أثار إقدام محكمة جزائرية على إصدار حكم بالسجن مع تعليق النفاذ بحق أربعة جزائريين اعتنقوا المسيحية، تفاعلات على أكثر من مستوى وسط جدل لا يهدأ، بين فريق يرى أنّ الخطوة مقلقة وتؤشر على تضييق يطال ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، فيما يذهب فريق ثان إلى أنّ ذاك الادعاء مغلوط، والأمر بحسبه مجرد زوبعة في فنجان، طالما أنّ الجزائر توفر هامشا كبيرا من الحرية للأقليات الدينية.


الجزائر: في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، يرفض quot;عبد العزيز بلخادمquot; وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تلك القراءات التي تصنف الإدانة الصادرة عن محكمة الجنح لبلدة quot;لربعاء ناث ايراثنquot; التابعة لولاية تيزي وزو (110 كلم شرق)، في خانة quot;التضييقquot;، ويشدد بلخادم على أنّ المسألة تتعلق بالقوانين والتشريعات المحلية الخاصة بالممارسة الدينية، وهو أمر ينسحب على الجميع، وتخضع لها الديانات الأخرى حتى بالنسبة إلى المسلمين.

ويلّح بلخادم الذي أشرف قبل أيام على إعادة افتتاح الكنيسة الكاثوليكية quot;السيدة الافريقيةquot; وسط العاصمة الجزائرية، على انتفاء مزاعم التمييز في التعامل مع المسيحيين، مشيرًا إلى أنّ أي مسلم يرغب في تأسيس جمعية دينية أو بناء مسجد، مُطالب باحترام الإجراءات الإدارية السارية المفعول في بلد دينه هو الإسلام، لكنه حريص على ضمان حرية العبادة وإرساء دعائم التسامح والتقارب الديني.
بالمقابل، يبدي عدد من المثقفين والصحافيين والحقوقيين استياءهم إزاء إدانة المسيحيين الأربعة، ويرى quot;علي يحيى عبد النورquot; الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، في ذلك quot;مساسا بالحرية الشخصية لمواطنيه وحتى الوافدينquot;.

كما يستهجن كل من quot;محمد حموشquot; وquot;فوزية عبابسةquot; الكاتبين في الصحيفتين الفرنسيتين quot;ليبرتيquot; وquot;لاتريبونquot;، quot;تجريمquot; المسيحيين الأربعة، وينتقدان الأسلوب الذي تعاطى به القضاء المحلي ليس مع المسيحيين الأربعة فحسب، بل مع مجاهرة شباب قبل أشهر بالإفطار في رمضان، واعتناق المسيحية.

على طرف نقيض، يؤكد الأستاذ quot;نسيم لكحلquot; أنّه لا ينبغي الانسياق وراء ادعاءات لا أساس لها من الصحة، مركّزا على أنّ الحكم بالسجن غير النافذ على المسيحيين الأربعة، لم يكن بسبب اعتناقهم المسيحية، بل بسبب ممارستهم الشعائر الدينية الخاصة بهم في مكان غير قانوني، وايوائهم أجنبيا بشكل غير شرعي، وهما التهمتان اللتان حوكموا بسببهما، أي أنهم قاموا بفتح محل غير قانوني لممارسة الشعائر الدينية، وهو ما لا تحميه أي شريعة ولا أي قانون في أي بلد كان.

ويشير لكحل الذي يدير الموقع الالكتروني المعرّب quot;زاد دي زادquot;، إلى أنّ المتهمين الأربعة قاموا بإيواء أحد القساوسة الأجانب دون علم السلطات المحلية، وهو ما يعتبره المشرّع الجزائري quot;أداء لأدوار أخرى ومهمات أخرى خارج نطاق العبادة والتي تمتد إلى ما أصبح يسمى بظاهرة التبشيرquot;، لذا من حق سلطات كل بلد أن تسنّ القوانين أو الإجراءات لحماية مواطنيها من أي نشاطات غير قانونية غالبا ما تكون مجهولة الأهداف والوسائل، مثلما يقول لكحل.

من جهته، يسجّل quot;فارس فتح اللهquot; الذي اشتغل مطوّلا على ملف التبشير في منطقة القبائل الجزائرية، أنّ قانون ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين الصادر في مارس/آذار 2006، ليس بالسوء والخطورة التي حاولت ولا تزال بعض الجهات في الداخل والخارج تصويره للرأي العام، على غرار تقرير لوزارة الخارجية الأميركية.

ويرى نسيم لكحل أنّه من حق الدولة أن تتدخل لتنظيم ممارسة الشعائر للأقليات، كالحصول على تراخيص لبناء دور العبادة، وهو ما لم يتوفر في الحادثة التي حوكم فيها الشبان الأربعة، وباعتراف القس نفسه، علما أنّ المسلمين الذين يمثلون غالبية 99 بالمائة في الجزائر، مدعوون هم كذلك للحصول على تراخيص لفتح دور العبادة.

بدوره، يرى quot;إبراهيم بن مركاتquot; أنّ القضية المُثارة لا تعدو أن تكون سوى محاولة من بعض الأطراف للاصطياد في المياه الراكدة والادعاء زورا بأنّ حرية المعتقد في الجزائر تحكمها أغلال التوجه الديني الأوحد، ويتبرم بن مركات من سعي أطراف لم يسمها إلى تناسي حقيقة اهتمام الجزائر بضمان الحرية الدينية لغير المسلمين، وهو ما تكفله وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، متسائلا كيف يمكن اختلاق مشكل الحرية الدينية في بلد يسمح ببناء الكنائس ويسهّل أمور العبادة لأحد عشر ألف مسيحي ويذيع صلاتهم على أمواج الإذاعة الحكومية صباح كل أحد، ما يبطل الأكاذيب المفبركة حول الضغط والإكراه؟

المسيحيون الأقلية الوحيدة

يجزم من تحدثت إليهم quot;إيلافquot; بانتفاء وجود أقليات دينية في الجزائر باستثناء المسيحيين، حتى وإن كان البعض يسرّ بوجود فئة من اليهود وأخرى شيعية، ويلتقي كل من عز الدين عليان، الطاهر دزيري وسفيان أعراب على أنّ هناك نية غير بريئة من خلال تسويق جهات لأقليات دينية ومعاناتها في الجزائر.

تؤكد مراجع محلية أنّ الأقلية المسيحية في الجزائر لا تكاد تذكر (11 ألفا في مجتمع محلي قوامه 36 مليونا)، ويلفت عليان ودزيري وأعراب إلى أنّ ما يُثار حول quot;متاعبquot; يعانيها المسيحيون مع السلطات الجزائرية، تخص نشطاء الكنيسة البروتستانتية الإنجيلية على خلفية ممارساتها المشبوهة الموصولة بالتبشير، عكس الكاثوليك الذين يتوخون انضباطا أكبر.

ولا ينظر البعض بعين الارتياح إلى تنامي نشاط المسيحية البروتستانتية، وضلوعها في الترويج لطروحات استعمارية جعلت من التبشير المتفاقم في البلاد، خطرًا على وحدة وإيديولوجية الجزائريين.
ويتصور نسيم لكحل أنّ الجدل الذي دار حول الموضوع، وانعكس على تغطيات الصحافة المحلية، يجد تسويغه في تعبير تلك العناوين عن وجهات نظر إيديولوجية أكثر منها مهنية احترافية، ويتجلى ذلك بسرعة عند تناولها قضايا وأحداثًا خلافية، مثل قانون الأسرة المثير للجدل وسحب مادة الشريعة من المقررات الدراسية وغيره.

وهناك من الصحف ndash; بمنظور لكحل ndash; من لا تأخذفي الاعتبار عقيدة غالبية الجزائريين والبيئة التي يعيشون فيها، وتزيد الطين بلة من خلال حشر أنفها كطرف وحكم، ما يخرج النقاش عن مساره أو تعطي له أبعادا أخرى أكثر من حقيقة ما يحتمله، وذلك لخدمة مصالح وتوجهات أطراف دون أخرى، على حد تعبير لكحل.

يُشار إلى أنّه بعد quot;تنصرّquot; عشرة آلاف شخص خلال الفترة ما بين 2002 و2005، اعتمدت الجزائر إجراءات جديدة لتنظيم ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، نصّت على عقوبات تصل إلى حد السجن لنحو 5 سنوات وغرامات مالية، لكل من يثبت تورطه في نشاط تبشيري مشبوه.

وتمنح التدابير المستحدثة، صلاحيات واسعة للمسؤولين المحليين لمنع أي تظاهرة وصدّ أي نشاط، إذا ما رأوا أنّ ذلك يشكل خطرا على حفظ النظام العام، كما سيتّم إخضاع التظاهرات الدينية للتصريح المسبق واشتراط أن تكون أسماء وألقاب وعناوين المنظمين متضمنة طلب الترخيص، علاوة على تحديد الهدف من التظاهرة ومقر الجمعية المنظمة لها.

وتحرّم القوانين الجزائرية، ثلاثة أعمال: quot;استعمال وسائل إغراء أو مؤسسات تعليمية أو تربوية أو استشفائية أو ثقافية أو أي مؤسسة أخرى لحمل مسلم على تغيير دينهquot; وquot;إلقاء الخطب أو القيام بممارسات مشبوهة مثل جمع التبرعات أو قبول الهبات دون ترخيصquot; وquot;القيام داخل الأماكن المعدّة لممارسة الشعائر الدينية بأي نشاط يتعارض مع طبيعتها أو مع الأغراض التي وجدت لأجلهاquot;.
ولم يتردد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ووزيره للأوقاف quot;بوعبد الله غلام اللهquot; عن انتقاد سفارات غربية، وقالا إنّها أكثرت من زياراتها لمنطقة القبائل، لأغراض quot;مبيّتةquot;، مع الإشارة إلى أنّ المنطقة الآنف ذكرها ظلت قبلة مفضّلة لعموم المبشرين، الذين استغلوا الوضع الاجتماعي المتهالك للسكان المحليين.