عثر فريق من الباحثين في جامعة تكساس الاميركية على خمسة جينات بشرية تساهم في نمو الاوعية الدموية عندما كانوا يبحثون عن ادوية يمكنها قتل الاورام، وقد وجدوا هذه الجينات في الخميرة، واتضح أن الخلايا العصبية تتواصل في ما بينها من خلال شبكة جينية.

أشرف أبوجلالة من القاهرة: بينما كان يسعى فريق من الباحثين في جامعة تكساس الأميركية الى البحث عن أدوية يمكنها قتل الأورام من خلال وقف نمو الأوعية الدموية، عثروا على خمسة جينات بشرية لا غنى عنها بالنسبة إلى هذا النمو. وفي الوقت الذي يبحثون فيه الآن عن أدوية يمكنها وقف تلك الجينات عن العمل، فإن الباحثين لم يكتشفوا تلك الجينات الجديدة، بصورة غريبة، في الجينوم البشري، ولا في فئران المختبر أو حتى ذبابة الفاكهة، بل وجدوها في الخميرة.

وتنقل صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية في تقرير لها في هذا الإطار عن دكتور إدوارد ماركوت، قائد الفريق الطبي الذي قام بهذا الجهد البحثي الجديد، الذي مكَّنهم من الوصول لأماكن لم تكن متوقعة، قوله: quot;وجدنا تلك الجينات على سطح الخميرة، وهذا مجرد شيء مجنونquot;. وقد تبين أن تلك الفطريات وحيدة الخلية لا تُصنِّع أوعية دموية، ولا تُصنِّع حتى دماء. وفي الخميرة، اتضح أن تلك الجينات الخمسة تعمل معًا في مهمة ليست ذات صلة على الإطلاق: وهي إصلاح جدران الخلايا. وقد اكتشف دكتور ماركوت وزملاؤه من الباحثين المئات من الجينات الأخرى التي تشارك في الاضطرابات التي تصيب الإنسان من خلال النظر إلى الأنواع البعيدة الصلة.

وقد عثروا على سبيل المثال على جينات مرتبطة بالصمم في النباتات، وجينات مرتبطة بسرطان الثدي في الديدان الخيطية. ثم تقول الصحيفة إن العلماء استغلوا ميزة غريبة من تاريخنا النشوئي. حيث وجدوا في أسلافنا المشابهين للأميبا أن مجموعات من الجينات كانت تعمل معًا بالفعل على بناء جدران الخلايا وغير ذلك من المهام الأساسية البالغة الضرورة للحياة. كما تبين أن معظم هذه الجينات ما زالت تعمل معًا في هذه المجموعات نفسها، على مدار مليار سنة بعد ذلك، لكن للقيام بمهام أخرى في كائنات حية مختلفة.

وهنا، تؤكد الصحيفة أن دراسات مثل هذه تعرض تحولاً جديدًا على أفكار تشارلز داروين الأصلية عن التطور. وتلفت في هذا الجانب إلى أن دراسات بحثية عمرها نحو 150 عامًا قد أكدت بوضوح على فطنة داروين. حيث قام علماء الحفريات على سبيل المثال بتسليط الضوء على تماثلات غامضة من خلال الكشف عن أحافير انتقالية. وتُبَيِّن تلك الأحافير كيف انتقلت خياشيم الحيتان السلفية من غيض من الخطم إلى أعلى الرأس.

ثم دخلت دراسة التماثل مرحلة جديدة في عقد الخمسينات من القرن الماضي. حيث بدأ العلماء في اكتشاف أوجه تشابه في بنية البروتينات. وتبين أن الأنواع المختلفة تحظى بأشكال مختلفة من الهيموغلوبين، على سبيل المثال. وأن كل شكل يتكيف على طريقة معينة للحياة، لكنهم ينحدرون جميعًا من جزيء سلفي واحد. وحين بدأ العلماء في إجراء عملية تسلسل للحمض النووي، كان بمقدورهم إيجاد تماثلات بين الجينات أيضًا. ومن جيل إلى آخر، تم نسخ الجينات في بعض الأحيان عن طريق الصدفة.

وقد تبين أن مجموعات تلك الجينات ndash; التي تُسمى أحيانًا وحدات ndash; تميل لأن تُبقي على عملها بشكل جماعي على مدار ملايين السنين. لكن يعاد تركيبها على طول الطريق. كما يستجيبون لإشارات جديدة، ويعملون للمساعدة على بناء سمات جديدة. في ما تشير الصحيفة إلى أنه ومنذ أن أطلق باحثون عبر دراسة طبية أجروها العام 1997، مصطلح quot;التماثل العميقquot; على تلك الوحدات المقترضة، تحصَّل العلماء على نظرة أكثر تفصيلاً في العديد من الأمثلة على التماثل العميق. وفي هذا السياق، تشير الصحيفة إلى أن أعيننا هي أيضًا نتاج تماثل عميق. وعلى سبيل المثال، تبدو أعضاء قنديل البحر التي تحظى بحساسية من الضوء مختلفة تمامًا عن أعيننا، لكن كليهما يستخدم وحدة الجينات نفسها، لبناء جزيئات يمكنها اصطياد الضوء.

كما اكتشف العلماء أن جهازنا العصبي يتشارك في تماثل أكثر عمقًا مع الكائنات وحيدة الخلية. وثبت أن الخلايا العصبية تتواصل مع بعضها البعض من خلال تشكيل اتصالات يُطلق عليها quot;مشابكquot;. وأن الخلايا العصبية تستعين بشبكة من الجينات لبناء سقالة كاملة لدعم المشبك. وإذا يتساءل ماركوت الآن عما إن كان من الممكن تسريع الخطى على طريق هذا الاكتشاف أم لا، ولا سيما أن الأدلة على وجود تماثلات عميقة قد تكون بانتظار الكشف عنها في المؤلفات العلمية - خصوصًا في مئات الآلاف من الدراسات التي أجراها الباحثون على الطريقة التي تعمل من خلالها الجينات المختلفة في مختلف الأنواع.