لا تزال قضية الجني الذي تلبس قاضياً، وأجبره على الانخراط في قضية فساد على حد زعمه، تثير ردود فعل قوية في المجتمع السعودي، في وقت حملت فيه ردود الفعل اتجاهين أساسيين أولهما التهكم الواسع في كتاب وصحافيين ومواطنين، فيما كان الاتجاه الآخر يتعاطى مع القضية باعتبارها حدثاً جديداًيفتح الباب لتبرير الجرائم مستقبلاً تحت عذر quot;التلبسquot;.


الرياض: في الساحة السعودية المليئة بالأحداث اليومية، لن تجد خبراً يتصدر المجالس وينافس فرحة كثير من مشجعي النصر بخروج الهلال الآسيوي سوى حادثة قاضي المدينة المنورة المتهم بالفساد.
وفي تفاصيل القضية التي ملأت الأفواه وشغلت الناس، أن قاضياً في المدينة المنورة (غرب السعودية) تورط بقضية فساد مالي ضخم كان ضحيته عشرات المواطنين عبر سلسلة من العقارات والفسوحات اشترك فيها، وسيط مالي هارب وعدد من المستفيدين، بما فيها مكاتب هندسية.
وحين اكتشفت القضية أفاد القاضي في مرافعته ودفاعه عن نفسه بحسب صحيفة عكاظأنه quot;أحاط سلطات التحقيق أنه مسحور، ولا يزال يعالج بالرقية الشرعية، بعد أن تمكن الوسيط الهارب من سحره، والسيطرة عليه لتمرير المعاملات وتسهيلها دون أن يشعر بذلكquot;.
وفور خروج الخبر لم يصدق السعوديون أنفسهم وتفاجأ المجتمع المحافظ بطبعه واختلفت ردود أفعاله، وسط تساؤلات عديدة تفرضها فداحة الفساد وغرابة التبرير.
وكانت الأسئلة التي تواترت بين السعوديين تدور في محورها الأساس حول كيفية تعاطي القضاء مع هذا التبرير خصوصاً وأنه صدر عن أحد quot;أبناء الدارquot; فهو ابن المؤسسة نفسها، وكيفية ضبط وإحضار الجني وتسجيل شهادته في محضر التحقيق، في وقت تدور أسئلة أخرى عن تمييز الجني الحقيقي من المزور في حالات قد تأتي لاحقاً فيما لو نفذ القاضي المتهم بعذره من العقوبة، خصوصاً وأن الذهنية المتدينة تتعامل مع السحر وأنه يتمكن من عوام الناس بسهولة أكبر عن غيرهم المتدينين، في حين يبرز السؤال الواسع عن كيفية التأكد من سلامة الكثير من القضاة الآخرين فيما لو كان بعضهم قد أصابه مسّ ويمكن أن يكونوا يرتكبون الكثير من جرائم الفساد تحت تأثير السحر وملوك الجن.
ودعم راقٍ شرعي رواية القاضي المتهم، وقال في تصريحات صحافية له إنه بالفعل تحدث مع الجني الذي تلبس القاضي، وأشهد على ذلك أعضاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وأكد أنهم كانوا حاضرين وقت الرقية وحديث الجني.
لكن ذلك لم يكن كافياً لأن يرفع الكتاب السعوديون أقلامهم، وما زالت صحفهم تفيض بتهكم وتساؤلات وترقب لما ستؤول إليه القضية.
ونبه الكاتب صالح الطريقي وزارة العدل إلى أن القضية قد تنتهي بتخوف المواطنين من ساحات المحاكم لأنها ستكون مسكونة على حد تعبيره، وأضاف quot;هناك حيلة يمارسها بعض المتمرسين بالإجرام في الغرب، وذلك بمحاولة إثبات مرض المتهم بـquot;انفصام الشخصيةquot; من أجل أن يستحق العلاج لا السجن، مؤكدا أن القاضي المتهم أقل ذكاء باختياره حيلة جديدة بإحالة الأمر على الشيطان والجن حيث قال quot;إنه مسحورquot; و القاضي لا يستطيع سجن الشيطانquot; وختم بأن quot;وزارة العدل السعودية إن صدقت ما قاله القاضي المتهم ستجد نفسها مضطرة للتعاقد مع فرقة لفك السحر لحماية القضاة من السحرة، وبالتالي ستتحول محاكم المملكة إلى ساحة معركة بين السحرة وشياطينهم والمقرنين، الأمر الذي سيجعل المواطن لا يلجأ للمحاكم خشية من الأماكن المسكونةquot;.
وكتب خلف الحربي ساخراً تحت عنوان خاموش كركوش تزرع طماطم يطلع فتوش،quot;قد فكرت في الذهاب إلى المدينة المنورة للبحث عن المكان الذي دفن فيه هذا السحر كي أنبشه وأكتشف خصائصه فلا شك أنه عمل محكم وإلا لما استطاع أن ينفذ إلى عقل هذا القاضي الجليل الذي يحكم بشرع الله! ولكنني تراجعت عن هذه الفكرة لأنني تذكرت بيانا لمصدر مسؤول في مجلس القضاء الأعلى ينفي توجيه اتهامات لأي قاض في المدينة المنورة وهو بيان كان يلوم ضمنيا وسائل الإعلام على افتعال هذه القضية التي ليس لها أساس من الصحة!، فبعد أن ثبت اتهام القاضي ومجموعة من الأطراف الأخرى بقضايا فساد يشيب لهولها الولدان بعكس ما جاء في بيان مجلس القضاء الأعلى وجدت أنني سوف أكون مضطرا لنبش كل الأعمال السحرية المدفونة طوال المسافة التي تفصل بين المدينة المنورة والرياض!quot;.
وبارك حمود أبوطالب تحت عنوان quot;لا يا شيخquot; للقاضي بمناسبة شفائه من quot;السحرquot; بعد هروب الوسيط الساحر فقال quot;يا عيني عليك يا سيدي القاضي، بعد الشر عنك، وسلامتك ألف سلامة وان شاء الله عدوينكquot;.
وحذر أبوطالب من ترك الوسيط quot;الساحرquot; ليعبث في باقي الإدارات quot;المهمةquot; قائلاً إن الوضع سيكون خطراً لو نشر الوسيط سحره وتمكن من المعاملات الكثيرة.
في حين لم تخل المدونات والمنتديات الالكترونية من التهكم ذاته إذ خرج بيان أكد فيه موقعوه أنهم quot;الجن الزرقquot; ويبرأون إلى الله خلاله من ابنهم العاق الجني الفاسد، قائلين إنه قد خرج عن الملة وهاجم شيخاً وقاضياً وترك العاصين والمذنبين من عوام الناس.