يصبح الخط الفاصل بين الدبلوماسية والجاسوسية غير واضح في بعض الأحيان. لكن دبلوماسيين وجواسيس سابقين يقولون إن هذا الخط موجود فعلاً، وإن الجميع ممن يقفون على جانبيه يعلمون أن العبور إلى الطرف الآخر وارد في أي وقت.


لندن: إن محاولات الحصول على كلمات مرور الآخرين والتسلل إلى مراسلاتهم ومكالماتهم يقع في قلب التجسس. لكن دبلوماسيين استطلعت صحيفة laquo;غارديانraquo; البريطانية آراءهم يستخدمون العبارة الدبلوماسية الشهيرة laquo;هذه أنشطة لا تتناسب وطبيعة الدبلوماسيةraquo;.

ويوضح السير كريستوفر ماير، سفير بريطانيا سابقًا لدى واشنطن أن laquo;مهمة الدبلوماسي هي العثور على الأشياءraquo;. ولكنّ الدبلوماسيين، بشكل عام، يعملون فوق السطح في دائرة الضوء، بينما يعمل الجواسيس تحت الأرض في الظلام.

وهذا التمييز ليس اعتباطيًا. فميثاق فيينا للعام 1961 عن تنظيم العلاقات الدبلوماسية ينص على حرمة مراسلات واتصالات الدبلوماسي الرسمية والخاصة، وأنها محميّة من أعين ومسامع البلد المضيف. وينطبق هذا الأمر على ما يحدث داخل المقر العام للأمم المتحدة في نيويورك.

وبالمثل فإن أخذ المسؤولين في القنصليات الأميركية البصمات لدى إصدارهم تأشيرات الدخول تدخل في خانة جمع معلومات تتعلق بحمض الشخص النووي، وتقع بالتالي خارج إطار الدبلوماسية، لأنها أخذت من دون إذن صاحبها. لكن ثمة مناطق رمادية. فلقاء الدبلوماسي مع رموز المعارضة، مثلاً، قد يعتبر تجسسًا من قبل السلطات، مع أن هذا يجب ألا يكون مثيرًا للشكوك في المجتمعات التي تتمتع بالحرية.

ولا شك في أن كبار الدبلوماسيين في السفارات يعلمون من هم الجواسيس في طاقم العاملين معهم. وعادة يحاول الفريقان تفادي الاحتكاك. إلا إذا جمعتهم حفلة، تجد فيها أن آذان كل منهما مفتوحة تتنصت بتركيز عال لالتقاط ما يمكن التقاطه.

ويقول تشارلز كروفورد، الدبلوماسي البريطاني السابق لدى سراييفو ووارسو laquo;ثمة درجة من التداخل بين الدبلوماسية والجاسوسية والصحافة أيضًا لأن هذه المهن تتعلق أساسًا بحشر الأنوف بحثًا عن المعلومات غير المتوافرة للجميع. وما يميز بينها هو الوسائل المستخدمة في كل منها لهذا الغرض. وما إن يبلغ المرء آفاقًا غير مشروعة حتى يشعر بهذا فورًاraquo;.

ولا شك أيضًا في أن تجنيد شخص للعمل لحكومة أجنبية يدخل في نطاق العمل التجسسي. وفي حال تطوع الشخص بخدماته في هذا الشأن، قل لسفارة بريطانية، فإن مهمة الدبلوماسيين هي تسليمه لموظفيها من عملاء MI6 laquo;إم آي 6raquo; (وكالة الاستخبارات البريطانية الخارجية) في أقرب وقت ممكن.

من جهته، يرى هاري فيرغسون، الضابط سابقًا في إم آي 6 أن laquo;المسألة برمتها تتعلق بالنوايا. فضباط الاستخبارات يسعون إلى الحصول على معلومات تحاول الحكومات الأجنبية إخفاءها. لكن الدبلوماسيين، في الجهة المقابلة، قد يقدمونها لعملاء الاستخبارات في حال وصلت إليهم بشكل أو بآخر، لكنهم لا يسعون عمدًا إلى الحصول عليهاraquo;.

أما روبرت باير، وهو ضابط سابق في laquo;سي آي ايهraquo; عمل في الشرق الأوسط، فيشير إلى أن الخط الفاصل بين الدبلوماسية والجاسوسية الأميركيتين laquo;واضح تمامًا، لكن عبوره كثير الحدوث. وهذا لأن الدبلوماسيين الأميركيين - بمن فيهم السفراء - مغرمون بالتعاون مع عملاء استخباراتهمraquo;.

لكن التعاون بين الجانبين ليس تلقائيًا بالضرورة، خاصة عندما يتعلق ببريطانيا. ففي منتصف التسعينات، مثلاً، طلبت إم آي 6 إلى السفارة في موسكو ترتيب حفلة عيد ميلاد بغرض توفير غطاء لاتصال سري مع مسؤول روسي مهم.

وأدت هذه الحادثة إلى طرد بعض الدبلوماسيين البريطانيين، وهو الأمر الذي حدا بوزارة الخارجية في لندن لوضع إرشادات هدفت إلى تحصين الحدود بين العمل الدبلوماسي والتجسسي. أما في ما يتعلق بالسعي إلى الحصول على كلمات مرور الآخرين والتسلل إلى مراسلاتهم ومكالماتهم، فهذا محرّم على الدبلوماسيين البريطانيين على حد قول كروفورد.