على الرغم من توفير ميزانيّات خياليّة وإمكانيّات وتقنيّات عالميّة من جانب الدولة للمنشآت الطبيّة التابعة لوزارة وهيئة الصحّة في دبي والإمارات الشماليّة، إلا أن جميع الاستراتيجيات التي وضعت من قبل مسؤولي ذلك القطاع الهام ما زالت تعاني تراجعًا ملحوظًا في المستوى المطلوب الوصول إليه بما يتماشى مع النهضة الإقتصادية والعمرانية والإجتماعية التي تعيشها دولة الإمارات. وهو ما بدا واضحًا في عجز الكوادر الطبية وندرتها في بعض التخصصات بالمنشآت الصحية التابعة لهيئة الصحة في دبي، التي بتطوير الاجهزة والمباني، لم تسارع في توفير شواغر الكوادر التي تعاني منها بعض التخصصات الطبية الخاصة بالاطفال، تحديدًا كأطباء امراض الاسنان والسكري عند الاطفال، على الرغم من تفاقم حجم الاصابات بمرض السكري في الامارات لدرجة جعلتها في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث الاصابة بذلك المرض.

إلى جانب ذلك، تعاني مستشفيات هيئة الصحة في دبي من نقص واضح في اطباء الاشعة بسبب الإستقالات الجماعية التي شهدتها مستشفياتها مؤخرًا، خصوصًا مستشفى دبي، والادهى من ذلك هو عدم إستيعاب الكوادر الطبية المواطنية التي أنهت دراستها خارج الدولة في تخصصات طبية مهمّة غير انها غير متوفرة بمستشفيات الهيئة، الامر الذي دفع تلك الكوادر للعمل في تخصصات بديلة.

ووفقًا لمصادر مطلعة داخل الهيئة تفتقر المناطق النائية في دبي إلى توفير خدمات صحية وكوادر طبية بالشكل الذي تحظى به المناطق المركزية مما ساهم في زيادة نسب الامراض المشتركة التي يعاني منها مختلف المواطنين ولعل أبلغ دليل على ذلك هو ارتفاع نسبة السكري بين المواطنين في المناطق النائية بنسبة بلغت أكثر من 65% من إجمالي سكان تلك المناطق بينما بلغت النسبة 25% بين المواطنين و 20 % بين مختلف السكان في المناطق التي تحظى بعناية طبية وتوعوية أكثر.

وفي سياق متصل باتت المستشفيات التابعة لوزارة الصحة في دبي والإمارات الشمالية أسيرة الإهمال ونقص الكوادر الطبية والتمريضية وذلك وفقاً للدكتور سلطان المؤذن رئيس لجنة الشؤون الصحية في المجلس الوطني الاتحادي الذي أكد أن تدني الرواتب في وزارة الصحة مقارنة بالمستشفيات الخاصة والتابعة للحكومات المحلية quot;صحة ابو ظبيquot; ساهم بشكل كبير في هجرة الاطباء من مستشفيات وزارة الصحة، فالإستشاري في وزارة الصحة يتقاضى 28 ألف درهم شهريًا، بينما يتقاضى في هيئة الصحة في أبوظبي من 60 إلى 80 ألف درهم .

وأشار المؤذن إلى مدى إستسلام وزارة الصحة للروتين الذي ساهم في تأخر رواتب بعض الأطباء حديثي التعيين في مستشفى دبا الفجيرة إلى مايقرب من أربعة أشهر متصلة الى جانب ذلك عدم وفاء الوزارة بدفع فواتير البنزين الخاص بسيارات الإسعاف بمستشفى دبا مؤخرًا، وكذلك عدم سدادها لفواتير البدالة داخل المستشفى نفسه، مما دفع أحد الأشخاص المسؤولين في المستشفى من ميسوري الحال إلى دفع قيمة هذه الفواتير بعد توقف سيارات الإسعاف عن العمل لمدة ثلاثة أيام متصلة.

وكشفت تقارير رقابية تم رفعها الى وزارة الصحة أن تراجع مستوى الأجهزة الطبية التي لم تعد صالحة لمواكبة المستجدات الإقليمية على أقصى تقدير على الرغم من تكدس المخازن بأجهزة حديثة منذ اعوام، ساهم في تدني مستوى القطاع الصحي الاتحادي في الدولة، فبالرغم من تغير إدارة مستشفى البراحة مؤخرًا إلا أن الوضع ما زال متراجعًا بشكل واضح للعامة، فأجهزة الأشعة قديمة ومتهالكة وتتسبب بين الحين والآخر في أخطاء في التشخيص، إضافة إلى أجهزة العناية المركزة التي لم يتم تجديد الكثير منها منذ أكثر من عشرين عامًا، وكذلك الأجهزة الطبية المستخدمة داخل غرف العمليات التي بات العديد منها غير صالح للاستخدام في ظل التطور التقني الذي تشهده غرف العمليات في مختلف مستشفيات الدولة والمنطقة، وأخيرًا أجهزة الكمبيوتر المستخدمة من قبل الأطباء التي لم يتم تحديثها منذ العام 2001 حتى الآن، ومن تخلف الأجهزة إلى العجز الواضح في مختلف التخصصات الطبية، فهل يعقل ألا تضم عيادة القلب بمستشفى البراحة سوى طبيبين، وعيادة الصدر طبيبًا واحدًا، وكذلك عيادة الأعصاب، التي لا يوجد فيها تخصص جراحة الأعصاب مما يتسبب بعدم قدرة المستشفى على إسعاف الكثير من المصابين، واللجوء إلى تحويلهم إلى مستشفى راشد، وفي معظم الاحيان تتطلب عملية التحويل بعض الوقت، مما يتسبب أحيانًا بوفاة المصاب وهو في انتظار إسعافه.

وأوضح المؤذن أن عجز الكوادر الطبية والفنية تسبب في تأجل افتتاح الكثير من المشاريع الصحية لسنوات عديدة على الرغم من تجهيزها بالكامل واستعدادها للافتتاح ويأتي في مقدمة تلك المشاريع كمثال صارخ على الاهمال وإهدار المال العام، قسم الحروق بمستشفى الفجيرة الذي تم تنفيذه مع المستشفى في العام 1986 إلا أنه لم يشغل حتى الآن بسبب عدم وجود شواغر للأطباء، مضيفًا أن معظم مستشفيات وزارة الصحة في دبي والامارات الشمالية تحتاج إلى إزالة عاجلة وإحلال سريع، والأخرى تحتاج إلى صيانة شاملة حتى تتمكن من مواصلة العمل لسنوات قليلة قادمة، والادهى من ذلك مستشفى مسافي التي تم إغلاقها فور إفتتاحها أكثر من مرة وقيل أن السبب فني بحت بينما السبب الحقيقي الذي لم تعلنه وزارة الصحة هو النقص الحاد في الشواغر الوظيفية بمختلف أنواعها.

وأوضح المؤذن أن مسؤولية عجز الكوادر مشتركة بين وزارتي المالية و الصحة ولكن على وزارة الصحة المسؤولية الاكبر، بدليل عدم ظهور تلك المشكلة بذلك الحجم في الوزارات الاخرى على مر الاعوام السابقة وحتى الان.