ما كشفت عنه تسريبات laquo;ويكيليكسraquo; الأخيرة قبل كل شيء هو المغامرة المتصلة بمحاولات الحكومة الأميركية التشجيع على تقاسم أفضل للمعلومات. خصوصًا بعد هجمات 11 سبتمبر، حين تعرضت وكالات الاستخبارات الأميركية لموجة انتقادات عنيفة، ما أعطى المحللين منافذ واسعة إلى ملفات الحكومة السرية.


لندن: تعود هذه مسألة تشارك المعلومات إلى ما بعد هجمات 9/11 حين تعرضت وكالات الاستخبارات الأميركية لموجة عنيفة من الانتقادات، التي قالت إنه لو أن هذه الوكالات كانت تتبادل المعلومات لحال هذا دون وقوع تلك الهجمات.

واستجابة لهذا، سارع المسؤولون في مختلف مؤسسات الدولة إلى اتخاذ ما شأنه تسهيل تقاسم المعلومات الحساسة بين الإدارات، وهو ما أعطى المحللين بدوره منافذ واسعة إلى ملفات الحكومة السرية.

لكن تسريبات laquo;ويكيليكسraquo;، التي بدأت الأحد، وتجيء بعد تسريبات سابقة عن حربي أفغانستان والعراق، أثبتت خطورة هذا الاتجاه. ويقول جيفري سميث، من laquo;سي آي ايهraquo; سابقًا إن laquo;إحدى مترتبات 9/11 هي إعطاء العديد من الناس العديد من التفاح الذي ثبت أن واحدة منه على الأقل كانت فاسدةraquo;.

وبينما امتنعت ويكيليكس عن الكشف عن المصدر الذي زودها بأكثر من ربع المليون وثيقة وبرقية لتسريباتها الأخيرة، تدور الشبهات حول جندي يدعى برادلي مانينغ (23 عامًا). ويذكر أنه متهم أيضًا بتسريب مئات آلاف الوثائق عن حربي أفغانستان والعراق.

وقد زعمت laquo;واشنطن بوستraquo; أنها حصلت على ما يثبت أن مانينغ قال في سلسلة من الاتصالات على الإنترنت مع رفيق له laquo;شخص أعرفه (في إشارة إلى نفسه على الأرجح) تمكن من الوصول إلى 260 ألف وثيقة وبرقية تخصّ وزارة الخارجية (الأميركية) من سفاراتها وقنصلياتها حول العالم، توضح بالتفصيل كيف تستغل الدول المتقدمة دول العالم الثالثraquo;.

ويمضي قائلاً laquo;ستصاب هيلاري كلينتون وآلاف الدبلوماسيين حول العالم بنوبات قلبية ذات صباح عندما يستيقظون على حقيقة أن أسرار السياسة الأميركية الخارجية متاحة لكل من أراد الإطلاع عليهاraquo;. وأشارت الصحيفة إلى أن ديفيد كومس، محامي مانينغ، رفض التعليق على هذا، لكنه قال في مرات سابقة إنه لا يعلم ما إن كان موكله هو الذي سرّب الوثائق.

يذكر أن كبار مسؤولي الإدارة الأميركية حذّروا في الأسابيع القلية الماضية من أن تسريبات ويكيليكس ستخلّ بالتوازن المهم بين laquo;المعرفة المطلوبةraquo; وlaquo;الحاجة لحماية المواد الحساسة والمصادر والوسائلraquo;. ويعتقد جيمس كلابر، مدير الاستخبارات القومية الأميركية، أن هذه التسريبات ستكون لها laquo;آثار مخيفة على حرية تقاسم المعلوماتraquo;.

وقال laquo;يتوجب علينا توفير حماية أفضل كثيرًا لما يدور في أجهزة الكمبيوتر التابعة لمختلف وكالات الاستخبارات. وإذا كانت ثمة جهة تنزّل من هذه الأجهزة نصف المليون وثيقة، فالأحرى بنا أن نحيط علمًا بهذا وقت حدوثه، وليس بعد إنجاز مهمة التنزيلraquo;.

ومنعًا لانتهاكات جديدة، أعلنت وزارة الدفاع quot;البنتاغونquot; الأحد أنها أصدرت الأمر بتعطيل مشغّلة في شبكة أجهزتها الحاوية للمعلومات السرية، كانت تسمح بتنزيل هذه المعلومات منها. وأضافت أنها ستخفض عدد الأجهزة الحاوية للمواد السرية التي تسمح بتحميل موادها لأجهزة أخرى مصنفة غير سرية. ومن الآن فصاعدًا أيضًا سيستلزم الأمر شخصين لتقل المواد من كمبيوتر إلى آخر.

ويقول ستيفت آفترغود، من فيدرالية العلماء الأميركيين، إن laquo;إجراءات احترازية أفضل من هذه نفسها كان يجب أن تتخذ منذ زمن طويلraquo;. من جهته تساءل بيت هويكسترا نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب laquo;ما فائدة نظام يسمح لمحلل استخباراتي في بغداد (حيث عمل مانينغ) بالوصول إلى وثائق وزارة الحارجية في واشنطن؟.. كيف تساعده وثائق كهذه على أداء مهمته في بغدادraquo;؟.

يذكر أن الجيش الأميركي يستخدم بروتوكولاً سريًا مأمونًا يسمى Siprnet لنقل المعلومات عن عملياته خارج نطاق الانترنت التجاري. وقال مسؤول استخباراتي سابق إن عدد أولئك الذين يتمتعون بمنفذ إلى هذا النظام الآمن تعاظم إلى ما بين 500 ألف و600 ألف شخص. وبين هؤلاء طواقم السفارات ومسؤولين عسكريين من دول أخرى ومسؤولي الحرس الوطني ووزارة الأمن الداخلي.

وجزئيًا كان السبب في هذا هو تقاسم المعلومات، بسبب أن وزارة الخارجية كانت تريد نظامًا آمنًا لمراسلاتها بدون تحمل تكاليف إقامة نظام خاص بها. وأضاف المسؤول الاستخباراتي إن معالجة الانتهاكات لا تتطلب خفض عدد من يتمعون بالمنفذ، إذ إن هذا ليس هو الحل، وإنما بغربلتهم عبر تعزيز شروط المنفذ نفسه.

والواقع أن وزارة الدفاع حُذّرت قبل سنوات من أن خزانة معلوماتها معرضة للخطر بعدما سرّب ويكيليكس سلسلة في العام 2007 من الوثائق العسكرية عن الأساليب القذرة المتبعة في معركة الفلوجة والحديث عن انتهاك حقوق الإنسان في معتقل غوانتنامو.

وأعدّ مركز الاستخبارات العسكرية تقريرًا قال فيه إن ويكيليكس يشكل خطرًا أمنيًا يتصل بالمعلومات والعمليات. ولم يستبعد المحلل الأميركي مايكل هورفاث في تقرير له أصدره في فبراير/شباط أن يكون ويكيليكس قد جند جواسيس له داخل وزارة الدفاع.

من جهته كتب الصحافي البريطاني سايمون جينكينز في عموده الأسبوعي في صحيفة laquo;اوبزيرفرraquo; إن التسريبات الأخيرة laquo;نسفت جزءًا من النظام الذي تستخدمه الحكومات لحماية أسرارهاraquo;. وأضاف laquo;يمكن حماية الكلمات وهي على الورق. لكن الكلمات الإلكترونية شيء آخر، ولا يمكن حمايتها. وفي المستقبل ستصبح الكلمات الآمنة هي المنطوقة فقط، ويتعين أن يكون ثمة نقاش عام حول ما إن كان هذا شيئًا مطلوبًاraquo;.