غيَّب الموت اليوم أنطوان شويري امبراطور الإعلان العربي والرئيس الأسبق لنادي الحكمة اللبناني عن 67 عاماً بعد صراع طويل مع المرض. وكان شويري مثّل لاكثر من 35 عاما مجموعات إعلامية مختلفة، وكان يحلم بسبل توسيع السوق الاعلامية في لبنان والمنطقة العربية.


بيروت :
توفي في بيروت رجل الإعلام والإعلان أنطوان شويري عن 67 عاماً بعد صراع مع المرض، وبعدما وضع بصمته على هذين القطاعين، وكذلك في مجال الرياضة من خلال ترؤسه لمدة نادي الحكمة اللبناني الذي حقق في ظله بطولات عربية ودولية في كرة السلة، واعتبر شويري من أبرز رجال الأعمال تأثيرا في العالم العربي، إذ حلّ في المرتبة 17 العام الماضي.

وطوّر الراحل قطاع الدعاية خلال 35 سنة من عمله فيه، ومثل مجموعات إعلامية ضخمة عدة كانت منها محطات:MBC LBC الفضائية ( أخرجته منها روتانا السنة الماضية) ، الجزيرة ، الحياة اللندنية، مؤسسة دبي للإعلام الإماراتية وصحف السفير و النهار ولوريان لوجور، و بفضل حجم مبيعات أعماله الإعلامية التي تسيطر على المشهد الإعلامي اللبناني كان يتحكم في معظم المجموعات الإعلامية في الخليج ، ويتعامل بمبيعات الإعلانات لأكبر مجموعات المنطقة . وساد اعتقاد بأنه يمسك بقوة هذه الصناعة.

كما قيل أيضا إن سيطرة مجموعة شويري على سوق المحطات التلفزيونية أدت إلى تشكيل جمعية المعلنين في دول التعاون الخليجي عام 2005، و كل أعضائها بما فيهم مكدونالد ، طيران الإمارات و يونيليفر تنفق ما يزيد على مليون دولار في السنة على الإعلانات في الخليج و يقدر مجموع حجم السوق بنحو ملياري دولار و تقدر حصة مجموعة الشويري ب 20 في المئة تقريباً. ووتردد لفترة إنه لم يترك لرجال الإعلان غيره في المنطقة سوى الفتات .

سيرة شويري كما يرويها

مع صديقه النائب والصحافي الراحل جبران تويني

وفي أحد أحاديثه النادرة عام 2000 دعا انطوان شويري عبر مجلة quot;آراب أدquot; الصادرة بالإنكليزية quot;جميع ارباب صناعة الاعلانات، من شركات quot;ريجيquot; واعلانات وتسويق وابحاث، الى quot;عقد مؤتمر نضع فيه كل خلافاتنا جانبا ونبحث في سبل توسيع السوق الاعلامية في لبنان والمنطقة العربيةquot;. ونبه الى quot;ان علينا ان نعمل على زيادة الانفاق في المجال الاعلاني، في السنوات الخمس المقبلة، والا فان الصناعة تتجه نحو ازمةquot;.

وقال شويري في مناسبة انتخابه quot;رجل العقدquot;، أنه انطلق في مجال الاعلانات quot;بالمصادفة مع مساعد واحد هي زوجتي روزquot; على ما يتذكر، متجولا في ذكريات نجاحاته في اوروبا ودول الخليج العربي. وتوقف عند مشكلات صناعة الاعلانات في لبنان، quot;وشجار اربابها على من يجب ان ينتزع اكبر حصة من السوقquot;، عارضا تطلعاته وتوقعاته ومقترحات انقاذية.

ومما قال: quot;انا قروي. بدأت العمل عندما كنت في الخامسة عشرة. باشرت نشاطي في لبنان، فاوروبا ثم الخليج العربي. وفي مرحلة من عمري قررت ان استقل واؤسس شركة quot;ريجيquot; لي. واليوم اترأس مجموعة شركات تثمن بملايين الدولارات في لبنان والعالم العربيquot;.

وتابع: quot;أصبح لدينا 450 موظفا في شركاتنا المتعددة، يمثلون افضل رأس مالنا. دخلت مجال الاعلانات بالمصادفة وبدأت محاسبا، ثم صرت رئيس محاسبة في بداية عام 1960، ولاحقا صرت المدير الاداري لشركة quot;المنشورات الشرقيةquot; التي اصدرت اول مجلة عربية اسبوعية هي quot;الاسبوع العربيquot; ومجلة quot;ماغازينquot; الصادرة بالفرنسية. وبما ان الاعلانات كانت تشكل المصدر الوحيد لتمويل هذه المطبوعات، فكان طبيعيا ان اهتم بها. علمتني التجربة كثيرا، ومن خلال عملي، اجريت اتصالات بالمعنيين بالاعلانات في لبنان والخارج. وفي اواخر الستينات، تركت quot;المنشورات الشرقيةquot; واطلقت شركة quot;لا ريجيquot;. بدأنا على مستوى صغير. وتكفلنا انذاك بإعلانات مجلة quot;الموعدquot; وجريدة quot;العملquot; وquot;الديارquot; الاسبوعيةquot;.

واستمرت الامور على احسن ما يرام مع شويري حتى عام 1975 تاريخ اندلاع الحرب في لبنان. quot;خلال هذه المرحلة عملت في كل شيء ما عدا الاعلانات، لان الاتصالات بالعالم الخارجي كانت صعبة جدا. وعام 1977، سافرت الى الخارج للقاء بعض زملاء المهنة، وفي الوقت نفسه لتحصيل بعض المدفوعات التي عُلقت عندما بدأت الحرب. والتقيت انذاك نبيل قازان في قبرص وسيرج ارداهليان وجوني يوسف في اليونان. ثم توجهت الى الكويت حيث التقيت مصطفى اسعد، فالبحرين حيث اجتمعت باروين غيروفيتش. واكتشفت ان عددا كبيرا ممن كنت اعمل معهم في لبنان قبل الحرب غادر الى الخارج لتأسيس صناعة ناجحة في الاعلانquot;.

عام 1978، سافر شويري مع اسعد الى باريس، وقرر ان يعيد اطلاق ريجي للاعلانات لثلاث مجلات عربية تصدر في اوروبا هي quot;الحوادثquot; (لندن) وquot;المستقبلquot; وquot;الوطن العربيquot; (باريس). ويتذكر: quot;استأجرنا مكتبا صغيرا في باريس كممثل اعلاني لquot;الوطن العربيquot;، ثم اسسنا شركة ثانية مع سامي صفير سميناها quot;ميديالينكquot; وتهتم باعلانات quot;المستقبلquot;، وشركة ثالثة مع ايلي قاعي اسمها quot;ميديا انترناشونال سرفيسزquot; quot;تهتم بquot;المستقبلquot;. وفي المملكة العربية السعودية، نفذ شويري اول مشروع له في اوائل الثمانينات: quot;كنا نعمل في مجال الاعلانات على اشرطة الفيديو بما ان الاعلانات على الشاشة الصغيرة كانت ممنوعة هناك. اسسنا شركة quot;ميديافورسquot; وبعد عامين اضطلعت بالاعلانات في المملكة. كذلك، انشأنا مكتبا في ابو ظبي لتمثيل اعلانات محطة تلفزيونية هناكquot;.

ولدى عودته الى لبنان، اشترى من quot;النهارquot; شركة quot;تمامquot; واسس quot;برس ميديا - تمامquot; . وقال : quot; بدأنا تمثيل جريدتي quot;الاوريان لوجورquot; وquot;النهارquot; وبعد اشهر عدة، انطلقت quot;المؤسسة اللبنانية للارسالquot; وطُلب مني ان امثل اعلاناتها، فولدت quot;سAVM. وبعد مدة، انشأنا quot;انتر راديوquot; التي انطلقت مع quot;اذاعة لبنان الحرquot; على ما يروي.

وكان يرد على تلقيبه quot;الوحشquot; قائلا: quot;اذا كان هذا يعني منافسة اخصامي وتحقيق النجاحات، فانا وحش اذاquot;. ويتدارك: quot;لم اسئ يوما التصرف مع اخصامي خلال كل حياتي المهنية. انا مبارك بما لدي وساعمل باستمرار من اجل تحسين عملي. واذا كان ما يزعج الناس هو كوني منافسا مخيفا، فانا سعيد بما انا عليه وبما انجزهquot;. ولعل اهم التحديات الماثلة في حياة شويري المهنية quot;انها معركة متواصلة، ويجب التكيف باستمرار مع التطورات في عالم الاعلاناتquot;. ويشدد على quot;ضرورة التيقظ اكثر، لان مستقبل صناعة الاعلانات يرتكز على الانترنت والاعلام. ورغم الانجازات العديدة، لا نزال متخلفين في هذا المجالquot;.

ودعا شويري في تلك المقابلة عام 2000 الى مضاعفة الانفاق الاعلاني في لبنان والعالم العربي بين ثلاثة واربعة اضعاف. اعطى مثالا على ضعف الانفاق الاعلاني وموازنات السيارات. فقال ان لبنان يستورد سنويا قرابة 25 الف سيارة، وقدّر ما يفترض ان ينفق اعلانيا على هذه السيارات بما يراوح بين 500 الى 600 دولار على السيارة الواحدة اي بموازنة اعلانية تصل الى 15 مليون دولار، مشيرا الى ان مجموع ما ينفق حاليا على اعلانات السيارات لا يتجاوز الثلاثة ملايين دولار.

وتساءل: اين تذهب ال12 مليون دولار الباقية؟ واجاب: quot;في البلد معلنون لا يصرفون كل الموازنات ويبقون مبالغها في جيوبهم. كما ان هناك معلنين اخرين لا يصرفون على بضائعهم لانهم يجهلون اهمية الاعلانquot;.

وقال : quot;كثر في هذه الصناعة منشغلون في الشجار على من يجب ان ينتزع اكبر حصة من السوق. وهذه انانية تتسبب بسقوطنا. لا احد في هذه الصناعة يرضى بان يكون الرقم 2، والجميع يريدون ان يكونوا الرقم واحد... واذا لم نبدأ بتقبل بعضنا البعض، والاتفاق على ان شركات الابحاث ستعطي كل واحد حصته، فان المشكلة ستستمر في غياب نيات حسنة، ولا شيء سيتحقق على الارضquot;. واذ يدعو الى عقد مؤتمر يبحث فيه ارباب المهنة في سبل توسيع السوق الاعلانية في المنطقة، يحدد شويري شرطا رئيسيا لزيادة الانفاق الاعلاني، وهو quot;انشاء المنظمة الاقليمية لانماء الاعلانquot;، وبهذه الطريق نضاعف الانفاق الاعلاني مرتين او ثلاث مرات اكثر مما هو عليه اليومquot;. على ما يقول.

quot;الإنترنت ستصبح أهم وسيلةquot;

وعن توقعه لمستقبل الاعلانات على الانترنت؟ قال: quot;لست مهتما بالاعلانات علي الانترنت حاليا ولا يزال مبكرا اتخاذ قرارات في هذا الشأن، لان عدد المشتركين في الانترنت لا يزال قليلا ( عام 2000) quot;. لكنه رجح ان تصير الانترنت اهم وسيلة للتسويق في غضون ثلاث سنوات، وquot;بالتأكيد سيكون لي حضور فيه عندهاquot;.

وقد حاول شويري جاهدا إصلاح ذات البين بين رئيس مجلس إدارة quot;إل بي سي quot; مديرها العام بيار ضاهر ورئيس حزب quot;القوات اللبنانيةquot; سمير جعجع وكاد أن يتوصل إلى اتفاق بينهما على تقاسم الشركة ، لكن المحاولة أخفقت لاحقا، وبات الضاهر يعتبر شويري أقرب إلى جعجع، وما لبث أن خرج شويري من فضائية quot;أل بي سيquot; وقيل إنه ساهم في تأسيس محطة quot;أم تي فيquot; لتعاود انطلاقتها لكنه نفى ذلك .

وستتولى زوجته وابنته إدارة أعمال شركاته من لبنان ، في حين يتولى نجله أعمال هذه الشركات في الخليج من دبي.