حكومة كرزاي فاسدة وإيران ليست العدو الحقيقي

سعى الرئيس الأفغاني جاهداً لموازنة الإعتماد على أميركا بالتعامل مع الصين وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى وإيران... ولكن ليس مع باكستان التي تثير قلقاً خاصا لدى معظم الأفغان.


تواصل هذه الحلقة الثانية عرض إجابات بعض المثقفين على السؤال الذي طرحته quot;نيويورك تايمزquot; في زاويتها quot;مساحة للنقاشquot; وهو: ماذا يشتري المال الإيراني في أفغانستان؟ وجاء هذا السؤال في أعقاب اعتراف الرئيس حميد كرزاي بأنه يتلقى المال من نطام طهران.

إدارة القلاقل

طالبان حكمت بالنيابة عن باكستان

كرزاي بحاجة إلى الرعاية الأميركية لبقائه، لكنّ بقاءه هذا نفسه يتطلب منه أن يكون مستقلا، تبعا لتميم أنصاري مؤلف كتاب quot;مصير مرتبك: تاريخ العالم عبر عين إسلاميةquot;. وتبعا له فإن عودة أحد مساعدي كرزاي من طهران محملا بالمال لا يستدعي مثقال ذرة من الدهشة. والاستقرار الوحيد الذي شهدته أفغانستان تأتي من الإدارة الماهرة لعدم الاستقرار المزروع أبداً في أوصالها.

فلطالما سعت القوى المحيطة بها للسيطرة عليها لمنع الآخرين من فعل الشيء نفسه. والقادة الأفغان من جانبهم استغلوا هذه الحقيقة لجمع الأموال والموارد من سائر تلك الجهات. وهذا لأنهم يعلمون ان اعتمادهم على قوة وحيدة دون البقية سيضعف موقفهم بشكل خطر.

وما يحدث اليوم ليس استثناء، وكرزاي حقا بحاجة للرعاية الأميركية لبقائه مع ان بقاءه يتطلب منه أن يكون مستقلا. فهو بحاجة على الأقل quot;لمظهرquot; المستقل حتى يؤمن موقعه داخليا وفي الوقت نفسه لأن يكون مستقلا quot;فعلاquot; لتعزيز مكانة بلاده خارجيا.

وقد ظل الرئيس الأفغاني يسعى جاهدا، بالتالي، إلى موازنة اعتماده على الولايات المتحدة بالتعامل ايضا مع الصين وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى وإيران... ولكن ليس مع باكستان. فمن بين سائر القوى المحيطة بأفغانستان تثير باكستان قلقا خاصا لدى معظم الأفغان.

ذلك أن لباكستان مخططا لها هنا وهي لا تفتقر الى الوسائل التي يمكن ان تساعدها على تحقيق ذلك. وهذا لأن البشتون هم العرق المهيمن على أفغانستان، ونصف هؤلاء على الأقل يعيشون في باكستان. وعندما انتزعت طالبان سدة الحكم، فقد كانت عمليا تحكم بالنيابة عن إسلام أباد، وهذا يمكن ان يحدث من جديد.

هل من سيناريو تضم فيه إيران أفغانستان بالكامل تحت جناحها؟ الإجابة هي النفي. فوكلاؤها الحقيقيون هنا هم الهزارا وهؤلاء لا حول ولا قوة لهم. وما تسعى اليه إيران حقيقة في أفغانستان هو منع باكستان من الدخول وأيضا منع الولايات المتحدة من الخروج. والسبب في هذا هو أن هذه الأخيرة متورطة في عملية باهظة التكاليف المادية والبشرية للحفاظ على الأمن الأفغاني، وهذا يناسب طهران تماما.

وبما أن حاجة كزراي للمال لا تنتهي، وبما أنه لا يريد تلقيه من الأميركيين وحدهم، فلم لا يحصل عليه من إيران أيضا؟

ما لا يستطيع المال شراءه

ما لا يستطيع المال شراءه هي الزاوية التي تنطلق منها آن مارلو، الباحثة المتمتعة بزمالة معهد هدسون الأميركي والتي تقوم بزيارات منتظمة لأفغانستان. وتقول مارلو إن الحديث عن تأثير إيران على هذا السياسي الأفغاني أو ذاك ليس جديدا واستمر لسنين طويلة، ولا يوجد تقريبا نائب برلماني لم يتلق المال (سواء من إيران أو روسيا أو باكستان).

وتضيف أن العديد من البرلمانيين أنفسهم قالوا لها إنهم يفضلون الولايات المتحدة على هذه الأطراف لكنها لا تساعدهم. على أن الرئيس كرزاي مختلف قليلا وحقيقة أنه يتلقى الأموال الإيرانية خير دليل على فساده المطلق.

ولكن، في الجانب الآخر المضيء، فعلى الأرجح أن المال الإيراني لا يؤثر في سياسات كرزاي أو مجريات الأحداث الأفغانية أكثر مما تؤثر فيها الأموال الأميركية على سبيل المثال. ذلك أن الرئيس الأفغاني صاحب تكتيك ذكي يؤلب به قوة ما على أخرى فيظل طافيا فوق السطح.

وقد يذكرنا هذا الوضع بمقولة (وزير الدفاع الأميركي السابق) دونالد رمسفيلد وهي: quot;إذا افتقرت الى الرؤية سهلت عليك القيادةquot;. فرؤية كرزاي تكتيكية أكثر منها استراتيجية وتسمح له بتلقي المال من الجميع من دون أن يستفيد منه أي مانح بشيء ذي قيمة. وإذا اختار الإيرانيون الحذو حذو الأميركيين بإضاعة أموالهم طمعا في التأثير عليه فهذا خطأهم وهم يتحملون عواقبه.

ما يقال إذن عن quot;بعبعquot; ايراني ليس بعبعا على الإطلاق. وللإيرانيين مصالح في افغانستان مستقرة نسبيا. ولهذا فإن آخر ما يتمنونه هو المزيد من تدفق اللاجئين الأفغان الفقراء على بلادهم وهم الذين ظلوا يحاولون التخلص من اولئك الموجودين على أراضيهم على مدى السنوات الثماني الماضية.

وخلاصة القول هي: ليس من مصلحة الإيرانيين بالطبع وجود مئات آلاف الجنود الأجانب في الجانب الآخر من حدودهم مع أفغانستان. ولذا فربما كان مسعاهم الحقيقي من تقديم المال لكرزاي هو التعجيل برحيل اولئك الجنود من بلاده.