دافع العالمان جيه كريغ فينتر ودانيال غيبسون عما توصلا اليه من انتاج لأول خلية حية اصطناعية في محاولة للتنصل من وصف إنجازهما بأنه quot;خلقquot;، أو خفض التوقعات الى داخل نطاق مقدراتهما الحقيقية في وضع أساس معقول لعالم أفضل، مؤكدين أن النتيجة هنا ليست شكلا quot;مصطنعاquot; من أشكال الحياة، وإنما خلية quot;حقيقيةquot; قادرة على التوالد.

لندن: كتب العالمان جيه كريغ فينتر ودانيال غيبسون مقالا مشتركا في quot;وول ستريت جورنالquot;، تحدثا فيه عن كيفية توصلهما الى خلق أول خلية حية اصطناعية.

فقالا إنهما أعلنا في العام 1995 متتابعات الحمض النووي quot;DNAquot; للطقم الأول والثاني في سلسلة الجينوم الخليوي. وفي الآونة الأخيرة أصبح من اليسير، بل الروتيني، الحصول على متتابعات الجينوم التي تحوي التوجيهات الجينية الوراثية للكائن الحي، وتخزينها في الكمبيوتر. والأسبوع الماضي، قال العالمان إنهما أعلنا أن هذه العملية يمكن أن تصبح معكوسة بحيث تصبح معلومات الحمض النووي للبكتيريا المحتواة في قرص الكمبيوتر عن الجرثومة الفطرية الأساس لـquot;نفخ الروحquot; فيها.

ومن أجل هذا توجب على فريق من 25 باحث يعمل مع العالمين فك شيفرة خارطة هذه الجرثومة الفطرية وتجميع معطياتها لضخها في خلية مضَيِّفة. وبعد 15 عاما من البحوث التي كلفت 40 مليون دولار، أصبح بوسعهما مزاوجة كل تلك الخطوات من أجل خلق خلايا اصطناعية في المختبر. ويمضي العالمان ليشرحا أن الانجاز الفريد الذي حققاه بدأ على شاشة الكمبيوتر بأكثر من مليون حرف من quot;الأوامر الجينيةquot; التي تتلقاها الجرثومة الفطرية. ثم أجريا تعديلا طفيفا على متتابعات حمضها النووي. فحذفا 4 آلاف من تلك الأحرف مما أزاح اثنين من جينات (مورّثات) الجرثومة الفطرية. ثم استبدلا بعشرة مورّثات أربع متتابعات، طول كل منها أكثر من ألف حرف.

بعد هذا قسم العالمان متتابعات الحمض النووي بأجمعها في أربع زجاجات من الكيماويات التي تؤلف في مجموعها هذا الحمض. ثم مضيا، عبر استخدام هذه المحموعات الأربع، لرص طبقات جينوم تبعا للحسابات المعقدة التي تؤلف جينوم البكتيريا الفطرية، في ما سمياه quot;أكبر عملية تجميع اصطناعي مختبري من نوعها على الإطلاقquot;.

وكانت الخطوة الأخيرة في خلق الخلية هي تنشيط حمض الجرثومة الفطرية النووي المصنّع كيماويا بعد حقنه داخل خلايا جرثومة أخرى طبيعية قريبة الشبه منها. وقال العالمان إن تنشيط هذا الحمض النووي الاصطناعي بدأ في في 26 مارس (اذار) الماضي وبدأ معه خلق الخلايا quot;الاصطناعيةquot; بفضل قدرة الجينوم على استنساخ نفسه ليخرج بالخلايا الاصطناعية. وقد أطلقا على هذه الخلايا اسم quot; Mycoplasma mycoides JCVI-syn1.0quot;.

وأضافا أن ما يميز إنجازهما هو توصلهما الى كون الحمض الاصطناعي قادر على التحكم تماما في الخلايا، وهو ما يفتح الباب عريضا لاستخدامات تغير مستقبل البشرية الى ما يشبه quot;اليوتوبياquot; التي تجاوزت مشاكل العالم التقليدية. ومن هذه توفير مصادر الطاقة والقضاء على الأمراض الوراثية الى آخره من قائمة لا تحصى من المشاكل العالقة الآن بكوكب الأرض.

الإقرار المهم

لكن يبدو أن غرض العالمين من نشر هذا المقال هو أحد احتمالات من ضمنها: التنصل من وصف إنجازهما بأنه quot;خلقquot;، أو خفض التوقعات الى داخل نطاق مقدراتهما الحقيقية في وضع أساس معقول لعالم أفضل، أو على الأرجح، الرد على المنتقدين الذين قالوا إن الخلق المختبري في حال خروجه من باب المختبر يمكن أن يصبح في حد ذاته quot;بلاء على البشريةquot;.

ولذا فقد كرّس العالمان القدر الأكبر من مقالتهما للآتي:
quot;وجدت أبحاثنا في هذا المجال تغطية إعلامية جد واسعة وصفتها بأنها quot;منفذ جبّار الى فهم سر الحياةquot;، لكن هذه ليست هي المرة الأولى التي تجد فيها هذه العبارة طريقها الى العناوين الرئيسية. ففي 14 ديسمبر (كانون الأول) 1967 أعلن آرثر كومبيرغ مع آخرين نجاحهم في نسخ الحمض النووي لفيروس quot;فاي إكس 174quot; بنفس قدرته في العدوى.

ورغم أن هذا أنجز قبل 11 عاما من التعرف على متتابعات الجينوم الفيروسي، فقد كان أمل اولئك العلماء هو أن تساعد أبحاثهم الجينية في التوصل الى علاج للأمراض الفيروسية والوراثية وربما التعرف الى أصل الحياة نفسها. ووقتها وصف الرئيس الأميركي ليندون جونسون ذلك التطور بأنه quot;اختراق علمي مذهلquot;.

quot;ومثلما أن كومبيرغ لم يخلق الحياة داخل المختبر، فنحن أيضا لم نخلقها داخل المختبر. كما أننا لم نصمم أو نخلق كروموزوما جديدا من عدم. لكننا تمكنّا، باستخدام المعلومات الرقمية، من تجميع نسخة معدلة من جينوم الجراثيم الفطرية الطبيعية. والنتيجة هنا ليست شكلا quot;مصطنعاquot; من أشكال الحياة، وإنما خلية quot;حقيقيةquot; قادرة على التوالد، بحيث أن أمهر علماء الأحياء المجهرية لن يكون بوسعه التمييز بين الاثنين بدون لجوئه الى النظر في متتابعات الحمض النووي لكل منهماquot;.

quot;والأسبوع الماضي كتب الرئيس باراك اوباما ما يلي عن تجربتنا الأخيرة: quot;تدركون أن العلماء أعلنوا اكتشافهم منفذا هائلا في مجال الأبحاث الخلوية والجينية، يعرف باسم quot;علم الأحياء الاصطناعيةquot;، وبينما استطاع العلماء في الماضي تطوير خلايا معدلة جينيا باستخدام الحمض النووي، فإننا نشهد للمرة الأولى الآن الاستبدال بكل المادة الجينية الطبيعية في الخلية طقما مجمّعا - أو اصطناعيا - من الجينات. وهذا التطور يبشّر بمنافع عظيمة مثل القدرة على اكتشاف لقاحات جديدة. ولكن، في الوقت نفسه، فإن هذا التطور نفسه يثير مخاوف حقيقية ولذا يتعين علينا أن ننظر بعين ثاقبة الى مضامينهquot;.

الجينوم الاصطناعي هو الإجابة

quot;كان ذلك هو ما كتبه الرئيس أوباما. ومن جهتنا، نحن كاتبي هذا المقال، نرحب بالحوار ونشجع عليه. وحتى قبل البدء في أبحاثنا فقد سعينا للحصول على الرأي العلمي من وجهة النظر الأخلاقية، وأجرينا سلسلة متصلة من المداخلات بسبب إدراكنا لنوع المضامين المتعلقة بهذه الأبحاث.

والعالم يعج اليوم بحوالي 6.8 مليار نسمة وسيصل الى عتبة التسعة مليارات قريبا. ومن الواضح، والحال هكذا، أننا سنواجه مشاق جمّة في توفير المأكل والماء النظيف والرعاية الصحية ومصادر الطاقة لكل هؤلاء البشر بدون إلحاق ضرر كبير بالبيئة. كيف يمكن لنا مواجهة هذا التحدي بدون قفزات علمية هائلة؟ نعتقد أن الجينوم الاصطناعي هو الإجابة.

ونحن نعمل حاليا على تصميم خلايا جديدة أكثر كفاية وفعالية في امتصاص ثاني أوكسيد الكربون وتحويله الى مصدر جديد للوقود و زيوت الطعام والبلاستيك والكيماويات. ولدينا التمويل الآن من معاهد الصحة القومية لتوظيف الحمض النووي الاصطناعي من أجل بناء شرائح لكل فيروسات الانفلونزا المعروفة. وسيتيح لنا هذا إنتاج الأمصال المضادة لها في أقل من 24 ساعة.

ويتم تمويلنا أيضا لمعرفة ما إن كان بوسعنا أخذ طواقم جينية من البكتيريا بغرض إنتاج مضادات حيوية اصطناعية لها تعتبر اليوم أكثر تعقيدا من إمكان إنتاجها بالأدوات المتاحة للصيادلة. وبفضل نوع الأبحاث التي نقوم بها في مجال علم الأحياء الاصطناعية في الوقت الحالي، فمن المؤكد أننا سننجز نوعا من التقدم العلمي والطبي قد لا نستطيع تخيّله اليوم. لكن المضي قدما في هذا الاتجاه يستلزم أن نضمن استخدامات مأمونة ومسؤولة لهذه التكنولوجيا حتى تصب في مصلحة البشرية وليس العكسquot;.