لا ينتظر أن تضمّن العواصم الخليجية بيان قمة مجلس التعاون المنتظر الثلاثاء في الجلسة الختامية موقفا يختلف عما تتضمنه عادة بيانات القمم السابقة بشأن إيران الجارة المثيرة للجدل، إذ للأخيرة العديد من المواقف التي تعتبر مريبة تجاه العواصم الخليجية.


أبوظبي: رغم أن قمة مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في عاصمة الإتحاد الإماراتي أبوظبي ستخصص حيزا مهما من مداولات القادة للقضايا والملفات البيانية وتحديدا ملفات العملة الموحدة، والإتحاد الجمركي، ومشاريع الربط الكهربائي، وشبكة القطارات الحديثة، إلا أن العلاقة مع إيران، مرشحة هي الأخرى لأن تأخذ حيزا بالغ الأهمية من المداولات، خصوصا مع المراوحة في ملف الجزر الإماراتية المحتلة إيرانيا، وأيضا التقدم في ملف طهران النووي، الأمر الذي يفرض على دول الخليج مزيدا من التحوط والقلق، وأيضا الإختراقات الأمنية والإستخبارية في بعض الدول الخليجية، التي يشار همسا في بعض العواصم الخليجية بأن إيران تقف خلفها، وتغذيها، وهو الأمر الذييهيئ العلاقة بين الدول الخليجية إيران إلى مزيد من التأزّم والتشكك والريبة.

فإلى جانب الملف الخلافي الأبرز والمتمثل في المخاوف الخليجية من عدم سلمية المشروع النووي الإيراني، يبرز إلى العلن المخاوف الخليجية المستترة من الأطماع الإيرانية التوسعية، ودعم المعارضة الشيعية في أكثر من بلد خليجي، وخلق كيانات سياسية موالية لإيران، وتنفيذ عمليات غسيل أموال ضخمة لتصريف أموال مبيعات تجارة الأفيون الإيراني، عبر كيانات اقتصادية خليجية، وهو الأمر الذي كشفته أكثر من مرة أجهزة أمن خليجية، قبل أن تبادر إلى تسوية الأمر بعيدا عن المسار السياسي والتصعيد الإعلامي، وهو الأسلوب الذي انتهجته عواصم القرار الخليجي حرصا على علاقات سياسية مستقرة، وبعيدة عن تيارات الضغط العالي.

ولا ينتظر أن تصدر القمة الخليجية المنعقدة في أبوظبي اليوم، بيانا ختاميا غدا يتضمن إشارة ضد إيران، مغايرة عما تضمنته البيانات الختامية في القمم الخليجية السابقة، إذ من المؤكد أن البيان الخليجي الختامي سيحرص على التأكيد بأن دول مجلس التعاون ترغب في أفضل علاقات مع إيران، وأنها ترغب في حل قضية الجزر الإماراتية المحتلة وفقا لقواعد السلم العالمي، والحوار والتفاوض بعيدا عن التشنج والتصعيد، وهو الأمر الذي تحرص عليه الدول الخليجية في علاقتها مع إيران، إذ سيخلو الأمر في نهاية المطاف من توجيه أي تحذيرات أو رسائل أو لوم إلى القيادة الإيرانية.

اللافت في العلاقات الخليجية الإيرانية بعد تسريبات وثائق ويكيليكس أنها بقيت بلا تشنج أو تصعيد جديد، إذ سارع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى اعتبار تلك الوثائق عملا من قبيل التسريبات الإستخبارية، رغم ما تسرب من هذه الوثائق عن عدم احتفاظ أكثر من عاصمة خليجية بالود والثقة تجاه الجار الإيراني، دون استبعاد أن يكون موقف نجاد مرده هو الحرص على علاقات هادئة ومستقرة مع عواصم الجوار الخليجية، خصوصا وأن بلاده تتحضر بأية لحظة لحرب عسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل، وهو بذلك يريد تحييد هذه العواصم في أي حرب مقبلة.

في حين يرى آخرون أن موقف نجاد الهادئ لا يعدو أن يكون استباقاً للدور في حال توجهت بوصلة ويكيليكس نحو طهران في مقبل الأيام.

وفيما يلي نبذة عن العلاقة التي تحكم علاقات إيران مع كل دولة خليجية:

السعودية

أبقت الرياض الباب مواربا لعلاقة ناضجة وسليمة مع الجار الإيراني على خلفية حرب الخليج الثانية، بعد أن أسهمت الحرب الأولى في الخليج في تراجع علاقات الرياض وظهران على خلفية الموقف السعودي المؤيد للعراق في حربه مع إيران، إلا أن إيران لم تستثمر التقارب مع السعودية، وأبقت نفسها على مسافة بعيدة من التلاقي مع المملكة العربية السعودية صاحبة الثقل السياسي والمالي العربي، إذ أصرت على اتخاذ مواقف متنافرة جدا مع المصالح السعودية في الإقليم، كما أنها سلكت مواقف سياسية سلبية في الملفات العراقية والفلسطينية واللبنانية، الأمر الذي أسهم في بقاء الفتور السياسي والدبلوماسي غالبا على العلاقات بين البلدين، وهو الأمر الذي عزز مناخ الشك وعدم الثقة بسبب عدم وضوح إيران بشأن سلمية مشروعها النووي، كما أن طهران ترفض إعطاء ضمانات للخليجيين بشأن تحييدها في أي حروب عسكرية في المنطقة.

الكويت

تعتبر الكويت هي البلد الخليجي الوحيد الذي تعرض إلى الخطر العسكري والإستخباري الإيراني، دون أن تتنصل إيران من تلك الإعتداءات، عازية حراكها ضد الكويت إلى عداء الأخيرة العلني لطهران، ووقوفها الأعمى إلى جوار نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إذ تعرضت الكويت لصواريخ إيرانية على هامش الحرب العراقية الإيرانية، كما أن أميرها الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح قد تعرض لمحاولة اغتيال محكمة في عام 1985 نجا منها بأعجوبة، إذ أثبتت التحريات بأن الإستخبارات الإيرانية تقف خلف هذه المحاولة، قبل أن تنفذ إيران سلسلة تفجيرات في عموم الكويت، بعضها طال منشآت نفطية، قبل أن تتعرض طائرة كويتية إلى الإختطاف القسري لمساومة الكويت موقفها السياسي، وإخراج عدة مساجين على خلفية قضايا إرهابية.

هذا التاريخ من التشنج لم يمنع الكويت من التفكير بطريقة سياسية جديدة مع الجار الإيراني، بعد أنغزا العراق الكويت، إذ شهدت العلاقات الإيرانية الكويتية تحسنا ملحوظا، وجرى تبادل الزيارات الثنائية، والتنسيق في مجالات سياسية واقتصادية وأمنية، بيد أن مناخ الشك ظل سائدا، خصوصا مع تلكؤ إيران في حل مشكلة الجرف القاري الثري بالغاز الطبيعي، رغم تطوع الكويت لتقديم تنازلات في هذا الإطار، وهذا لم يمنع أن تبقى الكويت على وقع محاولات إيرانية لضرب الإستقرار الداخلي الكويتي، ورغم أن هذه المحاولات كانت مكشوفة ومرصودة أمنيا للكويتيين، إلا أن القرار السياسي الأعلى أوعز بتجاهل أي تصعيد سياسي، وإبقاء قضايا من هذا النوع ضمن محورها الأمني فقط.

البحرين

تعتبر البحرين على تماس شبه يومي مع شبكات تخريبية واختراقات أمنية سرعان ما تذهب الإتهامات أنها ولدت في طهران، لضرب الإستقرار السياسي في البحرين، كما حاولت أكثر من مرة تسييل وتنظيف أموال تجارة الأفيون الإيراني من خلال شخصيات بحرينية ومصارف بحرينية، وهو الأمر الذي رصدته وأحبطته المنامة أكثر من مرة، إلا أن البحرين ولإعتبارات تتعلق بالحرص على إدامة أجواء الثقة والتعاون لا توجه غالبا أي اتهامات رسمية لإيران، لأنها تحرص على إقامة علاقات سلسة وآمنة مع جيرانها، وإضافة إلى ذلك لا تتردد المنامة في بث ريبتها من المشروع النووي الإيراني، إلا أنها تبيحه للغرض السلمي.

قطر

لم تفلح قطر رغم انفتاحها المبالغ به على إيران سياسيا واقتصاديا في إقناع الأخيرة بأنها شريك موثوق فيه، بسبب رصد إيران لاتصالات قطرية ساخنة مع من تعتبرهم إيران أساسا أعداء لها، وفي مقدمة هؤلاء الولايات المتحدة التي تحتفظ بقواعد عسكرية في الدوحة، وإسرائيل التي تقيم معها قطر علاقات تجارية نشطة للغاية، بلغت مرارا حد تبادل مسؤولين لزيارات علنية، إذ كشفت وثائق ويكيليكس الأخيرة بأن قطر قالت للأميركيين أنها تكذب على الإيرانيين، وأن الإيرانيين يكذبون عليها، في ترجمة واقعية للعلاقة بين الدوحة وطهران.

الإمارات

رغم أن إيران تحتل 3 جزر إماراتية دون وجود أي أفق للتسوية في هذا الملف من جانب إيران، وتمسك الإمارات بإستعادة هذه الجزر وفقا لقواعد القانون الدولي، إلا أن وقائع وحقائق هذه العلاقة تكشف بأن دولة الإمارات العربية المتحدة هي أكبر شريك تجاري لإيران، كما أننخبة رجال الأعمال الإيرانيين باتوا الرقم الصعب في مدينة المال والأعمال الإماراتية إمارة دبي، كما أن وثائق ويكيليكس قد أثبتت بأن الإمارات ضد أي ضربة عسكرية لإيران، ومع التحاور والتفاوض، وأن أي حرب في هذا الإطار من شأنها التأثير سلبيا على استقرار واقتصاد الإمارات، إلا أنه رغم ذلك فإن الإمارات لا تبدي أي ثقة بالجار الإيراني، ولا تحمل إليه أي ود، رغم قيام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة للإمارات قبل نحو عامين، لم تثمر أي جديد على صعيد العلاقات السياسية.

عمان

في الحاضر القريب بدأت علاقة السلطنة بإيران باعتراف الأخيرة بحكومة السلطان بعد وصوله إلى الحكم في العام 1970.

وكانت إيران بذلك ثالث دولة في العالم تعترف بالنظام السياسي الواعد للسلطان قابوس بعد الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

ثم ترسّخت العلاقة أكثر عندما زار السلطان إيران في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1971 وشارك الشاه محمد رضا بهلوي الاحتفالات لمناسبة مرور ألفين وخمسمئة عام على قيام الملكية. طلبت مسقط من جارتها التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية والإقتصادية.

طيلة الفترة التي مرّت على منطقة الخليج حافظت سلطنة عُمان على علاقاتها الخارجية المتعددة ومن ضمنها العلاقة مع إيران حتى بعد انتصار الثورة الإسلامية. كان للسلطان قابوس بن سعيد دورا كبيرا في جعل مسقط محطّة انطلاق علاقات هادئة ومُستقرّة مع الجميع، وملاذا للصداقات.

خلال الحرب العراقية الإيرانية ظلّت العلاقة بين البلدين قائمة حتى في أحلك أيّام الحرب. زار وزير الخارجية العُماني طهران في العام 1987 ووقّع أوّل مسودة تفاهم للتعاون في المجالين السياسي والاقتصادي. ثم زار وزير الخارجية الإيراني مسقط أيضا.