لم يكن حلم اللحاق بالعصر النووي في مصر وليد اليوم، لكنه قديم منذ ستينيات القرن الماضي حين قال الرئيس المصري جمال عبد الناصر في أحد خطاباته quot;إن مصر ستلحق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، حتى وإن اقتطعت الخبز من أفواه بنيهاquot;، لكن ذهب هذا الحلم مع هزيمة 1967، ثم عاد مرة أخرى عقب العام 1973 في عهد الرئيس السادات، إنما لم يكتمل مرة ثانية بسبب ضغوط خارجية وفق مسؤولين مصريين.

فتحي الشيخ من القاهرة: في العام 1981 صدر قرار جمهوري مصريبتخصيص أرض بمنطقة الضبعة شمال مصر لإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء، وقامت واحدة من أكبر الشركات الفرنسية بدراسة المشروع ثم توقف للمرة الثالثة في منطقة الضبعة في العام 1986 بعد حادث تشيرنوبل في الاتحاد السوفييتى، وعاد المشروع النووى المصرى يطل مرة أخرى عندما أعلن الرئيس المصري مبارك فتح هذا الملف في خطاب له في أكتوبر 2007. يومها أكد انه أمام نقص الغاز وتراجع إنتاج البترول لا أمل إلا في إنتاج الطاقة البديلة وفي مقدمتها المحطات النووية لإنتاج الكهرباء وهو ما خطت فيه مصر الخطوة الاولى في اتجاه دخولها عصر الطاقة النووية بتوقيعها عقد اقامة اول محطة نووية مع شركة (ورلي بارسونز) الاسترالية.

أصبح لا مفر من دخول مصر العصر النووي في مجال انتاج الطاقة على الاقل لتوفير 60 مليار جنيه تدفعهم الخزانة المصرية لدعم الطاقة سنويًا. هذا ما تؤكده ايضًا دراسة للدكتور طارق سليم أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية من ضرورة الاعتماد على الطاقة النووية والشمسية كمصادر بديلة للبترول والغاز الطبيعي في المرحلة المقبلة في إطار تعرض هذه المواد للنضوب بعد فترة وفي ظل تزايد الاعتماد على خيار المحطات النووية عالميًا، حيث تزود الطاقة النووية دول العالم بأكثر من 16% من الطاقة الكهربائية؛ فهي تلبي ما يقرب من 35% من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي. فرنسا وحدها تحصل على 77% من طاقتها الكهربائية من المفاعلات النووية، ومثلها ليتوانيا. أما اليابان فتحصل على 30% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية، بينما بلجيكا وبلغاريا والمجر واليابان وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وسلوفينيا وأوكرانيا فتعتمد على الطاقة النووية لتزويد ثلث احتياجاتها من الطاقة على الأقل. في حين أن كثير من الدول التي لاتمتلك محطات نووية لانتاج الطاقة تملك محطات بحثية مثل مصر واستراليا تستخدم في الاغراض الطبية والصناعية.

الدخول إلى عصر محطات الطاقة النووية يراه الدكتور محمود القطان الرئيس السابق لهيئة المواد النووية يحقق العديد من الايجابيات اهمها تأمين مصادر متنوعة للطاقة إلى جانب عدم وجود نفايات فهي لا تطلق غازات ضارة في الهواء مثل غاز ثاني أكسيد الكربون أو أكاسيد النتروجين أو ثاني أكسيد الكبريت التي تسبب الاحترار العالمي وتتسبب في التغير المناخي والمطر الحمضي والضباب الدخاني.

كذلك إن كمية الوقود النووي المطلوبة لتوليد كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية هي أقل بكثير من كمية الفحم أو البترول اللازمة لتوليد نفس الكمية؛ فإن طنًّا واحدًا من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر من تلك التي يولدها استخدام ملايين من براميل البترول أو ملايين الأطنان من الفحم وبالتالي تكلفة انتاج الكهرباء تكون ارخص من تلك المستخرجة من المصادر الاخري.

لكن هناك سلبيات يوضحها لايلاف الدكتور اشرف البيومي استاذ الكيمياء بجامعة الاسكندرية قائلا : هناك اتجاه في العالم لعدم الاعتماد على المحطات النووية وتوجد دول توقفت عن إنشاء مفاعلات نووية وبدأت في الإغلاق التدريجي لمفاعلاتها بالفعل مثل بلجيكا، ألمانيا، أسبانيا، أيرلندا، السويد وهولندا. و هناك دول لا تعتمد على المفاعلات حاليا لتوليد الطاقة مثل النمسا، الدانمارك، اليونان، لوكسمبورج، إيطاليا والبرتغال، وياتي هذا الاتجاه لخطورة هذه المحطات وما ينتج عنه من اخطار في على البشر، وهنا الخطر ليس الموت فقط ولكن ما بنتج من امراض تصيب من يتعرض للاشعاع الممكن حدوثه من هذه المفاعلات وهناك العديد من الحالات لحدوث تسرب اشعاعي في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا، إلى جانب أن تكلفة الطاقة منه ليست منخفضة بل العكس اذا تم حساب تكاليف انشاء المحطات التي تتجاوز تكلفتها المليار دولار وهناك سبب مهم يضيفه البيومي وهو الوقود النووي الذي انتاجه عالميا يبلغ 36 ألف طن في حين أن المطلوب لتشغيل 445 مفاعلاً موجودة في العالم - حتى الآن - هو 65 ألف طن مما يعني وجود عجز يكاد يبلغ 56% وهو ما يعني صعوبة الحصول على الوقود النووي اللازمة لتشغيل هذه المحطات.

وبالنسبة إلى الوقود النووي يري القطان انه لن يمثل مشكلة في ظل عدة حلول لجاء اليها المجتمع الدولي مثل قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية انشاء أول مركز عالمي للمواد النووية في العالم، تستطيع الدول الراغبة في برنامج سلمي للطاقة الذرية أن تحصل منه على الكمية المناسبة لتشغيل مفاعل،الي جانب وجود ركائز اليورانيوم في 9 اماكن في مصر في مصر ويجري العمل بواسطة الهيئة لتوفير الوقود النووي، ولكن هذا غير ممكن في راي الدكتور حامد رشدي رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق وذلك لانه من يصنع الوقود النووي يستطيع تصنيع السلاح النووي وهذا نفسه هو العائق امام تصنيع الوقود حتى في ظل وجود الخامات وهذا يجعل عمل المفاعلات برغبة قوي خارجية.

اما ارتفاع تكلفة بناء المفاعل التي تصل إلى ملياري دولار، فهذه لا تمثل مشكلة من وجهة نظر الدكتور القطان قائلا: مصر من الدول الموقعة على اتفاقية حظر الاسلحة النووية وبموجب هذه الاتفاقية يجوز لمصر الحصول على الدعم المالي والفني من الوكالة، ثانيا بالنسبة إلى وقوع حوادث مصر لديها الكثير من الخبرات في هذا المجال، حيث يتم التعامل مع التكنولوجيا النووية حيث يوجد مفاعل أقيم في سنة 1961 laquo;بانشاصraquo; بدلتا مصر يدار بأيد مصرية، كما يوجد مفاعل آخر يدار بكفاءة منذ 10 سنوات إلى جانب توافر الخبرات المصرية في ذلك المجال خير دليل على ذلك وجودهم في المنظمات الدولية.