شهدت مصر في العام 2009 العديد من السجالات السياسيّة، ولا تبدو مصر على أبواب تغيير وشيك في وقتتركزتفيه الخلافات حول خلافة الرئيس حسني مبارك، والأزمات التي عصفت بحركة الإخوان المسلمين، في وقت ارتفع فيه مستوى الطائفية في مصر، بينما واصل مرض الإنفلونزا المكسيكية في حصد المزيد من الأرواح والإصابات في مصر.

شأنه شأن غيره من الأعوام السابقة التي مرت بها مصر، فلن تجد في شتى ربوع quot;المحروسةquot; الكثيرين ممن يتحسرون على العام المنصرم 2009، ولكن في المقابل أيضًا، فلن تصادف الكثيرين من المستبشرين تغييرًا بنسمات العام المقبل 2010، وإن راودت الجميع الأمنيات الطيبة بأن يكون quot;عامًا أفضلquot;، أو بالأحرى quot;أقل سوءًاquot; من العام الذي شهد quot;حالة سجاليةquot;، غير مسبوقة منذ قيام الجمهورية في مصر على أنقاض النظام الملكي بعد حركة الضباط في العام 1952 .

بلغة أكثر وضوحًا، فلم يكن 2009 عامًا جميلاً للمصريين في شتى جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه بقليل من تدقيق النظر سوف يتضح أن مصر شهدت خلال العام الذي يجمع أغراضه ويستعد للرحيل حراكًا سياسيًا غير مسبوق في تاريخها وإن كانت بوادر التغيير لا تبدو وشيكة .

ولا يقتصر حديث البديل على المشهد السياسي بالبحث والجدل حول الرجل الذي يمكن أن يقود دفة بلد كبير مثل مصر بعد الرئيس حسني مبارك، بل امتد السجال لمؤسسات أخرى كالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، خاصة في ظل تراجع الحالة الصحية لقداسة البابا شنودة الثالث بطريرك كبرى الكنائس الشرقية، التي تضرب بجذورها منذ فجر المسيحية حتى اليوم، مرورًا بالحديث عن معايير مختلفة لاختيار شيخ الأزهر، الذي يشكل مرجعية تقليدية للمذهب السني في العالم الإسلامي، وتواتر المطالبات بضرورة إعادة النظر في أسلوب اختياره وتعيينه، ليصبح أكثر استقلالية عن الجهاز التنفيذي للدولة على غرار ما يحدث في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وصولاً للحديث عن خلافة المرشد العام لكبرى الجماعات الإسلامية quot;المحظورة رسميًاquot; في مصر، والتي توصف بأنها quot;أم الجماعاتquot;، وهي بالطبع جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; التي شهدت في نهاية العام المنصرم أزمة وصفت بالأخطر من نوعها في تاريخها إذ لوح محمد حبيب - النائب الأول للمرشد العام بتقديم استقالته من منصبه كنائب أول للجماعة .. معزيًا ذلك إلى ما أسماه بـ quot; تجاوزات في عملية الانتخاباتquot; .
جاء ذلك في وقت أصرت فيه غالبية قيادات الجماعة على نزاهة انتخابات مكتب الإرشاد بها، وهو أرفع هيئاتها، وأنها مرت دون تجاوزات، وقوبلت نتائج الانتخابات الداخلية للإخوان باعتراضات من جانب ممثلي ما بات يسمى إعلاميًا بالتيار الإصلاحي داخل الجماعة التي يقدر عدد أعضائها بالملايين .

وباختصار فإن العام 2009 الذي لملم أوراقه ورحل من دون أن يترك في نفوس المصريين ذكريات طيبة يفتقدونه بها بعدما أصبح حمل لقب quot;العام المنصرمquot; .

خلافة مبارك
البداية كانت مع quot;أم المعاركquot; السياسية والإعلامية وسيدة السجالات في مصر، وهي مسألة خلافة الرئيس الحالي حسني مبارك، وقد شهد العام 2009 جدلاً لا ينتهي في هذا السياق حيث تردد المعارضة على اختلاف مشاربها أن الحزب الوطني الحاكم وعلى رأسه الرئيس حسني مبارك يعد نجله جمال الذي يتولى أمانة لجنة السياسات في الحزب الحاكم لخلافته، وذلك من خلال خوض الانتخابات الرئاسية 2011 ، غير أن الحزب الحاكم في مصر يصر على أنه غير مطالب حاليا بإعلان مرشحه وأن اختيار المرشح المقبل سيجري في مؤتمر خاص العام 2011 يخصص فقط لتسمية مرشح للرئاسة .

وفي سياق متصل، فقد شهد العام 2009 الإفراج الصحي عن المعارض الشهير أيمن نور، الذي كان يقضي حكمًا بالسجن لخمس سنوات لإدانته في نهاية عام 2005 بتزوير أوراق تأسيس حزب الغد الذي أسسه وكان يتزعمه قبل سجنه .

وعقب خروجه أعلن نور أنه قرر خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في مواجهة مرشح الحزب الحاكم أيًا كان مؤكدًا أن لديه خطوات قانونية ستمكنه من إلغاء قرار منعه من ممارسة العمل السياسي بسبب العقوبة ولم يكن نور هو الوحيد الذي أعلن عزمه الترشح للرئاسة، حيث أعلن المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي شروطا للترشح للرئاسة وأعلن أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى أنه لا يستبعد الترشح، غير أنه أعلن قبل أيام أنه لن يترشح لأن الطريق إلى الرئاسة مغلق .

وكان البرادعي قد أصدر بيانا من مقر إقامته في العاصمة النمساوية quot;فييناquot; يطالب فيه بعدد من النقاط اعتبرها البعض شروطا للترشح منها ضمان نزاهة العملية الانتخابية وإشراف قضائي كامل ورقابة دولية ووضع دستور جديد يكفل الحريات وحقوق الإنسان .

وتعرض البرادعي الحائز جائزة نوبل للسلام لهجوم شديد في الصحف الحكومية منذ إعلانه إمكانية ترشحه للرئاسة المصرية ودعوته إلى توفير شروط تجعل من الترشح لها أمراً ممكناً لكافة المصريين، وفي مقدمتها إدخال تعديلات دستورية لتحسين شروط الترشح وتشكيل لجنة مستقلة للانتخابات وتوفير إشراف قضائي ورقابة دولية على مجريات العملية الانتخابية .

وهكذا خرجت للبرادعي تهم بالغة القسوة والحدة، وأفردت الصحف الحكومية مساحات واسعة تصفه بأنه quot;عرّاب احتلال العراقquot; وquot;عميل أميركيquot;، وذلك في سياق حملة نقلت البرادعي من خانة المرشح إلى لائحة quot;الخونةquot;، لمجرد أنه لم ينف رغبته في الترشيح ، بغض النظر عن مدى جدية إقدامه على هذه الخطوة .

ثقافة وفتاوى
كما شهدعام 2009 خسارة فادحة لوزير الثقافة المصري فاروق حسني للفوز بمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لصالح البلغارية إيرينا بوكوفا بفارق أربعة أصوات في انتخابات علق عليها حسني بأن أمريكا والدول الكبرى نفذت لعبة لمنع تولى مصري إدارة المنظمة.

أما على صعيد quot;لعبة الإفتاءquot; فقد أعلن بيان رسمي لدار الإفتاء المصرية أن إجمالي الفتاوى التي صدرت عنها في العام 2009 بلغت أكثر من 400 الف فتوى، ما بين فتاوى مكتوبة أو شفوية أو هاتفية وكذلك عبر الإنترنت، وقد تنوعت الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية خلال العام المنصرم 2009 حيث شملت كل ما يعن للمسلمين من أمور في جوانب الحياة المختلفةquot;، كما يقول تقرير الدار .

ووفقاً لتقرير دار الإفتاء المصرية فقد شهد العام 2009 إصدار مجلة علمية فصلية محكمة، تصدر أربع مرات في السنة، وتنشر فيها الدراسات العلمية الشرعية الرصينة والمحكمة، من داخل مصر وخارجها، لتكون نبراسا يهتدي به طلاب العلوم الدينية، لنشر الوسطية الإسلامية التي يعوّل عليها كثيرا في نشر صحيح الإسلام وخلق بيئة إسلامية صالحةquot;، كما يقول تقرير دار الإفتاء المصرية .

كما أولت دار الإفتاء المصرية لموقعها الإلكتروني أهمية كبيرة حيث جرت ترقيته وتطويره من حيث الشكل والمضمون، ويبث مادته بتسع لغات؛ العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والملايو والتركية والروسية والأوردية والفارسية .

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الرقم الذي يقترب من نصف مليون فتوى هي تلك التي أصدرتها المؤسسة الرسمية للفتيا في مصر، أما ما يصدر عن جهات رسمية أخرى كلجنة الإفتاء في الأزهر، أو غير الرسمية مثل العلماء والدعاة ممن لا يشغلون مناصب رسمية، أو الذين يتواصلون مع ملايين الناس عبر شاشات الفضائيات أو مواقع الإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام، فتكون بذلك الحصيلة بعدم ملايين من الفتاوى، التي أصبحت quot;لعبة رائجةquot;، لشتى وسائل الإعلام حتى داخل المؤسسات الثقافية والسياسية، ناهيك عن الطلب الاجتماعي الذي تتسع مساحته على quot;الإفتاءquot; على نحو غير مسبوق في الشارع المصري

أزمة الإخوان
اللافت هنا أن ما بات يوصف بـquot;أزمة الإنهاكquot; أو quot;حالة الترهلquot; لم تقتصر على النظام الحاكم فحسب، بل امتدت إلى كافة قوى المعارضة السياسية، بدءاً من الأحزاب الشرعية المعترف بها، وصولاً للجماعة المحظورة quot;الإخوانquot;، حيث بدا أن مرشدها العام محمد مهدي عاكف، يحاصر خليفته، (نائبه الحالي محمد حبيب)، حتى وهو يعلن انسحابه بعد انتهاء دورته في كانون الثاني (يناير) ويبدو أن فكرة البديل استفزّت عاكف فوضع دائرة تحاصر طموح حبيب للمنصب، لهذا اقترح تقديم الانتحابات الداخلية للجماعة، وبهذا مهد الطريق باختيار أعضاء في لمكتب الإرشاد (الهيئة التنفيذية للجماعة) تكفل عدم اختيار حبيب مرشداً عاماً، وهو ما فجر صراعات داخلية ظلت حبيسة الغرف المغلقة وصدور قادة الجماعة لتخرج إلى العلن عبر شاشات الفضائيات والتصريحات الصحافية، والآلاف من مواقع الإنترنت الخاصة بالجماعة وفروعها المنتشرة في شتى بقاع مصر والعالم الإسلامي بل وحول العالم، وتحولت الأمر لوضع بالغ الغرابة، فشؤون الجماعة التي يفترض أنها quot;محظورة قانونياًquot; أصبحت حديث الساعة عبر الصحافة والفضائيات والإنترنت وتقام عشرات المؤتمرات والندوات التي تتحدث عن مستقبل quot;المحظورةquot;، في ظل حالة من الصمت أو التسامح من قبل النظام الحاكم، وإن كانت وفق quot;حدود عرفيةquot; بالطبع .

وكما يقول حسام تمام، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان، فإن الجماعة تشكل حالة خاصة يصعب على كثيرين ممن لم يعتادوا على هذا النمط من التنظيمات الشمولية فهمها بدقة، فهي من ناحية هيكلها التنظيمي أكبر من الحزب، ولكن دون الدولة، وهي في بنيتها الفكرية وتوجهها السياسي أقرب لجبهة أو مظلة جامعة لتيارات إسلامية مختلفة في الفكر السياسي منها إلى تنظيم سياسي له برنامج محدد، ويمكنها استيعاب تعددية تجمع فيها تيارات من تخوم السلفية المحافظة حتى حدود الليبرالية المتدينة، وهي تيارات ظلت رغم اختلافها قادرة على التعايش معها إذ يجمعها القبول بالعمل التنظيمي الواحد والقبول بمبدأ التغيير السلمي التدريجي من دون صدمات أو مواقف مفاجئة .

وبين هذا التنوع يمكننا الحديث عن تيارين يقتسمان الجماعة؛ الأول تيار العمل العام (المنفتح أو الإصلاحي) الذي تكون في فضاء العمل الطلابي والنقابي والسياسي المفتوح، وهو المعروف بالتيار (الإصلاحي) الذي ظل يرسم وجه الجماعة في الحياة العامة، وأبرز رموزه في مكتب الإرشاد عبد المنعم أبو الفتوح، أما التيار الثاني فهو تيار العمل التنظيمي الذي يدير البناء التنظيمي للجماعة ويمسك بمفاصلها ويتولى مسئولية التجنيد وتحديد مراتب العضوية ودرجاتها ويضع مناهج التثقيف والتكوين الداخلي، هو تيار يوصف إعلاميا بـ (المحافظ) أو (الصقور) ومن أبرز رموزه في مكتب الإرشاد أمينه العام والرجل الحديدي محمود عزت .

الأمن وأوباما
أما في ما يتعلق بالوضع الأمني شهد العام الماضي انفجارا بمنطقة الحسين بوسط العاصمة القاهرة أسفر عن مقتل سائحة فرنسية وإصابة 17 شخصا من جنسيات مختلفة . كما شهد العثور على كميات من المتفجرات في سيناء تردد أنها كانت معدة للتهريب إلى قطاع غزة .

وشهد 2009 أيضا القبض على خلية حزب الله حيث أعلن النائب العام المصري أن قيادات حركة حزب الله اللبنانية دفعت بعض كوادرها إلى مصر بهدف استقطاب بعض العناصر لتنفيذ عمليات عدائية داخل مصر خاصة ضد السياح الإسرائيليين، وفي إطار ذلك تجرى حاليا محاكمة 26 شخصا بينهم لبنانيان وخمسة فلسطينيين و19 مصريا بتهم تتعلق بالانضمام لجماعة إرهابية والتخطيط للقيام بعمليات إرهابية .

ومن الأمور التي سيظل المصريون يذكرونها لعام 2009 اختيار الرئيس الأميركي باراك أوباما مصر منبرا لإلقاء كلمته للعالم الإسلامي، إضافة إلى ما أعلنته السفيرة الأميركية لدى القاهرة مارغريت سكوبي أن اختيار الإدارة الأميركية لجامعة القاهرة ليلقي منها أوباما كلمته إلى العالم الإسلامي يأتي من منطلق المصالح المشتركة التي تربط بين البلدين .

وأثار اختيار الرئيس الأميركي للقاهرة انتقادات من قبل نشطاء مصريين وآخرين مدافعين عن الديمقراطية في الغرب لاختياره مخاطبة المسلمين عبر منبر مصري، بزعم أن هذا الموقف من شأنه إسباغ المشروعية على نظام الرئيس مبارك، الذي يحكم البلاد في ظل قانون الطوارئ منذ العام 1981 حتى الآن