&&محمد م. الأرناؤوط

&

&

&

&

&


&

&

في حفلة افتتاح «معرض أورشليم الدولي للكتاب» في القدس الغربية تمّ تسليم «جائزة القدس الدولية» (أو أورشليم كما تُعرف) الى الروائي الألباني المعروف اسماعيل كاداريه. وكان اعلن عن فوزه بهذه الجائزة في 14 كانون الثاني (يناير) المنصرم مع نشر قرار لجنة التحكيم الذي يقول إن كاداريه «يتميز بالتعبير عن الحرية الإنسانية في مؤلفاته». وبحكم زيارته المتعددة الى اسرائيل وترجمة أهم رواياته الى العبرية مثل «جنرال الجيش الميت» و»العام السيء» و «الخليفة» و»الهرم» و»العرس» وغيرها أمكن للجنة التحكيم أن تقول إن «كاداريه روائي ساخر ومثير للغاية، يروي في شكل ممتاز وعلى مستويات عدة المصير الجماعي، وبخاصة مواجهة هذا المصير... ومع أن شخصياته هي محلية في الغالب إلا أن فهمها وأهميتها عالميان من دون شك».

ارتبطت هذه الجائزة العالمية التي تمنحها اسرائيل كل سنتين منذ 1963 باسم «جائزة اورشليم لحرية الفرد في المجتمع» بمعرض الكتاب الدولي الذي يقام في القدس الغربية كل سنتين، وكان أول من فاز بها برتراند راسل ثم منحت لاحقاً لأسماء معروفة في الأدب العالمي مثل أوكتافيو باز وف. نايبول وماريو فارغاس وآرثر ميلر وميلان كونديرا وصولاً الى الياباني هاروكي موراكامي في 2009 والإسباني انطونيو مولينا في 2013 . وما خلا راسل الذي حصل أولاً على جائزة نوبل فإن من فازوا بعده بهذه الجائزة حصلوا على جائزة نوبل بعد فوزهم بـ «جائزة اورشليم» أو هم ينتظرون دورهم للفوز بهذه الجائزة.

لكنّ الأمر يبدو مختلفاً مع كاداريه، الذي يدخل الآن عامه التاسع والسبعين فهو قضى من عمره نحو أربعين عاماً «مرشحاً مزمناً» لجائزة نوبل الى حد أن كاداريه نفسه يتندر الآن بالقول ان الكثيرين يعتقدون انه فاز بهذه الجائزة لكثرة ما تداولت الصحافة اسمه كمرشح لها منذ 1979.

في تقديمه خلال حفلة تسليم الجائزة وصفه رئيس بلدية القدس نير باركات بأنه «منشق قضى خمسين سنة وهو يكتب الشعر والروايات عن الحياة الصعبة في بلاده»، وهذا ما يمثل جوهر المشكلة بالنسية الى كاداريه. فهو أبدع رواياته الأولى التي روجت شهرته في العالم («جنرال الجيش الميت» و «الحصن» ...) خلال الحكم الشيوعي الذي كان أحد نجومه. وكان عضواً في البرلمان الذي أصدر القوانين التي تنتهك أبسط حقوق الإنسان وصعد في الهرمية السياسية حتى أصبح نائب رئيس «الجبهة الديموقراطية»، الواجهة السياسية للحزب الشيوعي. وكان على علاقة جيدة بأنور خوجا الذي يصفه الآن بـ «الدكتاتور» ولطالما حظي بحرية السفر الى الخارج في الوقت الذي كان زملاؤه الكتاب يفتقدون حرية السفر من مدينة الى أخرى داخل ألبانيا.

ومن هنا سعى النظام الشيوعي جاهداً الى ترجمة أعمال كاداريه الى اللغات الأجنبية، التي كانت تفسّر وقتها بأنها تقدم أفضل صورة عن ألبانيا التي يحكمها الحزب الشيوعي، لتعزيز ترشيحه لجائزة نوبل في سبعينات القرن الماضي حتى حبس الألبان أنفاسهم في 1979 في انتظار النطق باسم الفائز، ولكنهم فرحوا بعدما فازت الأم تريزا بهذه الجائزة في مجال آخر (السلام). وعلى رغم حال البؤس التي كانت تعيشها ألبانيا، التي شهدت «الغولاغ» الحقيقي، إلا أن النظام كان يجد عشرات آلاف الدولارات لتمويل ترجمة مؤلفات كاداريه ونشرها في اللغات الأجنبية وحتى في العربية. ويروي الناقد ابراهيم العريس كيف ان السفارة الألبانية في القاهرة اتصلت به في ثمانينات القرن الماضي لتأمين مترجم يقوم بترجمة روايات لكاداريه دفعة واحدة.

لكنّ كاداريه بعد زلزال أوروبا الشرقية أدرك انه في سفينة غارقة فغادر ألبانيا في تشرين الأول (أكتوبر) 1990 الى باريس ليعلن من هناك «الانشقاق» عن النظام الذي كان على وشك الانهيار. ومن هنا بقيت مشكلة كاداريه بالنسبة لجائزة نوبل تكمن في ماضيه مع النظام الشمولي، ولذلك كتب وبالغ في الكتابة ضد الحكم الشيوعي في بلاده وضد «الديكتاتور» أنور خوجا الذي كان يمجّده بما يكتب له من إهداءات على مؤلفاته.

ومع توقفه عن الإبداع في السنوات الأخيرة كان كاداريه حريصاً على إصدار كتاب كل سنة يتضمن مقالات منشورة وغير منشورة يتناول فيها شخصيات وأحداثاً تثير سجالات في وسط الألبان لكونها تمسّ هويتهم، ومنها علاقة ألبانيا بالشرق والإسلام. دعا كاداريه الألبان للعودة الى جذورهم الأوروبية المسيحية وأصبح يشير الى نفسه «من أصل مسلم»، وهو التعبير الذي استخدمته الصحيفة الإسرائيلية «تايمز اوف اسرائيل» في المانشيت بمناسبة الإعلان عن فوزه بـ «جائزة اورشليم»، وراح يكثر من زيارة اسرائيل ويتجنب زيارة أية دولة عربية. وكان من الطبيعي أن تستثمر وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه المناسبة لأغراض أخرى. سئل كاداريه في مقابلة مع وكالة «اسرائيل ناشيونال نيوز» عن التشابه بين الألبان واليهود لكونه زار اسرائيل مرات فركّز على «التسامح والصداقة بين الشعبين وحماية الألبان لليهود خلال الهلوكوست» وركّز على ان التشابه ببين الشعبين يكمن في «الكفاح في سبيل البقاء». ومع أن كادرايه انتقد بقوة القرار الذي اتخذه أول رئيس غير شيوعي لألبانيا (صالح بريشا) في 1994 ويقضي بانضمام ألبانيا الى»منظمة المؤتمر الإسلامي» لأنه يعتبر ألبانيا جزءاً من أوروبا وليست جزءاً من «العالم الإسلامي» إلا أن وكالة الأنباء الإسرائيلية وجدت في اللقاء مع كاداريه فرصة لتشيد بألبانيا بكونها «إحدى حليفات اسرائيل القلائل في العالم الإسلامي التي لها علاقات ديبلوماسية وتجارية جيّدة مع اسرائيل».

أعطت هذه الجائزة بعض الوهج لكاداريه بعد أن حصل في 2005 على جائزة «مان بوكر» البريطانية وعلى جائزة «أمير آستوريا» الإسبانية في 2009، بحيث بقي اسمه يتردد من حين الى آخر كمرشح لجائزة نوبل. ومن هنا قال رئيس لجنة تحكيم «جائزة اورشليم» يوئيل ماكوف بمناسبة منح الجائزة لكاداريه إن كادرايه رُشّح مرات لجائزة نوبل و»لو كان فاز بها لما كان في الإمكان أن نمنحه هذه الجائزة التي تُعطى فقط لمن لم يحصل على جائزة نوبل. لكن هذا فأل حسن لأن الكثر من الكتّاب الذين مُنحوا هذه الجائزة فازوا في ما بعد بجائزة نوبل».

ولأجل ذلك «الفأل الحسن» كان من الملاحظ ان كاداريه تهرب من الحديث عن السياسة ولم يشأ أن يجيب عن سؤال مباشر يتعلق بانتقاد بعض السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين الذين كانوا غائبين تماماً في برنامج الزيارة.
&