باشرت وزارة الدولة للسياحة والآثار بأعمال ترميم مرقد النبي حزقيال في محافظة بابل العراقية جنوب بغداد ما أقلق يهودًا عراقيين في الخارج من إمكانية هدمه أو ازالة كتابات ونقوش عبرية منه.

أمستردام: أطلقت منظمة ناحوم المكونة من يهود عراقيين في إسرائيل وخارجها نداء مناشدة لوزارة الدولة للسياحة والآثار العراقية والوقف الشيعي، يدعو إلى المساعدة على وقف عمليات هدم قبر النبي حزقيال في محافظة بابل العراقية جنوب بغداد.

وجاء في النداء الذي وصلت لإيلاف نسخة منه quot;أن هذا القبر مقدس من قبل أخوانكم اليهود العراقيين والذين كانوا يؤدّون في المرقد طقوسهم الدينية قبل هجرتهم من العراق منتصف القرن الماضي حيث تنتشر حول المرقد الخانات التاريخية، التي أُهملت إهمالاً واسعًا مع quot;ازالة كتابات ونقوش عبرية من المرقد يعد جزءًا من عملية تطهير لذاكرة الاقليات الدينية التي ظهرت اصلاً في العراق ومناطق اخرى من الشرق الاوسطquot;.

ويعتبر النبي حزقيال أو ذو الكفل حسب التسمية الإسلامية أحد أنبياء بني إسرائيل لكن ثمة جدل حول التسمية والعائدية بين الديانتين فسمي ذو الكفل لأنه كفل الشعب اليهودي بالنجاة من البابليين حسب أحد التفسيرات، لكن الكثير من المؤرخين يرى أن ذا الكفل هو نفسه حزقيال بالعبرية عند اليهود ويعد نبيًا لديهم. وقد ورد ذكره في سفر نبوة حزقيال في العهد القديم.

نقوش باللغة العبرية داخل مرقد النبي ذي الكفل وأسفلها لوحة إسلامية للكعبة

وحسب بعض الروايات اليهودية أنه قدم للعراق خلال السبي البابلي الاول لليهود في سنة 597 ق.م. وبقي في بابل حتى وفاته حيث يقدس المسلمون واليهود قبره الذي كان حتى خمسينيات القرن الماضي أحد مزارت اليهود الكبرى. وبنوا بالقرب منه خانات ومنازل وسوقًا يدعى سوق دانيال وهو قائمًا حتى اليوم.

لكن بعد هجرة اليهود العراقيين منتصف القرن الماضي أصبح القبر والمسجد المجاور له وقفًا إسلاميًا حسب رئيس الوقف الشيعي في العراق صالح الحيدري الذي يقول إن المراقد الخاصة بالانبياء تكون عائديتها حسب المناطق الموجودة فيها. وبما أن النسبة الأكبر من سكان بابل ومنطقة ذي الكفل (الكفل) من المسلمين الشيعة فقد أصبح المزار تابعًا للوقف الشيعي.

ونفى الحيدري في تصريح لجريدة الحياة اللندنيةعدم وجود أي نية لإزالة القبر بل أن الوقف الشيعي بمساعدة من وزارة الدولة للسياحة والآثار العراقية يقوم بأعمال ترميم للمكان خاصة مأذنة المسجد الايلة للسقوط. وهو مسجد قديم أيضًا ونفى أيضًا أي إزالة للنقوش العبرية من المكان.

لكن أحد سكان المنطقة القريبة من المزار أبلغ إيلاف أن المزار تعرض للنهب العام 2003 ومن بين المنهوبات عدد من المخطوطات الثمينة وشمعدان أثري وقطعة حجر كريم وإحدى اللوحات الحجرية المدون عليها نوقش باللغة العبرية. ولما تزل لوحة واحدة في المزار.

من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الدولة للسياحة والآثار عبد الزهرة الطالقاني أن quot;محافظة بابل تحافظ على موروثها التاريخي لموقع النبي ذي الكفلquot;، ونفى التقارير التي تشير الى تغيير المعالم اليهودية لهذا المرقد، مبينًا بأنها أعمال صيانة وتأهيل وما زالت مستمرة الى الآن. وأشار الى استخدام المواد ذاتها التي بني منها المرقد لاستبدال بعض الاجزاء المهترئة والاستعانة بالصور القديمة المحفوظة لدى هيئة الآثار.

سوق دانيال قري مزار النبي ذي الكفل

عضو مجلس محافظة بابل السابق د. اسامة عبد الحسن قال لإيلاف إن دائرة الاثار كانت تجري تنقيبات في سوق دانيال القريب من المسجد المجاور للقبر وتقوم اليوم بالتعاون مع الوقف الشيعي بترميمات لمنارة المسجد الايلة للسقوط. ويرى الشيعة في العراق أن قدسية المكان جاءت بعد اتخاذه مقامًا لرابع خلفاء العصر الإسلامي الراشدي الإمام علي بن أبي طالب الذي استقرّ فيه فترةً من الزمن، واتّخذه مسجدًا خلال حملاته على الخوارج.

وكان الباحث الاثاري العراقي ورئيس بعثة التنقيب في موقع ذي الكفل فلاح الجباوي قال لوكالة أنباء محلية إن هيئة الآثار والتراث في محافظة بابل بدأت مرحلة تنقيب عن أسس مسجد النبي ذي الكفل وفق الخطة التي وضعتها الهيئة منذ العام 2007 ولغاية العام 2011 لصيانة وتنقيب مسجد نبي الله ذو الكفل الى مرحلة تنقيب واستظهار اسس المسجد وفق مبدأ منهجي للحفر يقوم على المساحات المتاحة والثوابت التي وضعتها الهيئة بعدم ازالة الجدران او الوحدات البنائية وحتى المتهرئ والمتساقط منهاquot;. وهي تبعد نحو عشرين مترًا عن المرقد الذي يضم أيضًا وفق روايات سكان المنطقة أصحاب النبي الخمسة وقريب منها منصّة تعلو الأرض بمتر واحد، كان اليهود العراقيّون يؤدّون فيها طقوسهم الدينية، قبل هجرتهم من العراق منتصف القرن الماضي.

وأوضح ان من quot;ضمن عملية التنقيب توصلنا الى نتائج مهمة ونحن الان في طور التأكد والتحقق من النتائج التي توصلنا اليها في هذا المكانquot;. واشار الى quot;وجود معوقات كثيرة تواجهنا في العمل من ضمنها العامل المادي وشحة السيولة والتدخلات وعدم توفر ظروف ملائمة للعمل حالت دون تحقيق الخطة على اكمل وجهquot;.

وبين ان quot;نسبة الانجاز في هذه الخطة قليلة جدًا بسبب ضعف التخصيصات المالية لانه جزء كبير من هذه الخطة للتعويضات لوجود 110 دور سكنية ومحلات تجارية على الحكومة تعويضها للاهالي وتقدر اثمان هذه البيوت والمحلات بمبلغ قدره 8 مليارت و800 مليون دينار عراقيquot;.

وبيّن ان مسجد نبي الله (ذو الكفل) لم يضم لسجل التراث العالمي لليونسكو quot;ونحن نعمل جادين لهذا الغرض وقد عارضنا من يدعو الى اكساء الارضية والجدران بمواد مخالفة للشروط التي وضعتها اليونسكو ونعمل الان على تجهيز مواد تتناسب مع متطلبات سجل التراث العالميquot;، مبينا ان اسباب كثيرة حالت دون انضمام المسجد الى سجل التراث العالمي منها سياسي واقتصادي ووضع البلد لفترة طويلة تحت الحصار وفي الوقت الحالي هناك تحسن بالامور ونحن في طور تجهيز المكان للدخول في سجل التراث العالميquot;.

عمليات الحفر للتنقيب عن أسس المسجد بجوار قبر النبي ذي الكفل (حزقيال)

وقال أحد السكان العاملين في المكان لإيلاف أن قدسية المكان لدى المسلمين تأتي من تقديس المسلمين أي نبي من ديانة سماوية كالمسيحية واليهودية، مقارنًا بين ما يحصل في المسجد الأقصى من محاولات هدم من قبل متشددين يهود في إسرائيل وما تحظى به مراقد ومزارات أنبياء اليهود والمسيحيين في الدول الاسلامية. وقد إتصلت إيلاف بعضو الوقف الشيعي المشرف على مزار النبي ذي الكفل في بابل الشيخ واطلعته على رسالة منظمة ناحوم واستغرب من التقارير التي تحدثت عن ذلك ومما ورد في الرسالة.

وأبلغ إيلاف أنه لايستطيع تقديم أي تصريح لوسائل الإعلام الآن لأن هذه المسألة أخذت أبعادًا كبيرة، حسب كلامه. ويقول الأمين العام لمنظمة ناحوم الخاصة بيهود العراق داود موسى سليم دانيال quot;إننا لن ننسى صبانا وآثار أجدادنا وأنبيائنا على أرض الرافدين، ولن ننسى أصدقاءنا وأحباءنا في العراق، حيث كنا نشاركهم أحزانهم وأفراحهم، نحن نتكلم العربية الآن بفصاحة أكثر من العبرية؛ لأنها تعيدنا إلى دروب الناصرية وميسان وشناشيل البصرة وسرجخانة الموصل والبتاويين وباجة الشيخ عمر في بغدادquot;.

يذكر أن مرقد النبي ذي الكفل يقع على مسافة 30 كم جنوب مدينة الحلة واشتهر هذا المزار بين المسلمين واليهود وتعود ملكية اغلب المباني والمحلات التي تحيط بضريح النبي الى اسر يهودية عراقية، ولا تزال بدلات الايجار تحول لهم خارج العراق. ومن المتوقع أن يشهد زيارات سياحية كبيرة من مختلف دول العالم اذا ما تحسن الوضع الأمني والسياسي في العراق، حسب ما يرى مسؤولون محليون في محافظة بابل.