رغم حضورهم الاقتصادي القوي ونسبتهم التي تتراوح بين ستة وعشرة بالمئة من سكان مصر، لا يساعد المناخ الاجتماعي والسياسي السائد على تمثيل فاعل للأقباط تحت قبة البرلمان. في وقت وضعت علامات استفهام حول قدرة محمد البرادعي على التغيير بعد تجاهل المعارضة دعوته الى المقاطعة.


القاهرة: يثير غياب المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي عن الانتخابات البرلمانية المصرية بعد أن تجاهلت المعارضة دعوته إلى مقاطعتها، شكوكا في قدرته على قيادة quot;التغييرquot; الذي يدعو إليه.

وكان البرادعي (68 عاما) ألهب لدى عودته إلى بلده في شباط/فبراير الماضي، بعد عشرين عاما أمضاها في الخارج، حماس الكثيرين في مصر باعثا بارقة أمل في طريق ثالث يقود إلى quot;الديمقراطية والعدالة الاجتماعيةquot; وهما شعاران دافع عنهما بقوة لبضعة أشهر قبل ان يبدأ سلسلة رحلات خارجية أدت إلى غيابه عن الساحة السياسية منذ قرابة ثلاثة أشهر.

وظل البرادعي صامتا منذ بدء الحملات الدعائية لانتخابات الأحد التي كان هاجمها بشدة معتبرا أنها مجرد quot;تمثيليةquot; من شأنها إعطاء شرعية زائفة لنظام الرئيس حسني مبارك (82 سنة) الذي يتولى السلطة منذ قرابة ثلاثين عاما.

وأثار غياب البرادعي خصوصا منذ بدء الحملات الانتخابية مطلع هذا الشهر انتقادات عديدة له حتى بين مؤيديه.

وقال عبد الرحمن يوسف منسق quot;الحملة الشعبية لدعم ترشيح البرادعي ومطالب التغييرquot; وهي واحدة من مجموعات شبابية عدة تحلقت حول الدبلوماسي السابق ورأت فيه رمزا وأداة للتغيير ان quot;الانتقادات الموجهة للبرادعي من داخل الحملة أو من خارجها مقبولة ولا نرى فيها إساءة للرجل ونعتبرها شكلا من التصحيح والتصويبquot;.

وتابع أن quot;وجهة نظر البرادعي انه يخدم التغيير سواء كان في الداخل او في الخارج في حين أن غالبية الناشطين من اجل التغيير يرون انه يخدم اكثر بوجوده داخل مصر. لكننا نحترم اختياراته السياسيةquot;.

وأكد أن الدبلوماسي المصري السابق سيعود إلى القاهرة في quot;اوائل كانون الاول/ديسمبر المقبلquot;.

غير ان يوسف ما زال مقتنعا بأن مقاطعة الانتخابات التشريعية كانت الخيار الأصوب للمعارضة المصرية التي فضلت معظم فصائلها المشاركة باستثناء حزبين صغيرين هما حزب الجبهة الديمقراطية وحزب الغد.

ويؤكد الناشط الذي يقول إن مجموعته أصبحت متواجدة في عشرين من المحافظات المصرية الثلاثين ان quot;كل الدلائل تشير إلى ان الاشتراك في هذه الانتخابات امر عبثي فنتائجها محسومة سلفا وبالتالي لا يوجد اي مبرر لإعطاء شرعية لهذه الانتخابات بالمشاركة فيهاquot;.

ومثلت مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات التحدي الرئيس لدعوة البرادعي كونها قوة المعارضة الرئيسة في مصر.

وتشكو الجماعة منذ عدة أيام من ان السلطات بدأت quot;تزوير الانتخابات مبكراquot;. إلا أنها ما زالت تدافع عن خيار المشاركة.

وقال المرشد العام للجماعة محمد بديع ان quot;قرار الإخوان خوض الانتخابات والإصرار على الاستمرار فيها وعدم الانسحاب منها يرجع الى انها الوسيلة السلمية الوحيدة للتغييرquot;.

وأضاف في تصريحات هذا الأسبوع لقناة الجزيرة القطرية ان quot;اصرار الجماعة على المشاركة في الانتخابات سوف يؤدي إلى كشف وفضح ممارسات النظام أمام العالم بأنه لا يحترم قضاءه ولا يحترم قانونه ولا دستورهquot;.
وتابع ان quot;الانتخابات تمثل نافذة نطل منها على الشعب المصري ونعيش معه في دوائره لرفع صوت الإصلاحquot;.

وجاءت دعوة البرادعي الى مقاطعة الانتخابات منسجمة مع مشروعه السياسي القائم على تغيير قواعد اللعبة من اساسها ورفضه المشاركة في انتخابات الرئاسة المقبلة في ظل القيود المفروضة على حق الترشيح بموجب تعديل دستوري اجري في 2005.

ويطالب البرادعي بإصلاحات دستورية جذرية تتيح للمستقلين خوض السباق الى الرئاسة.

ويعتبر الخبير في مؤسسة كارنيغي الأميركية للسلام عمرو حمزاوي ان quot;الدعوة للمقاطعة كانت الإستراتيجية الصحيحة. لكن بما انها لم تلق الإجماع من قوى المعارضة الرئيسة كان ينبغي على حركة التغيير التي يقودها البرادعي التواجد على الأقل من خلال مراقبة الانتخاباتquot;.

ويضيف ان دور البرادعي quot;خفت وتراجعquot; مؤكدا ان quot;الخطأ الأكبر الذي ارتكبه هو انه لم يبق في مصرquot;.
ويتابع quot;عندما يقول انه يريد التغيير ويمضي ثلاثة ارباع وقته في الخارج يظهر امام الناس وكأنه غريب ويثير تساؤلات عن مدى التزامه الشخصيquot;.

ويتفق العديد من الدبلوماسيين مع هذا الرأي. وقال دبلوماسي غربي في القاهرة ان البرادعي quot;رجل نزيه ذو خبرة ولكن درجة التزامه (السياسي) لم تحسمquot;.

ورغم غياب البرادعي فان أنصاره يواصلون العمل.

ويؤكد يوسف انه تم حتى الان quot;جمع 930 الف توقيع على بيان دعم البرادعي ومطالب التغيير ونتوقع أن نصل قريبا الى مليون توقيع وهو ما سيعطي مطالبنا مشروعيةquot;.

المناخ السياسي لا يساعد على تمثيل الأقباط

جانب من اشتباكات quot;الطالبيةquot; بين الأقباط والشرطة المصريّة

من بين 5064 مرشحا للانتخابات التشريعية الأحد يبلغ عدد المرشحين الأقباط 138 مرشحا.

ولم يرشح الحزب الوطني الديمقراطي على لوائحه سوى احد عشر قبطيا في حين بلغ عدد الاقباط المرشحين من احزاب المعارضة 27 والبقية ترشحوا مستقلين.

ولم يكن المجلس المنتهية ولايته يضم الا عضوا قبطيا واحدا منتخبا هو وزير المالية يوسف بطرس غالي.
وقام الرئيس حسني مبارك بعد ذلك بتعيين عدد من المسيحيين مستخدما حقه الدستوري في اختيار عشرة اعضاء في البرلمان.

وتؤكد منى مكرم عبيد مرشحة حزب الوفد في محافظة القليوبية لوكالة فرانس برس ان quot;الأقباط لديهم حضور اقتصادي فاعل في مصر ولكن لا يقابله حضور سياسي مماثلquot;.

واضافت عبيد ان quot;تمثيل الاقباط ضعيف خصوصا على لوائح الحزب الوطني ولكن ايضا لدى احزاب المعارضةquot;، بل ان بعض هذه الاحزاب لم يرشح قبطيا واحدا على لوائحه مشيرة بالاسم الى الحزب الناصري.
وتابعت هذه السيدة الستينية خريجة جامعة هارفرد الاميركية والمحاضرة الجامعية، بشيء من التحسر quot;قبل 1952 كان الأقباط يمثلون قرابة ثلث أعضاء البرلمانquot;.

وأشارت إلى ان الأقباط quot;كانوا غائبين تقريبا في البرلمانquot; المنبثق من الانتخابات الأخيرة عام 2005.
وانتقدت منى مكرم عبيد التي سبق لها ان شغلت مقعدا في البرلمان، ضعف إقبال المصريين على الانتخاب وايضا نظام الترشح الفردي.

وقالت ان هذا النظام quot;لا ينصف الأقباط ولا المرأة ولا الشبابquot; داعية الى اعتماد نظام اللائحة النسبية.
وتجرى الانتخابات المصرية بنظام الدوائر الفردية على دورتين: الاولى الاحد والثانية في الخامس من كانون الاول/ديسمبر المقبل.

وبلغت نسبة الإقبال في الانتخابات التشريعية لسنة 2005 حوالى 25 بالمئة بحسب الأرقام الرسمية.

من جهته، قال احمد فوزي الناشط في الجمعية المصرية للمشاركة المجتمعية (غير حكومية) ان quot;الحملة الانتخابية هذه المرة ضعيفة جدا وتجري في مناخ سيئ بالنسبة إلى الاقباط وإلى غيرهمquot;.

وأوضح لفرانس برس quot;اولا فترة الحملة قصيرة جدا فهي 14 يوما منها ستة او سبعة ايام اجازة عيد الاضحىquot;. ثم انه quot;ليس هناك سياسة ولا مواقف سياسية من قضاياquot; بل وعلى حد وصفه quot;لغة عجول خصوصا مع تزامن الحملة الانتخابية مع عيد الاضحىquot;.

كما اكد انه quot;لا احد ينجح من دون دعم الدولة ما يجعل السلطة تختار معارضيهاquot;، وهو واقع ينسحب على الاقباط الذين قال انهم quot;اذا نجحوا فسيكون بدعم من السلطةquot;.

وينفي مسؤولو الحزب الوطني هذه التهم بتأكيد ان المرشحين تم اختيارهم من قواعد الحزب في مختلف دوائرهم وبحسب شعبيتهم ومن دون اي اعتبارات طائفية.

كما اشار فوزي الى ان المناخ الحالي في مصر quot;اصبح فيه المسلم لا يصوت للقبطي والقبطي لا يصوت للمسلمquot; والامر كله بالنسبة إلى الاقباط رهن برضى الحزب الحاكم والكنيسة.

وأوضح quot;يجب الا ننسى ايضا ان هناك شرطا عرفيا يقضي بضرورة ان ترضى الكنيسة عن المرشح. لذلك تجد المرشح يسعى إلى دعم الكنيسة والحزب الوطني في ظل غياب الأحزاب الليبرالية واليساريةquot;.

ولم يعف الناشط أحزاب المعارضة من المسؤولية في تدهور المناخ السياسي الذي يؤدي إلى تهميش بعض الفئات.

وقال quot;مثلا حزب الوفد اكبر حزب ليبرالي يرشح فنانين ولاعبي كرة. مع احترامنا لهم جميعا، فهذه ليست وظيفتهم، وأصبح الشعار الطاغي +انتخبوا ابن البلد والجدع وابن الحتة+ وليس على اساس مواقف سياسية من قضايا الشعب والوطنquot;.

ولم يخف الناشط مخاوفه من حدوث عنف طائفي في ظل هذا الوضع.

وقتل متظاهران وأصيب 51 آخرون بينهم 18 من رجال الشرطة في صدامات في حي الطالبية جنوب غرب القاهرة بين قوات الامن ومتظاهرين اقباط كانوا يحتجون على وقف العمل في بناء تقول السلطات انه خدمي واراد الاقباط تحويله من دون ترخيص الى كنيسة.

واكدت منى مكرم عبيد ان quot;انعدام الديمقراطية هو سبب الاحتقان. لو كانت هناك ديمقراطية لكان الناس يعبرون عن آرائهم من غير خوف وعنفquot;.

واشارت ايضا الى ان العلاج الحقيقي للمشكلة هو quot;قانون دور العبادة الموحد الذي ينتظر الصدور منذ 20 سنة (...) اذا صدر سيصبح الكل متساويا ومن يريد بناء مسجد او كنيسة تحدد له الشروط وفق القانون وما عليه الا احترامهاquot;.

ويقضي قانون يعرف باسم quot;الخط الهمايونيquot; موروث من العهد العثماني بالا يتم بناء كنيسة جديدة او توسيع اي كنيسة قائمة الا بقرار من رئيس الجمهورية الذي خول سلطاته في هذا المجال الى المحافظين.

غير ان منى مكرم عبيد اكدت في المقابل انه quot;لابد ان يتم احترام القانون .. ودولة القانون والدستور. القانون يجب ان يكون فوق الكل ويسري على الكل وليس فقط على الاقباطquot;.

وتابعت quot;حين تقول الدولة هذا غير شرعي لا بد من احترام القانون غير ان الواقع ان الجميع وخصوصا الشباب يرون ان هناك قلة احترام للقانون ويحصل لديهم رد فعلquot; ازاء ذلك.

ويشكل الأقباط اكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط. وتراوح نسبتهم بين 6 و10% من عدد سكان مصر البالغ 80 مليونا.

ويشكو الأقباط بشكل دائم من معاناتهم من التهميش والتمييز المتزايدين منذ ثلاثين عاما، وخصوصا في مجال الوظائف العامة.