لمى مصعب بالقول إن quot;الاستقلالية شي جميل، لكن الفتاة التي تفكر بالسكن المستقل تريد التمرد على الواقع المعاش خصوصا عندما تصل إلى سن النضج بشكل يدفعها الى التساؤل لماذا يسمح للرجل بالاستقلالية ولا يسمح للمرأة بممارسة هذا الفعل أو ذاكquot;.

وتتابع لمى بالقول quot;إن الكثير من الفتيات يتأثرن بحياة الغرب في كثير من الأمور التي نشاهدها الآن في وسائل الإعلام هو أمر مغلوطquot;، معللة ذلك بان quot;الفتاة لا تفكر ما ذا سيحل بها في مجتمع لم يصل بعد حتى الإقرار بحقها باختيار شريك في الزواج فكيف باختيار نمط حياة بدون زواجquot;.

من جهتها تعزو لميس حقي، كاتبة وإعلامية، أسباب ازدراء المجتمع لسكن المرأة بمفردها إلى ما تسميه quot;الإرهاب الديني المشوهquot;، والذي ترى انه يضع quot;المرأة بمنزلة أدنى من الآخرين، مما يسهل على المجتمع الانتقاص من أي خيار تتخذه، بما في ذلك السكن بمفردها حتى لو اضطرتها الظروفquot;.

تأثير الفكر الديني quot;المتطرفquot;
أما المدرسة كوثر شاكر فترى أن تأثير بعض من رجال الدين على عقول النساء، quot;وقراءاتهم الخاطئة للدينquot;، بحسب توصيفها quot;تسبب في تقوقع المرأة وتراجعها وعدم مطالبتها بحقها المشروع في سكن مستقل، في حين أنها اليوم تشغل مهمات يشغلها الرجال سابقا في العلم والصحافة والطب وكافة مجالات العملquot;، على حد تعبيرها.


وتفسر رفض المجتمع لسكن المرأة لوحدها بأنه quot;تجسيد لرغبة الرجال في الهيمنة على المرأة وغيرتهم من تعلمها وعلو شانها اليوم في مجالات عدةquot;.

فيما يرى صفاء محيي موظف وأب لثلاث بنات جامعيات، أن من تلجأ إلى السكن بمفردها في العراق quot;ستتعرض لانتقادات واتهامات تمس أخلاقها وشرفها، إضافة إلى الظروف الأمنية الخطرة التي يمكن أن تطالها، كونها لا تضمن أن تكون في منأى من الاعتداء من قبل جهات عدةquot;، مؤكدا وهو يستذكر بناته الثلاث quot;أنا لا اسمح لأي من بناتي أن تسكن لوحدهاquot;.

من جانبها تقول الباحثة الاجتماعية رافدة العزي إن المرأة العراقية فقدت حقوقها التي تمتعت بها في ظل العهود والحكومات السابقة، وخاصة تلك الحقوق البسيطة التي منحتها لها ثورة تموز 1958 ومنها التمتع بسكنها المستقلquot;.

وتتابع أن هناك quot;تراجعا عن مشاركة المرأة في الحياة الوظيفية والخدمة العامة والنشاط الاقتصادي، فيما هناك تبعية المرأة المتزايدة للرجل سواء كان أخا أو أبا أو زوجا، وحتى ابن العم أو الخال مما يجعل الحديث عن حرية المرأة باستقلالية السكن أمرا غير واقعيquot;.


نائبات: المرأة مجبرة على السكن لوحدها
وترى عضو مجلس النواب ميسون الدملوجي أن quot;الرجل في العراق وبسبب الحروب ومنذ أكثر من 30 إما مهاجر أو مقاتل في ساحات المعارك، مما يفرض على المرأة أحيانا الاستقلال في مسكنهاquot;.

وتضيف الدملوجي، quot;حتى لو فرضنا أن المجتمع ينظر للمرأة المستقلة في سكنها نظرة مريبة، لكنه يبقى الحل الأمثل للمرأة التي ترفض الوصاية من أي شخص، كما أن بوسع المرأة المحافظة على سمعتها في مجتمع محافظ إذا اختارت السكن بمفردهاquot;.

وتدعو الدملوجي إلى ضرورة أن quot;يهيأ المجتمع العراقي نفسه لتقبل سكن المرأة لوحدها، وعليه أن يحترم المرأة كونها المضحية، فهي التي فقدت الزوج والمعيل وتسعى لتربية أطفالها إن كانت أما، كما أنها تسعى لتستقل اقتصاديا حين يتخلى عنها الجميع حين تكون يتيمة، وهي التي تتصدى بمفردها لنظرات المجتمع الذي ينتقص من قدرها حين لا ينظر المجتمع إلى حجم تقصيره في مساعدتهاquot;، حسب تعبيرها.

من جانبها، تؤكد النائبة المستقلة صفية السهيل أن quot;الظروف المعيشية التي تمر بها المرأة العراقية صعبة، مما يضطرها للخروج والعمل والاستقلال بمسكنهاquot;، مستدركة انه quot;حتى لو توفر المعيل، أي احد الأقارب، فانه سرعان ما يتعرض إلى ضغط الظروف في الحياة اليومية التي تجعله منشغلا بتامين لقمة الخبز لعائلته بشكل لا يدع له مجالا للاهتمام بقريبته التي فقدت المعيل والزوجquot;.

وترى السهيل أن استقلال المرأة بالسكن quot;تأكيد لاستقلالية العائلة، من جهة والاعتماد على النفس من جهة أخرى، وإبراز لشخصية المرأة وهو أمر يجب التشجيع عليه وعدم كبتهquot;.

وتبين السهيل أن quot;هناك عددا كبيرا من الموظفات والفتيات غير المتزوجات، لكنهن يسكن بعيدات عن أسرهن بسبب الأمور التي تعرضت لها البلاد من تهجير ونزوح، بالتالي فان من الطبيعي أن تستقل الفتاة بمسكنها من اجل التأكيد على الاستمرار في طموحاتها في الحياةquot;.

رجل دين وقانوني يؤكدان حق استقلالها بالسكن.. ولكن
فيما يرى رجل الدين كاظم جواد الموسوي، أن quot;الله كفل للمرأة حق التمتع بحريتها كاملة وأعطاها الكثير من الحقوق إضافة إلى الواجبات التي كلفت بها، فهناك الكثير من التشريعات السماوية التي تجيز للمرأة حرية استقلالها بالسكنquot;.

ويضيف الموسوي ان quot;المرأة العراقية وفي ظل هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاهرة، أصبحت تستطيع الاستقلال بآرائها ومسكنها وأمور أخرى ولا احد يعيب عليها ذلكquot;، لكنه يستدرك بالقول إن quot;تركيبة المرأة العراقية وارتباطها القوي بعائلتها وأهلها والظروف الأمنية المحيطة كلها أمور تحتم عدم استقلالية المرأة في السكن حفاظا عليها وعلى سمعتهاquot;.

ويؤيد الخبير القانوني طارق حرب رأي الموسوي في أن القضاء والشرع كفل تمتع المرأة بحرية السكن طالما بلغت سن الرشد، ولا وصاية للغير عليها، ويوضح quot;إذا بلغت المرأة سن الرشد لها أن تفعل ما تشاء، شريطة أن لا تصطدم بالعادات والتقاليدquot;.

ويرى حرب في حديث لـquot;السومرية نيوز، أن quot;المرأة التي تسعى لاستقلالية السكن يجب أن تضع في بالها العادات وليس القانون، كون التفرد بالسكن يتطلب الكثير من المصاريف التي لا يقدر عليها الرجل الذي يخشى في اغلب الأحيان الظروف الاقتصادية والأمنية، إضافة إلى الظروف الأخرى فكيف بالمرأة وهي وحيدةquot; .

ويلفت حرب إلى أن هذه الظاهرة حتى لو كانت مقبولة في مركز المحافظات العراقية، فإنها غير مقبولة في القضاء والناحية والقرية والهور والجبلquot;، مرجحا أن المجتمع quot;قد يجيز حرية المرأة في اختيار شريك حياتها وحقها في السفر، لكنه يرفض استقلاليتها بالسكنquot;.