على الرغم من الدور الكبير للجالية المصرية في الولايات المتحدة في تحريك عجلة الإقتصاد المصريّ، إلا أنّ تلك الجاليةما زالت محرومة من حقّ التصويت في الانتخابات. وكشفت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة عن تباين في الآراء لدى الجالية المصرية وضيق متزايد من عدم القدرة على المشاركة.


واشنطن: تختلف الانتخابات البرلمانية المصرية لمجلس الشعب هذا العام عن مثيلاتها في السابق، فهي تتم تحت شعار الديمقراطية، على الرغم من كل الإنتقادات الموجهة لها وهذا في نظر الكثيرين ما لم تحظَ به الانتخابات السابقة.

فالمصريون اقترعوا هذا العام في ظل مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية جمة شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.

وتابع العالم كله عن كثب هذه الإنتخابات ولا يستثنى من ذلك الجالية المصرية في أميركا التي تتابع ما يحدث بمزيد من الإهتمام وكلها أمل في تحقيق ديمقراطية حقيقية، تفرز دماء جديدة قادرة على التغيير نحو الأفضل، مع تمنيات بأن يكون لهم حق المشاركة في عملية التصويت وحال لسانهم يسأل أين نحن؟ لماذا لا نمارس أبسط حقوقنا الدستورية في الإقتراع؟

وبدأت منذ أواخر الشهر الماضي عملية الإنتخابات البرلمانية في مصر والتي تعد تمهيدا للإنتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2011.

وقد حظيت تلك الانتخابات باهتمام بالغ وتغطية إعلامية كبيرة جعلتها محط أنظار العالم واهتمامه، فيما تابع المصريون في الخارج ما يحدث في بلادهم مُتمنين لو أن لهم قدرًا من المشاركة وآملين أن يكون لهم نصيب المشاركة في عملية الإقتراع في الإنتخابات الرئاسية المقبلة..

ويقر الدكتور محرز الحسيني أستاذ علم quot;السياسة والدينquot; ومدير المركز العربي الأميركي للحوار والدراسات الإستراتيجية وناشر ورئيس تحرير جريدة quot;المنصة العربيةquot; الصادرة من نيوجيرسي بأن حق المشاركة في الإنتخاب هو حق دستوري كفله الدستور المصري لكل مواطن في الداخل كما في الخارج، ولا يحق لأيّ كان تجاهل ذلك.

ويتساءل الحسيني في الوقت نفسهعن سبب ذلك التجاهل، ويرى أنّ المصريين في الخارج يشكلون قوة كبيرة ولا بد أن يكون لهم رأي مؤثر في الانتخابات.

ويقول:quot;المصريون في الخارج يشكلون قوة كبيرة وجميعهم على دراية مستمرة لما يدور في الوطن من أحداث ومستجدات من خلال الشاشات الفضائية والإنترنت. فالمصري في الخارج لديه وعي ثقافي وسياسي، وانفتاحه على المجتمعات الأخرى والثقافات الأخرى أثرى لديه معايير التقييم والحكم والإختيار ربما بشكل قد لا يتوفر للمصري المقيم في الداخل. وعلى الرغم من المشاركة المثمرة لكثير من رجال الأعمال المقيمين في أميركا في تحريك عجلة الإقتصاد المصري،إلا أنهم ما زالوا محرومين من ممارسة أبسط حقوقهم السياسية وهي الانتخابquot;.

ملف: مصر تنتخب برلمانها

ويضيف الدكتور محرز الحسيني متسائلا: quot;كيف يمكن أن نطالب الجالية المصرية بتشكيل لوبي قويّ وفاعل في الولايات المتحدة والمشاركة الواعية في الانتخابات الأميركية والمواطن المصري المهاجر في الوقت ذاته محروم من المشاركة السياسية في وطنه، أليس في ذلك تناقض؟!

وعلى الرغم من الإنتقادات التي وجهت للإنتخابات وانسحاب بعض الأحزاب والجماعات لما أشيع حولها من مزاعم تزوير ورشاوى ومخالفة القوانين الانتخابيّة وأحكام القضاء، إلا أنه يرى أن الإنتخابات الحالية حملت دفعة من الديمقراطية على الرغم من كل الإنتقادات الموجهة لها وعلى الرغم من السقف المحدد لهذه الديمقراطية، مستشهدا بذلك على حرية التعبير الموجودة في وسائل الإعلام المصرية والتي تتم بنسبة لم تشهد من قبل حتى وإن كانت النسبة محددة.

ويبرّر مدير المركز العربي الأميركي للحوار والدراسات الإستراتيجية للحكومة المصريّة ما تقوم به بسبب المناخ السياسي والإقتصادي في المنطقة والأخطار المحيطة من الخارج والداخل والتي قد تنعكس سلبا على اختيار المواطن الداخلي للمرشح المناسب وخصوصا أن الكثير من المواطنين لا يتحلون بالوعي السياسي والثقافي الكافي.quot;

وعبرت السيدة رضا الناقة ndash; مصرية مقيمة في ولاية كاليفورنيا - وحاصلة على بكالوريوس علم الإجتماع من جامعة القاهرة عن استيائها كما هو حال معظم المصريين لحرمان الجالية المصرية في أميركا من التصويت في الإنتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية كي يتسنى لهم اختيار المرشح المناسب لتمثيلهم في البرلمان وقيادة عملية التقدم والتطور في البلاد.

وذكرت أن عمليات التزوير التي تشهدها الإنتخابات لا يمكن أن تحدث هنا وذلك لوجود مراقبين دوليين أما في مصر فالوضع مختلف، فما يحدث الآن ما هو إلا صورة مصغرة لما سيحدث في الانتخابات الرئاسية لعام 2011، على حدّ تعبيرها.

ويرى الكثير من المصريين أن حرية التعبير والديمقراطية ليست متوفرة بالشكل الكافي في بلادهم، فهي تأخذ شكلا ظاهريا أكثر منأن يكونحقيقيا.

ويتمثل ذلك في التضييق على وسائل الإعلام والصحافة في كل ما يقال وينقل. وعدم قبول وجود مراقبين دوليين لكشف ما يحدث من تزييف للنتائج في صناديق الإقتراع وذلك على حد تعبير كثيرين.

لا يرى محمد الخشاب مدير شركة quot;ريتش ميدياquot; ومسؤول قنوات آرت والقنوات العربية في أميركا للمصريين في الخارج quot;حق المطالبة بالتصويت لأي من الإنتخابات لا البرلمانية ولا الرئاسية كونهم لا يعيشون على أرض الوطن ولا يعرفون عنه إلا القليل، إما من خلال سفرهم لبعض الوقت لقضاء الإجازات أو من خلال ما يتابعونه من خلال الإنترنت وما يعرض على الشاشات الفضائية. كما أن أي مرشح لا يمكن أن يخدمهم أو يمثلهمquot;.

وحول رأيه في ما يحدث في الإنتخابات يقول:quot; من خلال متابعتي بالقراءة والمشاهدة في التلفاز لما يحدث في الإنتخابات البرلمانية في مصر أرى أنّ هناك نسبة كبيرة من التجاوزات في تلك الإنتخابات وهناك أساليب كثيرة دون المستوى تمارس للوصول إلى كرسي مجلس الشعب فقط وليس لخدمة المواطن.quot;

ثم يكمل حديثه منتقدا المعارضة فيقول:quot; ولا يوجد أحزاب معارضة قوية فهي ضعيفة جدا وتعارض فقط للمعارضة دون تقديم حلول بديلة تتناسب والواقع الجديد.quot;

ويعتقد الخشاب أن الديمقراطية تقدمت كثيرا في مصر عمّا كانت عليه في السنوات الماضية لتصل إلى 50 % وذلك للقدرة على طرح القضايا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية بجرأة لم يكن يتمتع بها الإعلام المصري من قبل، ولأن الديمقراطية في أول الطريق، فالمواطن المصري ما زال لا يعي معناها ولا يملك الوعي السياسي للقدرة على اختيار الأفضل لمن يمثله.

كما يرى أن الخروج من الإنتخابات بأسماء جديدة ليس هو المطلوب، فالمطلوب هو أن تنفذ الحكومة الجديدة واجباتها تجاه الشعب وأن تسن قوانين جيدة وتنفذ بصرامة وأن يحاسب الكل بالدرجة نفسهافي حال الإهمال وهو ما سيقود البلد نحو التقدم، على حدّ تعبيره.

ويعتقد الخشاب أن التغيير يجب أن يبدأ من المنظومة التعليمية في مصر وذلك بإلغاء مجانية التعليم الجامعي لكل أبناء الشعب المصري، وتوفير ما يصرف عليه لصالح التعليم المدرسي الذي يسهم في تطوير المنظومة التعليمة ما يَنتج منه مدارس جيدة وطلاب متعلمون. أما الطالب الضعيف فيتوجه إلى المهن الحرفية، معللا ذلك بأن المجتمع يجب أن يتنوع فلا يمكن أن يكون المجتمع كله حملة شهادات عليا فذلك لن يساعد على توفير وظائف مناسبة لهم. في الوقت الذي سيسمح لهم بالتفكير بمزاولة مهن حرفية أخرى تحتاجها البلاد.

فمصر لا تقوم على حملة الشهادات، يقول الخشاب، كما أن ذلك سيسمح فقط للمتفوقين بدخول الجامعات ما يُنتج موظفا جيدا أيا كان موقعه ولا يشكل عبئا على الدولةquot;.

من جهته صرح يوسف زادة القنصل العام في القنصلية المصرية في مدينة نيويورك لـquot;إيلافquot; قائلا:quot;إنّ المشاركة في عملية التصويت للإنتخابات البرلمانية تحتاج إلى تواجد على أرض الوطن كي يتسنى للناخب أن يختار من يمثل دائرته أو منطقته التي يقطن بها. أما المصري المهاجر فكيف له أن يختار من يمثل منطقته وهو لا يعيش فيها أصلا.quot;

كما ويؤكد أن من حق كل مصري المشاركة في عملية التصويت للإنتخابات الرئاسية و ليس البرلمانية كما هو حاصل الآن، فلا يوجد من يمانع ذلك ولكن الأمر ليس بالسهولة التي يتخيّلها البعض فذلك يحتاج إلى دراسة ومجهود وإمكانيات وتكاليف، والإمكانيات الحالية لمصر لا تسمح بذلك، فمجموع المصريين في أميركا وحدها يقدر بالآلاف موزعين على ولايات عدة. لذلك لا يمكن أن يتم الأمر بصورة سريعة فهذا يحتاج إلى وقت على حدّ تعبيره.

ويرى القنصل العام المصريّ في نيويورك أنه لا يمكن اعتبار مصر بلدا غير ديمقراطي، مستدلا على ذلك بحرية التعبير المتاحة على صفحات الجرائد، وشاشات التلفزيون وفي الفضائيات المصرية المختلفة ومساحة الإنتقادات الموجهة للانتخابات وللحكومة أحيانا.

مؤكدا في الوقت ذاته أن مصر من الدول الريادية في المنطقة العربية التي تتسم بالديمقراطية وإن كان هناك بعض الإشكالات التي قد تحدث، كما وتعد من أوائل الدول التي منحت المرأة حق الترشح للإنتخابات في مجلس الشعب وأن تعبر عن قضايا المرأة في المجتمع وهو ما لم يكن يحدث في كثير من دول المنطقة.

ويرد زادة على من يشكك في نزاهة الإنتخابات متهمين بعض المسؤولين بالتزوير لصالح أحزاب ومرشحين آخرين قائلا :quot; أنا لست مخولا بتقييم الانتخابات، ولكن في اعتقادي أن الإنتخابات الآن خطوة جيدة وبداية لطريق جديد ولربما قد يكون هناك بعض الأخطاء والتجاوزات لكن ذلك لا يلغي شرعيتها فكل الإنتخابات في العالم تحدث بها بعض المخالفات والتجاوزات، فكيف لبلد كمصر يخطو خطوة جديدة نحو الأفضل وإن كان البعض أيضا لا يريد أن يعترف بالهزيمةquot;.

وكانت الإنتخابات في مصر قد حظيت بتغطية وسائل الإعلام الأميركية فقد وصفت صحيفة quot;نيويورك تايمز الأميركيةquot; في عددها الصادر يوم 28 نوفمبر من الشهر الماضي بأن العملية الإنتخابية قد سادها العنف والترهيب وأنها كغيرها من العمليات الإنتخابية.

فيما ذهبت صحيفةquot; واشنطن بوستquot; في وصفها بأن المعارضة المصرية قد تعرضت لهزيمة ساحقة على أيدي الحزب الوطني وسط تقارير تفيد بوجود تجاوزات وعمليات تزوير وتم منع مراقبي الإنتخابات من العمل على مراقبة مراكز الإقتراع لضمان نزاهة وحرية الإنتخابات.