النيابة المصرية توجه الإتهام للمتظاهرين ومحاولات لاستغلال الأمر إنتخابياً
إجراءات احترازية في الكنيسة وتبادل الإتهامات حول مسؤولية الأحداث

يبدو أن شهر العسل الطويل الذي عاشته الكنيسة المصرية والحزب الوطني الحاكم معاً قد أوشك على الإنتهاء، وبدأت مرحلة جديدة في العلاقة بين الجانبين. ففي الوقت الذي خيم فيه الهدوء على شوارع مدينة الجيزة والمناطق المحيطة بكنيسة العذراء والملاك في العمرانية، تصاعدت حدة التصريحات بين الحزب الوطني الحاكم والقيادات في الكنيسة.


اندلعت حرب البلاغات إلى النائب العام بين الحزب الوطني الحاكم في مصر والقيادات في الكنيسة، حيث يتهم كل طرف الآخر بالمسؤولية عن تفجر الأوضاع، ويطالب بمحاكمته. فيما ارتفع عدد قتلى أعمال العنف التي وقعت بسبب عدم استكمال بناء كنيسة العذراء والملاك إلى شخصين.

وتتسم المرحلة الجديدة بين quot;الوطنيquot; والكنيسة بالتوتر وعدم استخدام ألفاظ دبلوماسية في الحديث عن متانة الصلات التي تجمعهما. وتم تدشين هذه المرحلة من خلال مجموعة من التصريحات والبيانات التي خلت من الدبلوماسية والحنكة السياسية.

وبدأت شرارة حرب التصريحات، بتعليق البابا شنودة على الحادث، حيث حمّل محافظ الجيزة المسؤولية عنه، وقال في تصريحات: quot;المحافظة عايزة تهد الكنيسة ببلدوزر، دول ناس صعايدة، لازم يفهموا طبيعة الشعب وكيفية التعامل معه، كان يجب على المحافظ التعامل بالحكمة وليس بالعنفquot;.

وحذر البابا مما وصفه بـ quot;غضب الله المخيفquot;. وقال quot;احترسوا من أن تقعوا في غضب الله، فالله يصبر يصبر، و لكن الكتاب المقدس يقول: quot;مخيف هو غضب الله الحيquot;. وتابع قائلاً: quot;طول صبر الله هو مثال لنا لنطول بالنا ونحب غيرناquot;. ومن جانبه، وصف الحزب الوطني الحاكم الأحداث بأنها quot;مبيتة و quot;مخططةquot;.

وقال الحزب في بيان له حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، quot;إن ما وقع من عدد من الأقباط ناتج من سوء فهم، وغياب الحقائق، وشحن غير مرغوب فيه، في ظل اختفاء صوت العقل والحكمة، وفي الوقت نفسه غياب سرعة الحسم والحوار من جانب الجهات المحلية القائمة على التنفيذ لإجراءات متفق عليها تنفيذا وإعمالا للقانونquot;.

وأشار البيان إلى أن quot;ذلك كله ليس مبرراً لارتكاب أعمال عنف مبيتة ومخططة، انتهت بالإعتداء على رجال الأمن و الخروج على القانون الواجب احترامه والشرعية التي هي الملاذ والحماية لاستقرار الوطن وحصول أبنائه على حقوقهم كاملةquot;.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنتقلت الحرب إلى مستوى المنظمات الحقوقية، حيث طالبت منظمات قبطية بإقالة ومحاكمة محافظ الجيزة ووزير الداخلية بتهمة التورط في استخدام العنف المفرط ضد الأقباط، ودعت منظمات يترأسها أعضاء في الحزب الحاكم إلى محاكمة قيادات كنسية وأقباط المهجر بتهمة التحريض على العنف.

فمن جهته حمل المركز المصري لحقوق الإنسان الذي يترأسه القبطي صفوت جرجس وزير الداخلية المسؤولية عما وصفه بـ quot;مذابح تاريخية للاقباط قتل فيها العشرات منذ توليه الوزارة في العام 1997quot;. وطالب بإقالته من منصبه ومحاسبته.

وقال المركز في تقرير له حول الأحداث quot;الأمن هو المسؤول الأول والأخير عن هذه الاحداث الطائفية، بل يساهم في صنع بعضها بتقصيره في التصدي للمتعصبين والمتطرفينquot;.

ودعا المركز الرئيس المصري حسني مبارك إلى quot;التدخل فورا لإنهاء المشكلة من جذورها بإقرار مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة، ونقل الملف القبطي من يد الأمن واعتباره ملفاً سياسياً وليس أمنياً، ومن ثم يجب أن يتم تشكيل لجنة من المصريين المعتدلين لتولي مثل هذه الأمور الحساسة، والتي لا تحتمل المجازفة أو المراهنة بمستقبل ومقدرات الوطنquot;.

وفي السياق ذاته، طالبت منظمة أقباط الولايات المتحدة بـ quot;ضرورة فتح تحقيق حول هذا الحادث، وتقديم قيادات الشرطة ووزير الداخلية والمسؤولين عن قتل الأقباط ومهاجمتهم إلى المحاكمة العاجلةquot;. وإتهمت مجلسي الشعب والشورى بـ quot;الفشل في مناقشة قانون واحد يخص الأقباط، أو اقرار مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة المطروح منذ عام 2005quot;.

وتقدمت حركتا quot;كفايةquot; وquot;6 أبريلquot; وعدد من الأقباط ببلاغ إلى النائب العام للتحقيق مع قيادات وزارة الداخلية بتهمة إستخدام الأسلحة في التعامل مع الأقباط، والتدخل لعدم هدم الكنيسة. ونظم أعضاءمنالحركتين وعشرات الأقباط وقفة إحتجاجية أمام مكتب النائب العام بعد تقديم البلاغ.

على الجانب الآخر، اتهمت المنظمة المصرية للدفاع عن الشرطة والمواطن التي يترأس مجلس إدارتها المحامي وعضو الحزب الوطني سمير الششتاوي quot; أقباط المهجر بتدبير وتخطيط سيناريو أحداث العمرانية، من أجل خلق فتنة طائفية وضرب الوحدة الوطنية في مقتلquot;.

وتقدم الششتاوي ببلاغ إلى النائب العام قال فيه إن quot;مصادمات العمرانية بقدر ما كشفت عن وجود فجوة في العلاقة بين الأقباط والأمن، إلا أنها كشفت أكثر عن أن منظمات أقباط المهجر تغلغلت داخل مصر، وبدأت تؤثر في الشؤون الداخلية المصرية عبر شباب الأقباطquot;.

وطالب بمحاكمة جنائية عاجلة لـ quot;قيادات كنيسة الجيزة لدورهم الرئيس في بث روح الاحتقان لدى شباب الأقباط، ودفعهم لارتكاب أعمال الشغب في مبنى المحافظة والحيquot;. وطالب كذلك بـ quot;تقديم كل من شارك في الأحداث أو أدلى ببيانات أو تصريحات كاذبة تسببت في زيادة حدة المصادمات بين الأمن والأقباط إلى المحاكمة الجنائية العاجلةquot;، معتبراً أن ما حدث quot;جريمة إرهابية ضد الدولة المصريةquot;.

ووفقاً لصفوت جرجس رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان فإن أحداث العمرانية كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وكشفته الحزب الوطني الحاكم على حقيقته، وأنه غير جاد في إقرار الدولة المدنية أو التعامل بحيادية مع مشاكل الأقباط.

وقال لـ quot;إيلافquot; إن الجميع يشعر بالدهشة الشديدة من عدم إقرار الحزب مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة الذي سوف يكون له تأثير إيجابي علي مشاكل بناء الكنائس في مصر. وأضاف أن الأزمة هذه المرة لم تكن بين مجموعة من المتطرفين من الجانبين، بل كانت مع الدولة ممثلة في محافظة الجيزة ووزارة الداخلية، وهو تطور خطر جداً في علاقة الأقباط مع الحكومة والحزب الوطني تحديداً.

فيما يقول الدكتور محمد عبد الحميد الخبير في المركز العربي للدراسات السياسية لـquot;إيلافquot; إن أحداث كنيسة العمرانية قطعت شعرة معاوية التي لم يستطع الجانبان الحفاظ عليها، رغم مساندة الكنيسة للحزب الوطني في الإنتخابات وإعلانها تأييد قيادته خوض انتخابات مجلس الشعب المقبلة، حيث دشن الوزراء المرشحون حملاتهم الإنتخابية من كنائس، و منهم اللواء عبد السلام المحجوب وزير التنمية المحلية، والدكتور مفيد شهاب وزير المجلس النيابية، و المهندس سامح فهمي وزير البترول.

ويرى عبد السلام أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى المزيد من الحنكة في التعامل مع الملف القبطي، وعدم تركه بيد الجهاز الأمني، مع ضرورة أن التعامل فيه بمنتهى الشفافية، ومن خلال إقرار حزمة من التشريعات و على رأسها القانون الموحد لبناء دور العبادة.