يحتفي الفلسطينيون بمدينة أريحا التي تعتبر أقدم مستوطنة بشرية عرفها الإنسان، وتنتظم حاليا فعاليات quot;أريحا عشرة آلاف عامquot; بمشاركة رسمية وشعبية وأجنبية. ويؤكد القائمون على هذه الفعاليات أنها تأتي لتحقيق تنمية شاملة لمنطقة أريحا من خلال جذب الاستثمارات الثقافية والسياحية والاقتصادية والاجتماعية.


رام الله: انطلقت في الأراضي الفلسطينية مؤخرا، فعاليات quot;أريحا عشرة آلاف عامquot; بمشاركة رسمية وشعبية وأجنبية واسعة حيث لاقت هذه الاحتفالات أصداء واسعة على الصعيد المحلي والدولي في ذكرى مرور عشرة آلاف عام على نشأة مدينة أريحا التي تعتبر أقدم مستوطنة بشرية عرفها الإنسان دون أن تحظى هذه المدينة بمكان على سلم تصنيفات منظمة اليونسكو كمدينة تراثية لأسباب سياسية تتعلق بأن الأراضي الفلسطينية ليست دولة مستقلة حتى الآن.

وأكد القائمون على مشروع ldquo;أريحا عشرة آلاف عامrdquo; أن هذه الفعاليات تأتي لتحقيق العديد من الأهداف أهمها تحقيق تنمية شاملة لمنطقة أريحا من خلال جذب الاستثمارات الثقافية والسياحية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتثبيت أريحا على خارطة السياحة الدولية، وبناء صورة حضارية لفلسطين، وجعل منطقة أريحا مسرحاً لتبادل الثقافات من خلال إقامة النشاطات الفنية والثقافية، وتنفيذ خطة تنموية شاملة للمنطقة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

رئيس بلديّة أريحا حسن صالح

وبهذا الخصوص قال رئيس بلدية أريحا حسن صالح، لـquot;إيلافquot; إن احتفالية أريحا عشرة آلاف عام التي انطلقت بعنوان quot;اكتشف أقدم مدينة في العالمquot; هي رسالة في منتهى الأهمية بكل المعاني وتهدف إلى تعريف العالم بأن في فلسطين كانت بدايات الحياة وفيها كانت بدايات انتقال الانسان من حياة الكهوف والمغر إلى الحياة الانسانية باعتبار أريحا أول مستوطنة بشرية أقامها الانسان وفيها كانت أول زراعة وأول بيت وأول حياة اجتماعية انسانية.

وأشار إلى أن هذا المعنى يعد بمنتهى الأهمية وكان قد أقيم ضمن الحضارة النطوفية والحضارة الكنعانية منذ عشرة آلاف عام كما دلت الأبحاث التاريخية التي أجريت على موقع تل السلطان.

وتقول هذه الأبحاث كما يضيف رئيس البلدية quot;إن المنطقة مر عليها كثير من القادمين من الخارج ومنهم يوشع بن نون والذي قتل نحو200 ألف من سكان هذه المدينة آنذاك، وبعده نبوخذ بن نصر، وأنطونيو، وكيلو بترا ، منوها بأن الثابت والباقي في هذه الأرض هم الكنعانيون العرب وهذا يدل على الوجود العربي الفلسطيني في هذا المكان منذ آلاف السنين وبهذا رسالة واضحة للعالم.
وأكد صالح أن الهدف الثاني من الاحتفالية يتعلق بالمسألة التنموية بمعنى ضرورة تركيز وتسليط الضوء على هذه المدينة لإقامة المشاريع التنموية والاستثمارية.

وقال quot;إن هذه المدينة التاريخية يزورها عمليا نحو مليون سائح أجنبي، ولكنهم يمرون مرور الكرام على هذا المكان ولذلك كان التفكير بخلق وإنشاء مشاريع تنموية كبناء الفنادق والمنتجعات لتأمين منامات لآلاف السواح وهذا يتطلب وجود بنية تحتية أثرية وسياحية قادرة على أن تملأ يوم ووقت السائح الذي يزور المنطقةquot;.

ونوه بأن مثل هذه الاحتفالية ستعيد التركيز على أريحا والأغوار كمنطقة زراعية وبالتالي تشجيع الاهتمام بالزراعة في المنطقة التي تصحرت بسبب الاهمال وقيام إسرائيل بسرقة مياه نهر الأردن.

وذكر صالح أن مدينة اريحا تمتاز بأنها أخفض مدينة على الأرض حيث تنخفض عن سطح البحر نحو 300 متر وفي منطقة البحر الميت يكون الانخفاض على مسافة 417 مترا وبالمقابل فإن القدس التي لا تبعد عن أريحا سوى أربعين كيلو مترا تقريبا ترتفع عن سطح البحر نحو 800 متر.

تسميات مدينة اريحا

وحول الأسماء التي تشتهر بها أقدم مدينة في العالم ذكر صالح أن أريحا تشتهر بالعديد من الأسماء أبرزها quot;مدينة القمرquot; وهي تسمية جاءت نتيجة لاسم المدينة القديم وهو quot;ياريحوquot; وهي كلمة كنعانية تعني القمر، فالاسم اسم كنعاني سامٍ أصيل، ومدينة quot;السيسبانquot; وهو نوع من أنواع الورود التي تشتهر به، ومدينة quot;النخيلquot;، وفي بعض الروايات فإن اسم أريحا كان نسبة إلى quot;أريحا بن سامquot; ولكن الثابت هو أن اريحا مدينة القمر للأصل الكنعاني.

سلام فياض خلال افتتاح الفعاليات

وحول الاحتفالية التي افتتحت بتاريخ 10/10/2010 قال صالح إنها كانت كما قررت اللجنة التوجيهية للإعلان عن بدء الفعاليات التي ستمتد لخمس سنوات قادمة، وكان من أبرز ما تم الاتفاق عليه من قبل مؤسسات المدينة هو أن الاهتمام يجب أن ينصب على إقامة المشاريع التنموية.

وتابع أن أبرز ما ميّز هذه الافتتاحية هو انعقاد جلسة لمجلس الوزراء الفلسطيني في مدينة أريحا لأول مرة بعد خروج اجتماعات مجلس الوزراء من أريحا إلى رام الله حيث أقر المجلس جملة من التوصيات المهمة لإقامة مجموعة من المشاريع التي ستنفذ خلال السنوات الخمس القادمة.

ونوه بأن حفل الافتتاح اشتمل على احتفالية فنية كانت ناجحة بكل المقاييس بمشاركة الآلاف من المواطنين والسياح والأجانب والوفود الأجنبية والرسمية وكل القناصل المعتمدين لدى السلطة وأصدقاء المدينة من النروج وإيطاليا، كما تم على هامش البرنامج افتتاح عدد من المشاريع كشارع محمود درويش ووضع حجر الأساس للمنطقة الصناعية الزراعية.

وناشد صالح رجال الأعمال الفلسطينيين والعرب والأجانب إلى التوجه لإقامة مشاريع في منطقة أريحا والأغوار لأنها منطقة واعدة ونامية وتجاريا تبعد عن الطريق الدولي الذي يصل ما بين مصر والسعودية والأردن والعراق وسوريا وبيروت وتركيا كيلو مترين فقط لذلك فإن اقامة المصانع في أريحا تكون من صالح المستثمر.

وانتقد رئيس بلدية اريحا المنظمات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة وخاصة منظمة اليونسكو لعدم إدراجها لأقدم مدينة في العالم ضمن المدن التراثية العالمية والحجة أنها ليست تابعة لدولة مستقلة وهذا يتطلب جهدا إضافيا من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية للضغط على المؤسسات الدولية من أجل ذلك.

الحكومة تولي اهتماما بمحافظة أريحا

وزيرة السياحة والآثار في الحكومة الفلسطينية والمقررة للجنة التوجيهية للمشروع الدكتورة خلود دعيبس، قالت في تصريح لـquot;إيلافquot; إنّ الحكومة تضع محافظة أريحا والأغوار على رأس أولوياتها كجزء أساسي من خطة بناء الدولة الفلسطينية ومن هذا المنطلق قامت بعقد اجتماع للمجلس الوزاري في أريحا ايذانا باعلان انطلاق الاحتفالية وتأكيدا على اهتمامها بالمنطقة وللاعلان عن انطلاق مشاريع اعادة التأهيل وافتتاح المشاريع التنموية التي من شأنها تعزيز واقع السياحة في تلك المنطقة.

وقالت إن مشروع أريحا عشرة آلاف عام يبث رسالة فلسطينية إلى العالم أساسها أن هذه المنطقة احتضنت أمة متحضرة منذ آلاف السنين وشهدت على تطور البشرية ومثل هذه الأمة تستحق دولة مستقلة ذات سيادة على أرضها.

وأكدت أن الحكومة تسعى لأن تكون أريحا وبيت لحم والقدس ضمن المدن التراثية على مستوى العالم كما تعمل على تشجيع الاستثمار ومشاركة المجتمع المحلي وهناك الكثير من المشاريع القادمة لأريحا، لإبراز الوجه الحضاري لفلسطين، في معبرها البري الشرقي للعالم الخارجي.

ولفتت دعيبس إلى أهمية مشاركة القطاع الخاص إلى جانب مجتمع المانحين في عملية تنفيذ وتمويل المشاريع التي ستشرف عليها الحكومة الفلسطينية.


وتابعت quot;سنطور أريحا عبر شراكة قوية مع المجتمع المحلي والدولي من خلال خطط مدروسة، خاصة في ظل الحاجة الملحة للمدينة لجملة مشاريع أساسية في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتيةquot;.

وضمن إطار اهتمام الحكومة بمحافظة أريحا، عقد مجلس الوزراء اجتماعا خاصا للاعلان عن انطلاق مشروع اريحا عشرة آلاف عام بحضور محافظ أريحا والأغوار كامل حميد.

وشارك رئيس الوزراء د. سلام فياض بحفل الافتتاح بحضور كل من وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير ونظيره الاسباني ميغيل موراتينوس، وممثلي الحكومة اليابانية وعدد من ممثلي الدول المانحة والدبلوماسيين.

وأكد فياض أهمية المناسبة قائلاً quot;إن هذه المناسبة لها رمزية خاصة، نحن هنا في هذه المنطقة منذ البدايات منذ عشرة آلاف سنة، وسنستمر بالوجود هنا حتى النهايات، هذه ليست احتفالية فقط، وإنما إطلاق جهد تنموي شامل في أريحا، والتي تعدّ عروس المنطقة والبوابة الشرقية للدولة الفلسطينيةquot;.

وأضاف فياض quot;هذه مناسبة لتجديد التزامنا على الاستمرار لبذل كل الجهد الممكن ولضمان التهيئة والجاهزية الوطنية لإقامة الدولة، وإن اهتمامنا بعيد أقدم مدينة في العالم، يأتي بغض النظر عن القيود الإسرائيلية الخانقة في الأغوار ومناطق (C) التي لا نعترف بهذه التسمية والتصنيفات الإسرائيلية، لأننا نبني في كل مناطق الوطن، وإننا نحثّ المجتمع الدولي لبذل المزيد من الجهد لنتمكن من بناء الدولة على أسس سليمة وبمؤسسات متينة وفاعلةquot;.

وتابع أن هذه المناسبة ليست احتفالية بقدر ما هي التزام بمشروع وطني وهو استكمال البناء والاعداد للدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشريف.

وكانت لجنة مشتركة تمثل بلدية أريحا ووزارة السياحة ومؤسسة quot;جايكاquot; اليابانية قامت بوضع يافطات ولافتات إرشادية للمواقع الأثرية لمساعدة السياح في التعرف إلى المواقع السياحية.

كما تعكف البلدية على اصدار سجل مصور للمدينة من عام 1896 حتى عام 1967 ، وعلى عمل أوبريت غنائي بالتعاون مع الملحن سمير مخول وكلمات الشاعر محمود أبو الهيجا كما أنتجت أغنية للفنان مراد السويطي بدعم من وزارة الثقافة بعنوان quot;بالحب أريحا ضميناquot; من كلمات الشاعر مهدي سردانة وألحان وتوزيع رامي عرفات.

وتشمل فعاليات أريحا عشرة ألاف عام اطلاق حملات توعية للتعريف بالمشروع في المدارس الفلسطينية واطلاق يوم البريد الفلسطيني المفتوح وسيتم خلاله اطلاق الختم البريدي الخاص بالمشروع وافتتاح مشاريع تنموية وتم أيضا خلال هذه الاحتفالات الكشف عن جدارية نفذتها مجموعة من الفنانين والتشكيليين الفلسطينيين ضمن مجموعة أعمال فنية بعنوان quot;لقاء تحت سطح البحرquot; وتم أيضا اضاءة قصر هشام وانطلاق ماراثون اريحا من مدرسة quot;تراسنطاquot; إلى مقر الأكاديمية الفلسطينية للعلوم الأمنية وعروض فنية وموسيقية عديدة.

يشار إلى أن مدينة أريحا يعود تاريخها إلى 6800 عام قبل الميلاد وكانت مبنية من الطوب اللبن وكان حولها خندق عرضه 28 قدما وعمقه ثمانية أقدام ومنحوت من الصخر ودمرت في آواخر العصر البرونزي وكان منقبون اكتشفوا آثارا تدلل على ذلك في موقع المدينة التاريخي كالفخار والمصنوعات البرونزية وعظام بشرية وحيوانات.

وتمتاز أريحا بالعديد من المواقع الأثرية مثل تل عين السلطان وهي نبع ماء قديم جدا يبعد عن أريحا مسافة كيلو مترين، وقصر هشام وهو قصر عربي بناه هشام بن عبد الملك الذي حكم خلال الفترة من 724 ميلادي وحتى 743 ميلادي خربة المفجر في أريحا.

ويوجد في مدينة القمر quot;دير قرنطلquot; الذي يؤمه العديد من السياح الأجانب، وكان قد تأسس على يد الأرشمندريت أفراميوس سنة 1892 وهو مكان قديم منذ زمن السيد المسيح عيسى عليه السلام.

ويوجد بها أيضا quot;دير اللاتينquot; والذي بناه جماعة الفرنسيسكان عام 1925 على مقربة من مساحة المدينة ويضم كنيسة الراعي صالح وتحتوي على عدة أيقونات دينية ونوافذ مزخرفة وتمثال للسيدة العذراء والطفل يسوع وتمثال للسيد المسيح وبعض اللوحات الزيتية وفي الكنيسة أيضا مكان لتعميد الأطفال وآخر للاعتراف أمام الكاهن.

وتشتمل المدينة أيضا على عدة اديرة مثل دير الروم ودير الحبش ودير المسكوب والمغطس وهو مكان وحق سيادي فلسطيني ومكان عماد السيد المسيح ويؤمه الحجيج المسيحيون مرة كل عام بعد التنسيق مع الإسرائيليين، ودير القبط ودير القلط وقصر حجلة أو دير حجلة إضافة إلى البحر الميت الذي يستخرج منه الكثير من الأملاح المفيدة للجسم.