تقف الكنيسة الكاثوليكية على أبواب أزمة مع استمرار تردّد البابا بيندكت السادس عشر في اتخاذ موقف حاسم بشأن فضيحة الاعتداءات الجنسية التي ارتكبها كهنة بحق مجموعة من الأطفال في أماكن مختلفة حول العالم، وسط دعوات عاجلة الى استقالته.

أشرف أبو جلالة من القاهرة: تردد البابا بيندكت السادس عشر في اتخاذ موقف حازم بشأن فضيحة الاعتداءات الجنسية التي ارتكبها كهنة بحق مجموعة من الأطفال في أماكن مختلفة حول العالم، موقف قد يتطوّر إلى ما يمكن ان يُشكِّل أزمة بالنسبة إلى الكنيسة الكاثوليكية، وعَامِل تأجيج لمشاعر الغضب تجاه ولايته البابوية. وقد بدا بعض الكاثوليكيين يطلبون من البابا، الذي ارتكب سلسلة من الأخطاء منذ توليه البابوية في العام 2005، أن يتقدم باستقالته.

وتقول دير شبيغل في تقرير تحت عنوان quot;مغلوب على أمره في الفاتيكان... البابوية الفاشلة للبابا بيندكت السادس عشرquot;، إن البابا يواجه الآن اتهامات من كافة أنحاء العالم، مصحوبةً بنداءات عاجلة على نحو متزايد بأن يتنحى. فقضايا الاعتداءات الجنسية التي كانت تمثل في البداية مشكلة فقط بالنسبة إلى مؤتمرات الأساقفة الوطنية، وبخاصة في الولايات المتحدة، وأيرلندا، وألمانيا، قد اندمجت لتُشكِّل أزمة بالنسبة إلى الكنيسة الكاثوليكية بأسرها، وهي الأزمة التي تنحدر الآن بانتقام على الفاتيكان وتضرب زعيمها الروحي بقوة. وفي الوقت نفسه، يبدو هذا الزعيم غافلاً لما وقع من أحداث بهذا الشكل المفاجئ للغاية. حيث لم يتحدث من قريب أو من بعيد عن الجرائم التي ارتكبها الكهنة في بلده، ألمانيا. وهنا تنقل المجلة الالمانية عن كريستين ويزنر، العضو البارز في حركة الإصلاح، قولها :quot; نحن كنيسة، ويبدو أن البابا لم يفهم النطاق الحقيقي للمحنةquot;.

وتلفت دير شبيغل في الوقت ذاته إلى مشاعر الغضب التي تسيطر على الإيرلنديين تجاه البابا، لأنهم يخشون أن يؤدي تقاعسه عن مواجهة الأزمة إلى الإضرار بسمعة مواطنهم، البابا يوحنا بولس الثاني، الذي يُتوقع أن تُجرى عملية تطويبه عما قريب. وتعقيبًا على الرسالة الرعوية التي بعث بها للأيرلنديين، ونسب فيها مسؤولية الاعتداءات الجنسية إلى الأساقفة المحليين، قال الكاتب موريس أوكونيل في مقال له بصحيفة quot;صنداي تريبيونquot; الأيرلندية :quot; لمَ لا يقوم البابا، على سبيل المثال، باستقلال طائرة، والقدوم إلى إيرلندا، والقيام في يوم خميس العهد ( كما سيفعل في روما ) بغسل أقدام 12 ضحية ؟quot;. أما في أميركا، فكان يريد محامي أحد ضحايا الانتهاكات التي شهدتها البلاد طيلة العقود الماضية، أن يُجبر البابا على الظهور في المحكمة.

الى ذلك، فقد الكثير من الكاثوليكيين الأمل في أن يبدي البابا أي ندم على الإطلاق، ولا سيما أنّه يواجه اتهامات باشتراكه هو شخصيًّا في التستر على تلك الفضائح. كما وجَّه دافيد كلوهسي، المدير الوطني لمنظمة سناب (SNAP ) وهي شبكة الناجين من المعتدى عليهم من قِبل الكهنة في الولايات المتحدة، اتهاماته للبابا بتجاهل معاناة الضحايا. وأضاف: quot;الأفعال، لا الأقوال، هي التي تحمي الأطفال الأبرياء وتُضمِّد جراح الضحاياquot;.

ثم تمضي المجلة لتقول إن موجة الغضب الواسعة النطاق والتي يتعرض لها البابا في تلك الأثناء تبدو بصورة فجائية وكأنها تضع بابويته بأسرها في خطر. وتشير إلى أنه بدأ ولايته بمباشرة مشروع مصالحة تجاوز الكنيسة ذاتها. وكان يريد البابا المُنتخب حديثًا أن يحكم بالكلمة، والخطاب، وليس بالمحظورات. وهي السياسة نفسها التي كان يتبعها طيلة 23 عامًا في موقعه السابق، كرئيس لمجمع عقيدة الإيمان. وهو إذ يدعو الآن على نحو مفاجئ إلى إجراء حوار مفتوح على جبهات متعدّدة: مع العالم العلماني، والإسلام، واليهود، والتقليديين داخل الكنيسة، وربما مع أتباع مارتن لوثر.

والآن، وبعد مرور خمسة أعوام له في منصبه، شاهد بيندكت مشروعه ينهار، وأصبح هو نفسه راعيًا روحيًّا مفقودًا في عالم لم يعد يفهمه. وينظر العالم العلماني إليه الآن بلا مبالاة، إن لم يكن بعداء صريح. وقد تعرض حوار الكنيسة مع اليهود لانتكاسة كبرى في أعقاب الفضيحة التي أحاطت بالأسقف ريتشارد وليامسون، مُنكر المحرقة. ولا يزال يسود الصمت الجليدي في أجزاء من الحاخامية، وبالكاد سيؤدي التطويب المنتظر لبيوس الثاني عشر، الذيمثّلدورًا مثيرًا للجدل خلال الحقبة النازية، إلى تغيير ذلك.

ثم تختم دير شبيغل بلفتها الانتباه إلى أن كثيرين من المسلمين لم يغفروا لبيندكت تلك المحاضرة التي ألقاها في روزنبرغ العام 2006، حيث بحث مسألة العنف والإسلام في خطوة جريئة لكنها كانت محمية بكفاءة. بيد أنها تسببت في وقوع سيل من الاحتجاجات في العالم الإسلامي. وحتى معارضو الإصلاح المتشددين، مثل جمعية القديس بيوس العاشر، وغيرهم من التقليديين، لم يسارعوا بالعودة إلى روما، على الرغم من أن البابا قد فتح أمامهم كل الأبواب. وفي الوقت ذاته، جاءت إيماءة بيندكت بالتصالح نحو هامش اليمين المتطرف لتثير غضب الأبرشيات الأكثر ليبرالية في كل من ألمانيا وفرنسا.