قرر الملياردير اليهودي الأميركي ذو الأصول المصرية حاييم سابان دخول المعترك السياسي لخدمة تواجد إسرائيل في المنطقة، عندما أنشأ في عام 2002 مركز سابان الأميركي لدراسات الشرق الاوسط، وخصص لدعمه مبالغ مادية ضخمة، وكان لنشأته في مدينة الاسكندرية، بالغ الأثر في تشكيل شخصيته.


واشنطن: لعب الملياردير اليهودي الأميركي حاييم سابان دوراً كبيراً في خدمة إسرائيل، عندما قرر تجنيد أمواله لإقامة أكبر مركز لدراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة وهو مركز quot;سابانquot;، وبرعاية هذا المركز الذي يشرف عليه معهد بروكينغس للأبحاث، حرص حاييم سابان على تنظيم مؤتمر دولي كل عام، يدعو إليه عدداً ليس بالقليل من الدوائر السياسية والعسكرية من إسرائيل ومختلف دول العالم، لمناقشة العلاقات المشتركة بين تل أبيب وواشنطن، لا سيما ما يتعلق منها بمنطقة الشرق الأوسط.

حاييم سابان مع نتانياهو وكلينتون وشوارزينغر

في الولايات المتحدة

الصفوف الأولى

وقبل أيام جرت فعاليات المؤتمر التاسع لمركز سابان في واشنطن، ولم يكن من المستغرب بحسب صحيفة معاريف العبرية، أن تكون وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في مقدمة الصفوف الأولى للمؤتمر، ليس فقط للعلاقة الوطيدة التي تربط بين أسرة كلينتون ورجل الأعمال واسع الثراء، وإنما بسبب التبرعات المادية والدعم غير المحدود الذي يمنحه حاييم سابان للحزب الديمقراطي. وعلى هامش المؤتمر التقت كلينتون رئيسة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني ودار بينهما حوار موسع وصفته صحيفة يديعوت احرونوت بـ quot;السريquot;، سعت خلاله ليفني إلى سحب البساط من اسفل بنيامين نتانياهو، على خلفية مواقفه المتعصبة حيال الجهود الأميركية الرامية إلى استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل. وكان من بين حضور المؤتمر الأميركي ndash; الإسرائيلي، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه ايهود باراك، فضلاً عن عدد كبير من وزراء ورجال أعمال إسرائيليين، بالإضافة إلى قيادات الإدارة الأميركية وجميع أعضاء الكونغرس الأميركي.

ووفقاً لصحيفة هاآرتس العبرية حضر المؤتمر رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، المقرب من الدوائر السياسية في واشنطن، وكان كغيره من الفلسطينيين، وربما العالم العربي في انتظار ما ستتمخض عنه كلمة وزيرة الخارجية الأميركية أمام مؤتمر سابان، خاصة في ما يتعلق باستئناف المفاوضات المباشرة، غير ان الإحباط بحسب وصف هاآرتس هيمن على الفلسطينيين في ظل تجاهل الوزيرة الأميركية لتوجيه اللوم لرئيس الوزراء الإسرائيلي، على خلفية رفضه استئناف تجميد الإستيطان وبدء العملية التفاوضية مع الفلسطينيين، واكتفت كلينتون بكيل الوعود التي أكدت فيها حرص الإدارة الأميركية على إقامة دولة فلسطينية مستقلة في إطار رؤية دولتين لشعبين، تعيشان جنباً إلى جنب في أمن وسلام.

دوائر صنع القرار

وفي بداية العقد الأخير حرص رجل الأعمال الأميركي اليهودي حاييم سابان على الضلوع في عالم السياسة، وتجنيد جزء كبير من أمواله لصالح إسرائيل وما يخدمها على المستوى السياسي والإقتصادي وربما العسكري بفضل علاقاته المتشعبة بدوائر صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة. ومع بداية عام 2002 قرر تدشين مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط، كما منح رجل الأعمال اليهودي ذو الأصول المصرية 13 مليون دولار كدفعة أولى لتمويل نشاط المركز، وواصل إغداق دعمه المادي للمركز حتى الآن، ويدير المركز quot;مارتن انديكquot; السفير الأميركي الأسبق في إسرائيل.

رئيس مركز سابان في احدى زياراته لاسرائيل

ويحرص مركز سابان كل عام على استضافة عدد كبير من الشخصيات الإسرائيلية، ومن بين تلك الشخصيات كوادر سياسية وعسكرية وصحافية وشرطية، ولم تقتصر إقامة فعاليات مؤتمر المركز السنوية على الولايات المتحدة فقط، وإنما من الممكن إقامتها في إسرائيل، في محاولة لجذب أنظار العالم للدولة العبرية، ومدى علاقتها الوطيدة بالولايات المتحدة، ولعل ذلك وفقاً لصحيفة quot;ذي ميركرquot; العبرية، هو ما حدث عام 2007، عندما قرر رجل الأعمال اليهودي الأميركي حاييم سابان إقامة مؤتمر مركزه السنوي في مدينة القدس، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود اولمرت في طليعة من ألقوا كلمات في المؤتمر، لعلمه المسبق بدعم سابان لاسرائيل، ومساعيه الرامية إلى خلق مزيد من قنوات التقارب بين الولايات المتحدة والدولة العبرية. كما حرص على حضور المؤتمر عام 2007 وزيرة الخارجية الأميركية في حينه كوندوليزا رايس، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

تعزيز التواجد الإسرائيلي

ويركز برنامج مركز سابان مناقشات مؤتمره السنوي على القضايا العالقة بين إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط، ويخصص المركز جام دراساتة لوضع آليات جديدة تهدف إلى تعزيز التواجد الإسرائيلي في المنطقة، فضلاً عنمحاولته خلق قنوات مبتكرة لتدعيم العلاقة بين إسرائيل والدول العربية على المستوى السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، وتعكف كوادر بحثية في تل أبيب على مطالعة وتحليل الدراسات شبه الشهرية الصادرة عن المركز، للإستفادة منها في صناعة القرار السياسي بحسب الملحق الأسبوعي لصحيفة معاريف العبرية، كما يسعى المركز لتوطيد العلاقة بين واشنطن وتل أبيب من خلال إطلاع أعضاء الكونغرس الأميركي على دراساته، خاصة عند تمرير قرار جديد يهدف إلى خدمة الدولة العبرية في منطقة الشرق الأوسط.

ولد رجل الأعمال اليهودي الأميركي حاييم سابان في الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر عام 1944 في مدينة الاسكندرية المصرية، وفي تلك المدينة المطلة على البحر الأبيض المتوسط نمت طفولة سابان وصباه، إذ زرع به والده تعاليم الديانة اليهودية والأهداف الرامية إلى إقامة وطن لليهود في منطقة الشرق الأوسط. وكان سابان رغم صغر سنه مولعاً بزيارة المعابد اليهودية في مدينة الاسكندرية، خاصة معبد quot;يهودا هنافيquot;، الذي يعتبر حالياً مقراً للطائفة اليهودية بمدينة الاسكندرية، كما كان يهوى الإقتراب من الحاخامات لمعرفة الكثير عن تعاليم اليهودية، حتى وصفه يهود الاسكندرية بالحاخام الصغير، ولم تتغير خصال الطفل الصغير سابان حتى هاجر مع أسرته إلى إسرائيل عام 1956.

وفي إسرائيل تلقى تعليمه في إحدى المدراس الزراعية في كيبوتس quot;بن شيمنquot;، بينما أقامت أسرته في إحدى الوحدات السكنية في مدينة تل أبيب، وكان والده يعمل بائعاً متجولاً، إذ كان يبيع quot;أقلام الرصاصquot; ويدور بها من منزل إلى آخر. وفي عام 1964 أنهى سابان دراسته في المرحلة الثانوية بمدرسة quot;لسالquot; في تل أبيب، وإلى جانب عمله وعزفه على آلة الجيتار، أدى خدمته الإلزامية في الجيش الاسرائيلي، وفي عام 1966 انضم لفريق موسيقي وعمل به عازفاً على آلة الجيتار.

الافلام الترفيهية

هاجر حاييم سابان إلى فرنسا عام 1975، وهناك أسس شركة لإنتاج الأفلام الترفيهية، وفي المقابل عكف على تلحين الموسيقى التصويرية لعدد من المسلسلات التليفزيونية الفرنسية، بعد هذا التاريخ بثماني سنوات وتحديداً عام 1983 انتقل حاييم سابان للإقامة في لوس انجلوس بالولايات المتحدة، ليقيم عدداً من استديوهات التسجيل التي تزود المسلسلات التليفزيونية بالموسيقى التصويرية. وفي عام 1995 وحّد سابان بين شركته ومؤسسة quot;فوكس كيدس نت ووركquot; الأميركية، التابعة لأحد كبار المستثمرين في مجال الصحافة والإعلام quot;روبرت مردوخquot;ن وفي عام 1997 اشترت المؤسسة المشتركة شركة quot;فوكس فاميليquot; التي تضم عدداً من القنوات التليفزيونية، وتبث عبر نظام الكوابل إرسالها لملايين المنازل الأميركية. في تشرين الأول/اكتوبر عام 2002، باع سابان شركته لشركة quot;وولت ديزنيquot;، وحصل مقابل تلك الصفقة على 1.7 مليار دولار، وفي عام 2008 اشترى سابان مع عدد من شركائه مؤسسة quot;يونيفيغنquot; وهى أكبر المؤسسات التليفزيونية على مستوى العالم التي تبث إرسالها باللغة الإسبانية، ودفع سابان في هذه الصفقة إلى جانب شركائه 14 مليار دولار.

بالإضافة إلى تلك المعطيات ووسط صفقاته في عالم رجال الأعمال، لم يتجاهل حاييم سابان ما يجري على ساحة السياسة الداخلية في إسرائيل، إذ كان من أول المبادرين لدعم وتأييد التيارات والأحزاب السياسية الموالية لمعسكر الصقور في الدولة العبرية، ولعل ذلك كان واضحاً عندما تبرع بملايين الدولارات لصالح حزب الليكود خلال حملته الانتخابية الأخيرة التي فاز فيها بنيامين نتانياهو برئاسة الوزراء. فضلاً عن مساهماته غير المحدودة في دعم اللوبي اليهودي في نيويورك.