تابع ملف إيلاف الخاص حول تسريبات ويكيليكس
ملف: ويكيليكس وقادة العالم وجهاً لوجه

كشفت برقيات مسربة على موقع ويكيليكس أن المسؤولين الاميركيين تجاهلوا إعتراضات لندن على استخدام قاعدة بريطانية في قبرص لتنفيذ تحليقات تجسسية أميركية خشية أن تحوِّل هذه التحليقات بريطانيا الى شريك في خروقات بينها اعمال تعذيب رغم انفها.


إعداد عبدالاله مجيد، وكالات: تشير وثائق ويكليكس المسربة إلى أن استخدام قاعدة السلاح الجوي الملكي البريطاني في جزيرة قبرص لتنفيذ مهمات تجسسيّة بطائرات quot;يو 2quot; فوق لبنان، فجر حملة إتهامات متبادلة بين المسؤولين البريطانيين والسفارة الأميركية في لندن.

وطالب وزراء في حكومة العمال بجردة كاملة للعملية السرية التي أُطلق عليها اسم quot;مسح الارزةquot; في عام 1998 وسط مخاوف متزايدة في اوساط الرأي العام البريطاني من قيام وكالة المخابرات المركزية الاميركية بنقل معتقلين عبر المطارات البريطانية وإقحام بريطانيا بحيث تكون شريكة في اعمال التعذيب المرتبطة بهذه العمليات. وطبقا للبرقيات المسربة فان التحليقات التجسسية فوق لبنان كانت لجمع معلومات ونقلها الى السلطات اللبنانية من اجل مساعدتها في رصد تحركات مقاتلي حزب الله.

وفي غمرة النزاع بين مسؤولي البلدين حول هذه التحليقات رفضت الولايات المتحدة المخاوف البريطانية من التورط في اعمال تعذيب بلغة لا تقبل اللبس على غرار ما قاله بجسارة مسؤول كبير في السفارة الاميركية في لندن عندما كتب في احدى البرقيات: quot;اننا لا نستطيع ان نعتمد مقاربة تتفادى المخاطر في مكافحة الارهاب حيث الخوف من انتهاك حقوق الانسان يسمح للارهاب بالانتشار في لبنانquot;.

وتكشف البرقيات ان طائرات يو 2 التي كانت تقلع من قاعدة اكروتيري الجوية البريطانية في قبرص، الى جانب مهماتها في اجواء لبنان، كانت تجمع معلومات فوق تركيا وشمال العراق. وكانت المعلومات تُنقل سرا الى السلطات التركية في عملية اطلقها عليها اسم quot;محارب الاراضي المرتفعةquot;. واحتج البريطانيون قائلين quot;ان محصلة العمل الاستخباراتي يُراد نقله في الحالتين الى حكومات أطراف ثالثةquot;.

وفي 18 نيسان/ابريل 2008 طالبت بريطانيا السفارة الاميركية بتقديم تفاصيل كاملة عن جميع هذه التحليقات التجسسية ليتمكن الوزراء من تحديد ما إذا كانت quot;تهدد بتحويل بريطانيا الى شريك في اعمال غير مشروعة....quot;.

وبعثت الدبلوماسية الاميركية مورا كونيللي ببرقية قالت فيها quot;ان الولايات المتحدة تنظر الى هذه التحوطات الاضافية على انها نابعة من الكشف بأن الحكومة الاميركية كانت تنقل اشخاصا عبر جزيرة دييغو غارسيا دون موافقة بريطانيا وما يترتب على ذلك من حاجة حكومة صاحبة الجلالة الى التوثق من عدم تجاهلها في المستقبلquot;. وشكت كونيللي من ان مطالب بريطانيا مطالب quot;متعبةquot; وهي quot;مستوى آخر لا ضرورة له من البيروقراطيةquot;.

وجاء في رسالة كتبها مدير قسم مكافحة التجسس في وزارة الدفاع البريطانية وقتذاك ويل جيست ان استخدام قواعد بريطانية لتنفيذ مهمات سرية لصالح لبنان وتركيا يعني quot;ان من المهم بالنسبة لنا ان نقتنع بأن حكومة صاحبة الجلالة لا تساعد بصورة غير مباشرة في ارتكاب هذه الحكومات اعمالا غير قانونيةquot;.

وقالت الرسالة ان دولا أخرى وخاصة قبرص قد تعترض إذا اكتشفت هذه التحليقات. ولذلك طلب الوزراء البريطانيون ان تقدم الولايات المتحدة عن كل مهمة quot;تقييما لأي دلالات قانونية أو تتعلق بحقوق الانسانquot;. وفي 24 نيسان/ابريل كتبت السفارة الاميركية الى واشنطن تقول ان الوزراء البريطانيين مصرون على موقفهم.

وابدت السفارة الاميركية مقاومة عنيدة في مواجهة الضغوط البريطانية ومطالب لندن بتقارير كاملة عن التحليقات التجسسية. ولكن في ما يبدو انه كان نزاعا مريرا استعرض البريطانيون quot;حالات تجاهل أخرى من جانب الولايات المتحدةquot;.

وقالت احدى البرقيات quot;ان الاتصالات استشهدت بأمثلة نُفذت فيها عمليات quot;محارب الاراضي المرتفعةquot; وquot;مسح الارزةquot; من قاعدة اكروتيري البريطانية دون استحصال الموافقات الوزارية اللازمة.... يضاف الى ذلك ان عملية quot;محارب الاراضي المرتفعةquot; اثارت توترات مغ القبارصة مهددة سيطرة بريطانيا على قاعدة اكروتيريquot;.

وكانت هناك حالات أخرى احرجت الحكومة البريطانية منها نقل معتقلين عبر جزيرة دييغو غارسيا البريطانية في المحيط الهندي ونقل شحنات اسلحة عبر مطار بريستوك دون وثائق اصولية. وخلصت السفارة الاميركية الى ان quot;عنصرا جديدا من عناصر انعدام الثقة تسلل الى العلاقة العسكرية بين الولايات المتحدة وبريطانياquot;.

ونفد صبر الولايات المتحدة مع بريطانيا ومخاوفها من التورط في اي خروقات عندما نقل المسؤول في وزارة الخارجية البريطانية جون هيلمان رسالة جاء فيها ان تقرير وزارة الخارجية الاميركية نفسها عن حقوق الانسان quot;وثَّق حالات تعذيب واعتقالات اعتباطية قامت بها القوات المسلحة اللبنانيةquot;.

وحث هيلمان الولايات المتحدة على التوثق من سلامة المعتقلين في لبنان quot;إذا كان هناك أي خطر يهدد بتعرض موقوفين أُلقي القبض عليهم بمساعدة عملية quot;مسح الارزةquot; التجسسية الى التعذيبquot;. وهنا أبرق القائم بالاعمال الاميركي ريتشارد ليبارون الى واشنطن يقول انه لا يمكن السماح للمخاوف بشأن حقوق الانسان ان تقف في طريق عمليات مكافحة الارهاب. وان مطالب بريطانيا ليست quot;متعبةquot; فحسب بل وquot;تعجيزيةquot; ايضا وطالب بمعالجات على اعلى المستويات لإسكات البريطانيين.

وقال القائم بالاعمال الاميركي ان الشروط البريطانية quot;ستعيق إن لم تعرقل جهودنا التعاونية في مكافحة الارهابquot;. وإزاء رد الفعل الاميركي اعربت مديرة الدفاع والاستخبارات في وزارة الخارجية البريطانية ماريوت ليسلي عن انزعاجها من الشروط الاضافية البريطانية وطمأنت الجانب الاميركي قائلة ان الولايات المتحدة لا يُنتظر منها في الواقع التحقق من سلامة ارهابيين معتقلين بل quot;كل ما كان يريده الوزراء هو ان يتمنوا على حكومة الولايات المتحدة ان تأخذ اعتبارات حقوق الانسان مأخذ الجدquot;.

ولكنها أصرت على ان تقدم السفارة الاميركية طلبات مكتوبة بشأن المهمات التجسسية اللاحقة. وجاء في احدى البرقيات ان ماريوت quot;ليسلي.... كانت صريحة للغاية بأن حكومة صاحبة الجلالة تعترض على بعض ما تفعله الحكومة الاميركية (مثل نقل المعتقلين)quot; عبر اراضيها دون علمها.

تصاعد الغضب

يذكر أنّ الولايات المتحدة واجهت أمس الاربعاء موجة من الغضب من الحكومات الاجنبية بسبب تسريبات موقع ويكيليكس في الوقت الذي عين الرئيس الاميركي باراك اوباما خبيرا للحيلولة دون حدوث مثل هذه التسريبات مرة اخرى.

وتحت الضغط قرر موقع امازون التوقف عن استضافة موقع ويكيليكس مما اجبره على اللجوء الى مواقع اوروبية. كما اضطر مؤسس الموقع جوليان اسانج الى الاختباء بعد ان اصدرت الشرطة الدولية (انتربول) مذكرة لاعتقاله بتهم الاغتصاب.

وفيما ابدت العديد من الدول في البداية عدم اهتمام كبير بالتسريبات، الا ان عددا متزايدا من قادة العالم اعربوا عن غضبهم بشان المعلومات التي تضمنتها تلك التسريبات بان دبلوماسيين اميركيين شككوا سرا في نواياهم وقدراتهم ونزاهتم.

واعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استيائه من البرقيات المسربة التي وصف فيها مسؤولون اميركيون روسيا بانها quot;دولة دكتاتورية تديرها اجهزة الاستخبارات السريةquot; وتحدثت عن نفوذ المافيا المفترض على مدينة موسكو.

كما ورد فيها ان الرئيس ديمتري مدفيديف يلعب دور quot;روبنquot; بالنسبة لquot;باتمانquot; رئيس الوزراء فلاديمير بوتين. وقال بوتين في تصريح في برنامج quot;لاري كنغ مباشرةquot; انه quot;بصراحة لم نتوقع ان يحدث ذلك بمثل هذه الغطرسة .. وبشكل لا اخلاقيquot;.

وحذر بوتين الولايات المتحدة من quot;التدخلquot; في روسيا. الا انه المح الى نظرية اكثر تعقيدا وهي ان quot;شخصا ماquot; له اجندة سياسية يزود ويكيليكس بهذه البرقيات. واضاف quot;لذلك لا اعتبر هذه المسالة كارثيةquot;. اما في تركيا فقد اعرب رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان عن غضبه الشديد بسبب المزاعم الواردة في البرقيات بانه يحتفظ بحسابات سرية في بنوك سويسرا.

وقال quot;ليس لدي اي بنس في اي بنك سويسريquot;، وحث واشنطن على محاسبة الدبلوماسيين المسؤولين عن هذا quot;التشهير والاكاذيب والاراء غير الدقيقةquot;. وفي الارجنتين قال وزير في الحكومة انه quot;من المعيبquot; ان تتساءل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في برقية عن الصحة النفسية للرئيسة كريستينا كيرشنر.

وفي دول اخر من اميركا اللاتينية التي تزداد فيها الشكوك في السياسة الاميركية الخارجية، قالت اروغواي انها ستتصل بالسفارة الاميركية لمناقشة البرقيات. اما فيدل كاسترو الرئيس الكوبي السابق فوصف التسريبات بانها quot;فضيحة ضخمةquot;.

ووقفت الصين التسريبات بانها quot;غريبةquot;. وردا على سؤال حول تلك التسريبات رفضت المتحدثة باسم الخارجية الصينية جيانغ يو التعليق على quot;المحتوى الغريب للموقعquot;. اما رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني فقد استدعى السفيرالاميركي لاجراء محادثات معه بعد البرقيات التي تسربت بشان التحالف الحساس بين البلدين بشان الحرب على الارهاب.

وفي قمة في كازاخستان التقت كلينتون بالامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي جاء في احدى البرقيات المسربة انه خضع لرقابة اميركية. وصرح بان للصحافيين quot;لا اعتقد ان اي شخص سيكون مسرورا عندما يعلم انه مراقب من قبل شخص ماquot;.

وقرر اوباما تعيين راسل ترفيرز الخبير في مكافحة الارهاب quot;على راس جهود شاملة لتحديد وتطوير الاصلاحات الهيكلية المطلوبة عقب تسريبات ويكيليكسquot;، حسب البيت الابيض. وعلقت وزارة الخارجية مؤخرا قدرة البنتاغون على الوصول الى بعض الوثائق. ويعتقد ان ويكيليكس حصلت على نحو 250 الف برقية من برادلي ماننغ (23 عاما)، ضابط الاستخبارات الاميركية السابق.

وعقب قرار امازون انهاء استضافته لموقع ويكيليكس، تعهد عدد من اعضاء الكونغرس الاميركي بمساءلة امازون عن سبب استضافته للموقع. وقال بيتر كنغ عضو الكونغرس الجمهوري من نيويورك quot;يجب ان يكون هذا الوضع درسا لكافة الشركات الاميركية والدولية الخاصة وهو ان التعامل مع ويكيليكس غير مقبول ويعارض المصالح الاميركيةquot;.

وسخر ويكليكس من تلك الخطوة في رسالة على توتير جاء فيها quot;حرية التعبير في بلد الحرية -- حسنا، دولاراتنا اصبحت تنفق الان في توظيف اشخاص في اوروباquot;. وحول اختباء الاسترالي اسانج (29 عاما) قالت المتحدثة باسم موقع ويكيليكس كريستين هرافنسون في لندن quot;خوفه على سلامته مبرر، مع وجود اشخاص يدعون، على سبيل المثال، الى اغتيالهquot;.

من ناحيتها ذكرت الشرطة السويدية الخميس انه لم ترتكب اية اخطاء في اصدار مذكرة الاعتقال الدولية بحق اسانج، نافيا معلومات بريطانية بان خطأ ارتكبته السويد عرقل القبض عليه. وصرح تومي كانغاسفيري من الشرطة الجنائية السويدية لوكالة فرانس برس انه quot;بالنسبة لنا لا توجد مشكلة، نحن نجري تحقيقاتquot;.

وكانت صحيفة التايمز ذكرت الخميس ان الشرطة البريطانية كانت تعرف بمكان وجود اسانج، الا انها لم تتمكن من التحرك بسبب خطأ في مذكرة التوقيف. وكان الكندي توم فلانغان قال ان على اوباما اغتيال اسانج لان التسريبات يمكن ان تشغل حربا في الشرق الاوسط. الا انه اعتذر لاحقا عن تصريحاته.

ورغم ردود الفعل العالمية الغاضبة، قلل بعض حلفاء واشنطن مثل رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني، الذي تحدثت التسريبات عن حفلاته الليلية، من اهمية التسريبات. واثنت كلينتون على برلوسكوني في اجتماع في كازاخستان وقالت انه حليف ثابت للولايات المتحدة. اما رئيس الوزراء الكيني رايلا اودينغا، الذي وصفت احدى البرقيات المسربة بلاده بانها quot;مستنقع يزدهر فيه الفسادquot; فقد رحب بالتسريبات وقال انها مفيدة.