قال خبراء ومحللون أن وثائق موقع ويكيليكس بشأن النظام في مصر لم تأت بجديد، لأن الرئيس المصري حسني مبارك أعلن بشكل علني وصريح أنه يريد البقاء في الحكم ما دام على قيد الحياة وقال ذلك في خطاب مباشر بعد إجرائه عملية جراحية في ألمانيا.


لم تأت الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس بجديد في ما يخص مسألة الإنتخابات الرئاسية وسيناريو ما بعد مبارك في مصر. و لم تتفاجأ المعارضة المصرية بما ورد في الوثيقة التي نشرت أمس، وهي عبارة عن خطاب من السفيرة الأميركية في القاهرة مارغريت سكوبي للرئيس أوباما قبيل زيارة مبارك لأميركا العام المنصرم، والتي توقعت فيها بقاء مبارك في الحكم مدي الحياة، وأن نجله جمال هو الأوفر حظاً لخلافته.

وبالعودة إلى تصريحات الرئيس مبارك الصحافية في الفترة الأخيرة يتأكد أنه كان صريحاً وواضحاً إلى أبعد الحدود بخصوص تلك القضية التي تشغل بال الكثيرين في الداخل والخارج، حيث قال في خطاب عام في أعقاب إجرائه عملية جراحية في ألمانيا، إنه سيظل في الحكم ما دام القلب ينبض، وورد على لسانه حرفياً quot;سأظل أخدم مصر حتى آخر نفس وآخر نبضة قلبquot;، وكان ذلك منذ قرابة العام.

و يلاحظ المتابع لتصريحاته ولقاءاته أنه يرفض الحديث عمن سيخلفه في الحكم في إشارة ضمنيه إلى أنه باق ما دام القلب ينبض على حد قوله. ويعظم من هذه الإحتمالية أن المعارضة عاجزة عن تقديم منافس قوي له، يقدر على مبارزته بالإنجازات أو حتى البرامج والطموحات، خاصة أنها رفضت التخلي عن فرقتها و التوحد خلف الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي طرحته القوى الشعبية كبديل للنظام القائم.

ووصل الأمر إلى حد وقوف بعضها ضده صراحة. فيما لا يسمح الدستور والقانون له بالترشح إلا مستقلاً، وهذا شبه مستحيل في ظل سيطرة الحزب الوطني الحاكم على مجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية، إذ ينص القانون على ضرورة حصوله على مباركة تلك المجالس الثلاثة للترشح. وبذلك يكون الطريق ممهداً أمام جمال مبارك أو أي من قيادات الحزب لخلافة الرئيس، الذي يبدو أنه لا ينوي التخلي عن السلطة ما دام حياً يرزق.

وقال أبو العز الحريري نائب رئيس حزب التجمع لquot;إيلافquot; إن الأمور في مصر تسير حسب ما يريد الرئيس ونجله، ومنذ العام 2007، بات واضحاً أن الحكم في مصر سيظل في عهدة الرئيس مبارك ونجله جمال من بعده، وأوضح: هناك الكثير من المعطيات تؤكد هذا السيناريو منها، إجراء تعديلات دستورية في العام 2005 ليصبح انتخاب الرئيس بالإقتراع الحر المباشر، ثم إجراء تعديلات أخرى في العام 2007، لتقصر الترشح في الإنتخابات الرئاسية على أعضاء الهيئات العليا بالأحزاب الممثلة في البرلمان، وفي حالة ترشح أي شخص مستقل فهذا يتطلب موافقة نسبة كبيرة من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية، ثم تلا ذلك إجراء تعديلات ألغت الإشراف القضائي على الإنتخابات النيابية، وجرى تزوير انتخابات المجالس المحلية ثم انتخابات مجلس الشورى في العام 2008، وأخير مهرجان التزويرات العامة الذي جرى في نهاية نوفمبر الماضي وبداية ديسمبر الحالي، ألا وهي انتخابات مجلس الشعب التي استخدم فيها الحزب الوطني جميع الوسائل غير المشروعة في التزوير للحصول على 424 مقعداً من إجمالي 508 مقاعد منها 64 مقعداً للمرأة و 10 مقاعد بالتعيين، وبذلك صار الحزب يهيمن على المجالس النيابية جميعها، ولا مجال لخوض أي مرشح مستقل الإنتخابات الرئاسية ولن يخوضها إلا مرشح معارض يجيد تمثيل دور الكومبارس.

و أشار الحريري إلى الوثائق التي سربها موقع ويكيليكس أنهاكشفت أن الإدارة الأميركية تبارك هذا السيناريو، وليس لديها أي معارضة له، ويبدو أنه يخدم مصالحها في المنطقة العربية.

وحول دور المعارضة في تغيير هذا السيناريو بما يخدم التغيير عملية تداول السلطة، قال الحريري إن المعارضة مسلوبة الإرادة ولا حول لها ولا قوة، إذ أنها فشلت في التوحد حول قرار الإنسحاب من انتخابات جولة الإعادة في الإنتخابات البرلمانية، و كل فصيل منها له أجندته وأيدولوجيته الخاصة، وكل من قياداتها له مصالح شخصية يعمل وفقاً لها، وبالتالي فالأمل في تصديها لهذا السيناريو ضعيف، بل إن كثيرا منها يؤيد بقاء مبارك في الحكم.

و حسب جورج إسحق المنسق العام لحركة كفاية سابقاً، والقيادي في الجمعية الوطنية للتغيير التي يترأسها الدكتور محمد البرادعي، فإن تزوير انتخابات مجلس الشعب وإقصاء المعارضة تماماً جاء تجهيزاً لسيناريو بقاء مبارك في الحكم للأبد، وخلافة نجله له. وقال لquot;إيلافquot; إن الوثائق التي كشفها موقع ويكليكس أكدت ما صرح به مبارك وقيادات الحزب الوطني، وزادت عليها الكشف عن وجود مباركة أميركية لذلك، وكان ذلك واضحاً من خلال عدم توجيه وزارة الخارجية الأميركية أية انتقادات للإنتخابات التي استخدمت فيها البلطجية والتزوير على نطاق واسع. وأضاف: أتذكر الآن تصريحاً للرئيس مبارك لم يلتفت إليه الكثيرون، حيث أعلن فيه أنه سوف يفتتح الجامعة اليابانية بالقاهرة في العام 2017، أي أنه باق في الحكم حتى نهاية الولاية الرئاسية الذي ستبدأ في 2011، فضلاً على تصريحه منذ نحو العام الذي قال فيه إنه باق في الحكم ما دام القلب ينبض، و قد أكد الدكتور علي الدين هلال القيادي في الحزب الوطني مؤخراً أن الرئيس مبارك هو مرشح الحزب في انتخابات الرئاسة المقبلة، إذن مبارك سيستمر في الحكم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

ولكن أين المعارضة من ذلك؟ ويرد إسحق بالقول إن قوى المعارضة ليس لها أي وجود حقيقي في الشارع، ولن تقوى على التغيير إلا من خلال تأييد الناس لها، وعليها أن تجذب المواطنين إلى برامجها السياسية وتلتحم بهم حتى يؤمنوا بدورها، وأنها سوف تساعدهم على التغيير للأحسن، وبغير ذلك سيكون الوضع في مصر خلال السنوات المقبلة شديد البؤس.