أثارت تهديدات القاعدة في دولة العراق باستهداف الكنائس المصرية حالة من الغضب الشعبي الممزوج بالذعر، وقوبلت برفض رسمي. فيما شددت وزارة الداخلية إجراءاتها الأمنية حول الكنائس. واعتبرت قيادات كنسية وإسلامية التهديدات بأنها محاولة من التنظيم للعودة لدائرة الضوء، مجمعين على التعامل معها بجدية.


سادت حالة من القلق الشديد الممزوج بالخوف الذي يصل إلى درجة الذعر أوساط المسيحيين في مصر، بسبب تهديدات تنظيم القاعدة في العراق باستهداف الكنائس المصرية. ومنح قياداتها مهلة 24 ساعة للإفراج عمن وصفهم بquot; مسلمات مأسورات في سجون أديرة وكنائس مصرquot;. وخفضت الكنائس من أنشطتها خلال اليومين الماضيين. وأجلت بعض حفلات الزفاف. وقللت أنشطتها الخيرية. وحاولت تخفيف التكدس والزحام بها خلال الليل. وأقام القساوسة الصلوات من أجل حماية الكنائس مما يهدد أمن البلاد. فيما إنتشرت قوات الأمن حول الكنائس والأديرة. ومنعت الأجهزة الأمنية السيارات من الإنتظار بالقرب منها. وكثفت تواجد أفراد الأمن في محيطها. وإخضاع أي مواطن يشتبه فيه للتفتيش.
في الوقت نفسه سادت حالة من الغضب أوساط المسلمين، وأعلنوا تضامنهم مع أخوانهم المسيحيين في ما يتعرضون له من تهديدات، معتبرين أن تلك التهديدات تستهدف أمن مصر، ووحدة شعبها.

رسمياً، أدان الرئيس مبارك حادث كنيسة سيدة البشارة، وأرسل برقية للرئيس العراقي جلال طالباني أعرب فيها عن quot;مشاعر العزاء والمواساة في ضحايا العمل الإرهابيquot;. ووفقاً لوكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، فإن quot;الرئيس مبارك أكد في برقيته إدانة مصر لهذا العمل الإجرامي الآثم، وتضامنها مع العراق وشعبه الشقيق في مواجهة قوى الإرهابquot;، غير أنه لم يشر إلى تهديدات القاعدة للكنيسة المصرية.

بينما استنكر الحزب الوطني الحاكم التهديدات، و قال الدكتور نبيل حلمي رئيس لجنة حقوق الإنسان في الحزب لquot;إيلافquot; إن تلك التهديدات quot;عبثquot;، وأضاف أن مصر تتعامل معها بمنتهى الجدية، مشيراً إلى أن quot;القاعدة جماعة ارهابية تسعى إلى زعزعة الإستقرار في مصر، ودق اسفين بين مسلميها ومسيحييهاquot;. وأكد أن جميع المصريين يقفون صفاً واحداً ضد تلك التهديدات.

كنسياً، قال المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة ورئيس الإتحاد المصري لحقوق الإنسان لquot;إيلافquot; إنه رغم أن تهديدات quot;القاعدةquot; تعتبر quot;شو إعلامياquot; إلا أن هناك حالة من الذعر والخوف تسيطر على الأقباط في شتى أنحاء الجمهورية. وشدد على ضرورة quot;التعامل بجدية مع تلك التهديدات، وعدم التهاون أو التراخي في مواجهتها، خاصة أنها صادرة عن تنظيم إرهابي عالمي هو القاعدة الذي يتحدى أميركا،وهي أكبر دولة في العالم، ويسبب لها الكثير من القلق والإزعاج باستمرار. مشيراً إلى أن الأقباط يرفعون الصلوات حالياً من أجل أن يحمي الله المسيحيين والكنائس وسائر شعب مصر مما يهدد أمنها.

و كشف جبرائيل عن وجود تنسيق بين الكنيسة والجهات الأمنية من أجل تأمين الكنائس والأديرة في جميع محافظات الجمهورية. ونوه بأن الكنيسة إتخذت مجموعة من الإجراءات الإحترازية منها: تخفيف التردد على الكنائس، وتقليل الزحام والتكدس بها. والحد من الأفراح ومراسم الزفاف التي تتم فيها، و تم تأجيل بعض منها حتى تهدأ الأمور. داعياً الشعب المصري إلى التكاتف والوقوف صفاً واحداً أمام تلك التهديدات التي تحاول النيل من أمن مصر. ونفي أن يكون لها تأثير في زيادة حالات الإحتقان والمشاحنات الطائفية التي وقعت مؤخراً. لكنه حذر ممن وصفهم بالمتطرفين والمندسين الذين قد يستغلون مثل هذه التهديدات في تأجيج النيران الكامنة تحت الرماد. وشدد على أهمية وضعهم تحت المجهروالتعامل معهم بحزم.

فيما قال اللواء دكتور نبيل لوقا بباوي النائب في مجلس الشوري، والمقرب من قيادة الكنيسة لquot;إيلافquot; إن المجلس الملي العام عقد اجتماعاً بحث فيه تداعيات تلك التهديدات، وأوضح أن المجلس إنتهى إلى شجبها وإدانتها. ودعا إلى نبذ أي خلافات والوقوف صفاً واحداً في وجهها. والتمسك بالوحدة الوطنية ضد أي تهديدات خارجية.

ووصف بباوي لواء الشرطة السابق وصاحب كتاب quot;الإرهاب ليس صناعة إسلاميةquot;، تهديدات تنظيم القاعدة في العراق بأنها quot;فنجرة بقquot;، وأضاف: لكن لابد أن نأخذ حذرنا، خاصة أن هناك خلايا مستكينة في مصر تتحين الفرصة للقيام بأي أعمال إرهابيةquot;. وتابع قائلاً: تلك التهديدات جاءت في أعقاب فشل quot;القاعدةquot; في عملية كنيسة سيدة البشارة، حيث احتجز أفرادها الإرهابيون الرهائن داخل الكنيسة، وكانوا يتوقعون أن تجري الحكومة العراقية والأميركيون مفاوضات جدية معهم، ويحصلون منها على الكثير من المغانم مثل إطلاق سراح المعتقلين المنتمين إلى التنظيم من السجون العراقية، والحصول على فدية ضخمة. على اعتبار أنهم يحتجزون مسيحيين ويهددون بتدمير كنيسة وأن العالم الغربي سوف يضغط على الحكومة العراقية والأميركيين من أجل تنفيذ مطالبهم، إنقاذا لحياة الرهائن. ولكن خاب ظنهم حيث شن الجيش العراقي والقوات الأميركية هجوماً قوياً وشاملاً. وعندها أطلق أحدهم تصريحات جديدة ضد مصر، وأن quot;القاعدةquot; سوف تستهدف كنائسها ومسيحييها.

وأشار بباوي إلى أن مصر مستهدفة من الداخل والخارج، مشدداً على أهمية التمسك بالوحدة الوطنية، والبعد عن الحديث في عقائد الآخر والتركيز على نقاط الإتفاق التي تمثل نسبتها حوالى 99.5% بين الدينين الإسلامي والمسيحي. ودعا بباوي إلى حظر التظاهرات في المساجد والكنائس، مبرراً ذلك بأنها تساهم في تأجيج المشاعر الطائفية بين الجانبين، ولفت إلى أنه تقدم بطلب لمجلس الشورى منذ 15 يومياً بهذا الشأن.

إسلامياً، قال الدكتور سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين لquot;إيلافquot; إن كلام تنظيم القاعدة في العراق حول استهداف الكنائس المصرية مرفوض تماماً، ووصفه بأنه quot;كلام مجنونquot;. واعتبر أنه يسيء للإسلام، ويخدم أعداءه ويساعد على تشويه صورته أمام العالم. وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية لم تدع أبداً إلى تدمير الكنائس أو قتل الناس تحت أي ظرف. بل دعت إلى حماية بيوت العبادة وعدم سفك دماء الأبرياء حتى في أوقات الحروب. وأضاف الكتاتني أن جميع المسلمين يقفون إلى جوار إخوانهم المسيحيين ضد أي تهديدات حمقاء سواء لأرواحهم أو لكنائسهم. ولفت إلى أن تلك التهديدات لن تستطيع نثر بذور الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، بل سوف تجعلهم ينبذون خلافاتهم ويتوحدون على قلب رجل واحد. ونبه الكتاتني إلى أن إحتلال أميركا للعراق ومحاولتها التدخل في شؤون الدول العربية هو سبب كل الكوارث، مشيراً إلى أنها تعمل باستمرار على زرع الفتن وتقسيم الشعوب إلى مذاهب وطوائف لتكون لها السيطرة دائماً.

أمنياً، قال مصدر أمني لquot;إيلافquot; إن هناك خطة لدى وزارة الداخلية لتأمين الكنائس والأديرة بصفة عامة، وأضاف أنه منذ صدور تلك التهديدات تم رفع حالة الإستعداد في شتى الأجهزة الأمنية، وتكثيف التواجد الأمني حول أماكن العبادة المسيحية، ومنع أي سيارات أو مركبات من الإنتظار بجوارها. مع تزويدها بأجهزة الكشف عن المفرقعات. وعدم دخول أي شخص إليها إلا بعد التأكد من هويته. وشدد المصدر على أن أجهزة الأمن المصرية تتعامل مع كافة التهديدات بجدية، لأن أمن الوطن والمواطنين لا يحتمل سوى الجدية والحزم.