عشية وداع عام 2010 الزاخر بذكريات مؤلمة وصعبة في تفاصيل حياة العديد من الاردنيين، يغيب التفاؤل في تحسن واقع حالهم في عام 2011 الذي بات الكثير يطلق عليه عام المجهول. وقد إستقبل الشارع الأردني الساعات الأولى من العام الجديد بهواجس ومخاوف ثقيلة من وضع داخلي يزداد تعقيدا.


رانيا تادرس وعامر الحنتولي من عمان: خلافا لقسوة مناخ الأردن البارد جدا هذه الأيام فإن هناك إجماعا على ان تلك البرودة لا تسري في أوصال السياسات الأردنية الساخنة جدا على مستويات القصر الملكي والأجهزة الأمنية والحكومة الأردنية. فلأول مرة في تاريخ الأردن لا تتدخل تلك المؤسسات في الدفاع عن حكومة بوزن حكومة سمير الرفاعي الذاهبة لا محالة الى اتخاذ سلسلة من القرارات غير الشعبية على الصعيد الاقتصادي.

فاسطوانة الغاز التي كانت بامتياز نجمة الإعلام ودواوين الناس خلال الأسابيع الماضية بسبب السعر القياسي الذي قد تصل إليه بعد أشهر قليلة ،نحو (15 دولاراً)، من شأنها ان تنفجر في وجه حكومة الرفاعي التي نالت الشهر الماضي ثقة غير مسبوقة من البرلمان المنتخب حديثا، وسط تساؤلات في الداخل الأردني عن سر ودواعي هذا الخضوع والإنقياد البرلماني للحكومة.

الانطباع الذي يدور لدى البعض هو أن الأشهر أو ربما الأيام المقبلة ستكون قاسية جدا على البلاد، خاص ان الأردنيين في معظمهم قد لا يصبرون على تحرير الحكومة لأسعار المشتقات البترولية ولاسيما في موسم الشتاء، إذ إن معظم وسائل التدفئة في المنازل تستخدم تلك المشتقات التي ستتضاعف أسعارها وستكون أكثر صلة بالسعر الدولي الصاعد.

سياسيون متشائمون

اذا الشعور بالاحباط والخوف والتشاؤم يسيطر على الاوساط الرسمية والشعبية في مجتمع متهالك اقتصاديا وترتفع فيه معدلات الفقر والبطالة والعنف. وفي هذه الاجواء توجهت quot;إيلافquot; بالسؤال لسياسيين للكشف عن توقعاتهم وحقيقة الاوضاع الأردنية الداخلية.

في تفاصيل التوقعات التي لم تحمل في طياتها أي إيجابيات يقول مدير تحرير موقع quot;كل الاردنquot; لـ quot;إيلافquot; خالد المجالي عن توقعات عام 2011 سياسياً واقتصادياً quot;لن ننجم بل نتحدث عن واقع مؤلم ومقلق نتيجة ظروف اقتصادية صعبة تمر على الشعب الاردني ستكون ثمارها في العام المقبل مزيدا من العنف وغياب الامن الاجتماعي، والغلاءquot;.

لكن الجانب السياسي في الداخل الاردني والقلق الذي يسكنه هو القضية الفلسطينية وأن يكون للأردن دوراً أمنياً في الضفة خصوصا في ظل سلطة فلسطينية لا حول ولاقوة لها وغير قادرة على التفاوض.وثمن الدور الأردني سيكون غاليا لان من شأنه إحداث إرباكات داخلية وإجتماعية، بحسب المجالي

ويتنامى شعور الخوف يحكمه عاملاً هاماً كما يقول المجالي هو quot;ضعف الحكومة الحالية برئاسة سمير الرفاعي التي تعاني من ضعف سياسي وانخفاض الثقة الشعبية بهاquot;. وتقع المجالي إسقاط الحكومة بعد شهور قليلة في العام الجديد بسبب نهجها فبرفع الاسعار والمحروقات.

من جانبه، ينظر مدير الدائرة الاقتصادية في جريدة العرب اليوم سلامة دروعاي نظرة تشاؤمية. ويقول إن توقعات التشاؤم تأتي من وقائع ملموسة لعل ابرزها مديونية قاربت 11 مليار، وعجز موازنة قفز المليار ونصف.

وهذا الواقع يعكس ان سياسية الحكومة في العام القادم ستكون عاجزة عن تخفيض معدلات البطالة التي تتجاوز 13 % خصوصا انها عاجزة عن اكمال المشاريع الاستثمارية التي توفر فرص العمل، ثانيا لن تستكمل المشاريع الاقتصادية الكبرى، اضافة الى تصريحات الحكومة انه لا تعينات في مؤسسات الحكومة، ما يعني زيادة في البطالة والفقر.

ويضيف الدروعاي quot;ولن يكون القطاع المصرفي افضل حال بل نتوقع المزيد من اجراءات التشدّد في منح التسهيلات، وكما علينا الحديث عن وضع القطاع الخاص في الاردن اذ نتوقع أن يتم الاستغناء عن عدد من الموظفين من خلال اعادة الهيكلةquot;. وسيتدرك الدوعاي قائلا quot;سنتظر لنرى خطط الحكومة، هل هي مجرد حبر على ور ق أما ستغير الواقعquot;؟

بدورها، تقول النائب عبلة أبو علبة لـ quot;ايلافquot; quot;علينا الاعتراف أن الاردن عاش أوضاعاً صعبة للغاية على امتداد السنوات السابقة، تمثلت في تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد، وتأثرت قطاعات اجتماعية واسعة بهذه الأحداثquot;. وثمارها كانت كما تذكر أبو علبة زيادة نسبة البطالة بين الشباب القادرين على العمل، وارتفعت أسعار كثير من السلع الأساسية، وتآكلت قيمة الاجور.

وتعترف لابد أن تجد الحكومة آفاق جادة على أساس انتهاج سياسات تقوم على إعادة الاعتبار للاقتصاد الإنتاجي والاستثمار الزراعي والصناعي، وتشجيع الاستثمارات الخارجية على أسس تكفل تحقيق عائدات لخزينة الدولة. انتهاج هذه السياسية وفق رؤية ابو عبلة quot;من شأنها تقليل مشكلات الفقر والبطالة وكل الظواهر الاجتماعية المرتبطة بها.

وحيال الشأن السياسي، تطالب أبو عبلة قيام الحكومة بالتوجه الاصلاحي خاصة وتحديداً فيما يتصل بالقضايا المعيشية، ورفع سقف الحريات العامة في البلاد.

وتؤكد انها quot;تشعر بقلق شديد حيال كل هذه الاستحقاقات والتوقعات، فالمشكلات كبيرة، وبحاجة الى إستراتيجية واضحة ومحددة لحلها تدريجياً وفق منظومة اصلاحية شاملة يشارك في صنعها وتحقيقها الجهات الرسمية والشعبية معاً.

الوضع الداخلي يزداد تعقيدًا

من جهة اخرى، لا يتردد الحرس القديم، الذي غُيب عن الحدث الأردني لمصلحة الزج بالليبراليين في مواقع قيادية في الدولة، في الإيحاء بأن الجبهة الداخلية ستهتز، وأن توجيهات عليا صدرت لأجهزة في الدولة بعدم التأثير على الحكومة دفاعاً أو تحريضاً خلال خطواتها المقبلة. وهو ما يعني في نظر الحرس القديم أن الليبراليين في المواقع القيادية لا يملكون التأثير على الشارع إذا ما رفض بأي وسيلة متاحة القرارات المقبلة للحكومة.

بيد أن quot;إيلافquot; تمكنت من التقاط اشارات تخالف طرح الحرس القديم، اذ شكل القصر الملكي خلايا سياسية وبرلمانية مهمتها الوحيدة والحصرية هي العمل على استراتيجية الاتصال بالشارع لتأمين أكبر قدر ممكن من التفهم الشعبي لمرحلة عنق الزجاجة التي يمر بها الأردن. ورغم ذلك فإن هناك من يقول ان تلك الاستراتيجية غير مضمونة لأن الاهتمام الحقيقي داخل مستويات القرار العليا يعطي الأولوية لإتقاء شر حرائق الجوار في فلسطين والعراق ولبنان.

كما لا يتردد الليبراليون الذين أخفقوا خلال العقد الماضي أكثر من مرة في إيصال برامجهم الى الشارع، عن القول إن الحرس القديم أو التيار المحافظ قد لجأ مرارا الى الشارع في تحريض وتعبئة له ضد النهج الليبرالي، تحت لافتات وعناوين وهمية مثل تحويل الأردن الى وطن بديل للفلسطينيين، أو تصفية القيادة الإدارية الأردنية.وهو تحريض سبق للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أن انتقده بضراوة في أكثر من مناسبة، إذ اعتبر الملك الأردني مرارا بأن الأردن أكبر من أي مؤامرة تستهدف وجوده، وأن من يظن بقدرة البعض على تحويل الأردن الى وطن بديل لا يعرف الأردن ولا الأردنيين، في أقوى إدانة يمكن أن يوجهها الملك الأردني للحرس القديم.

وبعيدا عن الصراع بين التيار المحافظ والتيار الليبرالي في الأردن، فإن الواقع يشير الى أن الأردن قد أبصر مع الساعات الأولى للعام الجديد نذر أزمات عدة بدأت تطل برأسها. في ما يلي جردة لأبرز الأزمات التي يتعين على الأردن التعاطي معها خلال الأشهر المقبلة:

الأزمة الفلسطينية

لا يجادل عاقل بأن الأردن كان على الدوام الأكثر تأثرا بدوامة القضية الفلسطينية، التي تستدعي من الأردن فتح الأعين بأقصى طاقة ممكنة، وحشد الجهود والخطط لتلافي أي تداعيات سلبية محتملة ووشيكة في الضفة الغربية، والإحتمالات المتصاعدة لإنهيار العملية السلمية في الشرق الأوسط، وسقوط السلطة الوطنية الفلسطينية أمام إنتفاضة ثالثة بدأت ملامحها بالتشكل منذ أسابيع، علاوة على العبء السياسي الذي تمثله حركة حماس بإصرارها في غزة على الإنقسام الجغرافي عن الضفة الغربية، وهو الأمر الذي يجعلها عرضة لعملية عسكرية إسرائيلية جديدة من شأنها أن تعبئ الرأي العام الداخلي، وتنفس الضغط في الداخل الأردني.

عجز الموازنة

ينتظر أن يمرر البرلمان الأردني لاحقا ميزانية مقترحة من الحكومة الأردنية، وسط عجز يقال إنه تجاوز المليار دينار أردني، وهو عجز يصعب جسره من دون إقدام الحكومة على قرارات إقتصادية مؤلمة تتعلق بفرض ضرائب جديدة و تحرير أسعار المشتقات البترولية من الدعم الحكومي، ورفع أسعار الكهرباء، إذ فشلت الحكومة الأردنية في إقناع الشارع الأردني بأنها تقوم بإجراءات تقشفية، إذ لا يزال الشارع الأردني يعج بالعديد من معلومات وإشارات الفساد في أكثر من مؤسسة حكومية، ولم يسمع الناس عن قضية واحدة أحيلت على القضاء ليقول كلمته.

البرلمان الأردني

بعد نحو شهر من إنتخابه في التاسع من شهر تشرين الثاني- نوفمبر الماضي أصبح البرلمان الأردني عبئا على الحكومة، بهبته الشهيرة لثقته الإستثنائية وغير المسبوقة لحكومة سمير الرفاعي، وهي ثقة تردد أنها أصابت الداخل الأردني بصدمة عنيفة إذ صوت 111 نائبا للثقة الحكومة فيما حجب 8 الثقة من أصل 120 نائبا، وبهذا الإنقياد البرلماني للحكومة، فإنه يصعب على الحكومة التعاون مع البرلمان في توقيع قرارات غير شعبية، إذ تم تداول أكثر من مقال في الصحف الأردنية تتضمن الدعوة لحل البرلمان، على إعتبار أن هذا البرلمان لا يعبر عن تطلعات المواطنين.

النووي الأردني

لا يزال البرنامج النووي الأردني يصطدم بعراقيل إجرائية وسياسية وخارجية تثبط الإندفاعة فيه، إنقاذا للأردن في إتجاهات داخلية عديدة، إذ يعول الأردن كثيرا على هذا البرنامج لتحلية مياه البحر، وتوليد الطاقة الكهربائية بحلول عام 2020 ، إذ سيعاني الأردن بشدة خلال السنوات المقبلة خاصة انه أعلن الشهر الماضي أن الموقع السابق لإقامة أول مفاعل نووي أردني غير مناسب من الناحية الفنية، وجرى نقله الى موقع آخر، إضافة الى الفيتو الأميركي والإسرائيلي على قيام الأردن بتخصيب اليورانيوم، إذ يفرض على الأردن أن يستورد مادة اليورانيوم مخصبة من الخارج، رغم إمتلاكه لإحتياطي كبير من اليورانيوم، عدا عن وجود أزمة تمويل لهذا البرنامج.