إثر الجلسات الأخيرة للبرلمان الكويتي والتي وصفت بالعاصفة إقترح البعض ضرورة إعادة إحياء لجنة القيم البرلمانية أو مدونة للسلوك لضبط إيقاع نواب الأمة، فيما إعتبر عدد من الخبراء والناشطين الذين تحدثت معهم quot;إيلافquot; في تقريرها أن هذا ليس إلا إنتقاصًا لمفهوم الديمقراطية.

الكويت: شهد مجلس الأمة الكويتي خلال الأسبوع قبل الماضي جلستين عاصفتين يومي الأربعاء والخميس، وصفهما البعض بأنهما الأسوأ في الفصل التشريعي الثالث عشر حيث حدث سجال بين عدد من النواب وتلاسن وهبوط بمستوى الحوار وتنابذ بالألقاب والقسم بالشوارب، وفسّرها البعض أنها ردة فعل بعض أعضاء كتلة العمل الشعبي نتيجة فشل الإستجواب الأخير لوزير النفط ووزير الإعلام الشيخ أحمد العبدالله الصباح.

وقد شهدت الجلستان شتائم وسب وقذف، وصراخ بأصوات عالية، وتلميحات غير بريئة لبعضهم البعض، وإتهامات من جانب بعض النواب المعارضين لزملائهم بمحاباة الحكومة، وأن هناك صفقات عقدت بينهم وبين الحكومة من أجل عدم التصويت لصالح طرح الثقة ضد الوزير العبدالله، ما أدى إلى فشل الإستجواب الذي وصفه البعض بأنه كان ضعيفا وأن الوزير العبدالله إستطاع أن يفند كل بنوده وماجاء به.

ومن خلال هذه المعطيات السياسية والأجواء المشحونة بالتوتر والخروج عن مسار العملية الديمقراطية السليمة دعا النائب السلفي خالد السلطان إلى ضرورة إعادة إحياء لجنة القيم البرلمانية بمجلس الأمة لضبط إيقاع أداء بعض النواب، حتى لايتم الخروج عن قواعد الممارسة البرلمانية السليمة، ولكن في المقابل يرى البعض من المراقبين السياسيين أن هذه هي الديمقراطية وهكذا اللعبة الديمقراطية والسياسية بما فيها من معطيات شد وجذب وإختلاف في الرأي.

وعلى صعيد منفصل بعث أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رسالة إلى نواب الأمة عبر رئيس مجلس الامة جاسم الخرافي تناولت أولويات المرحلة المقبلة من العمل الوطني، والدفع بعجلة التنمية وخطط المشروعات المختلفة.

وفي التحقيق التالي طرحت quot;إيلافquot; قضية إعادة إحياء فكرة لجنة القيم البرلمانية بمجلس الأمة للمناقشة على بعض الخبراء والنشطاء والمحللين السياسيين.

خروقات

في البداية يقول الناشط السياسي ناصر الشليمي نائب رئيس الجمعية الكويتية لمتابعة وتقييم الأداء البرلماني: quot;نحن كجمعية كويتية لمتابعة وتقييم الأداء البرلماني نظمنا ندوتين طالبنا خلالهما بإنشاء هذه اللجنة، وقدمنا مقترحا إلى مجلس الامّة وذلك بعد شباط/نوفمبر عام 2009 وتحديدا إلى اللجنة التشريعية، لكي يتم إنشاء لجنة للقيم البرلمانية لأننا لاحظنا أن هناك خروفات من جانب بعض


ناصر العبدلى

أنور الرشيد

ناصر الشليمى
النواب سواء للائحة الداخلية أو حتى في اخلاقيات العمل البرلماني، فضلا عن أننا لاحظنا أن القضية ليست قضية سلوك فقط، وإنما هناك أيضا مواد دستورية حظرت على النائب ممارسة التجارة، كما لايجوز أن يتعاقد في أي تعاقدات حكومية لضمان حياديته، إضافةإلى هبوط لغة الحوار داخل المجلس، كما أن بعض النواب يتمترس خلف الحصانة البرلمانية، وهذه كلها عوامل جعلتنا نؤمن بأن لجنة القيم ضرورة ملحةquot;.

مدونة السلوك
وتابع أن هناك خلط مابين التقييم للنواب من ناحية، والقيم البرلمانية من ناحية أخرى، والأخيرة في اللائحة الداخلية تفرض عقوبات على النائب الذي يتجاوز بنودها، وإذا لم تنشئ لجنة القيم أو يتم موافقة النواب عليها كمشروع قانون فهناك بديل لها وهو ما يطلق عليه بـquot;مدونة السلوكquot; وقد أنشئت في مجلس العموم البريطاني، وهذه التجربة معممة في معظم ديمقراطيات العالم، ومدونة السلوك أشبه بالميثاق، ويوقع عليها النائب منذ لحظة دخوله البرلمان، وهذه المدونة تلقائية، فالنائب الذي يتعدى هذه اللائحة يطبق عليه عقوبة جزائية وسنتبناها وسنطرحها، وسنتقدم بها إلى اللجنة التشريعية بمجلس الأمة خلال الفترة المقبلة.

رفض
وحول توقعاته إزاء مقترح إنشاء لجنة للقيم البرلمانية عند طرحها على النواب يعتقد الشليمي أن هناك الكثير من النواب سيرفضون هذا المقترح، وقد طرأت علينا فكرة إنشاء هذه اللجنة بسبب عدم تطبيق هيئة مكتب مجلس الأمة للائحة الجزائية، ومضيفا أنه لاشك أن هناك إعتبارات إجتماعية تحول دون تطبيق بعض مواد اللائحة الداخلية الجزائية، ومعتبرا أن quot;مدونة السلوك quot;هي البديل عن لجنة القيم البرلمانية إذا ما تم رفض الأخيرة من جانب نواب مجلس الأمة عند طرحها للتصويت كقانون. إضافة إلى أن الدستور الكويتي أعطى الحق للائحة الداخلية بوضع عقوبات على النواب المتجاوزين.

الديمقراطية سيئاتها وحسناتها
ومن جانبه قال الناشط السياسي أنور الرشيد، أمين عام مظلة العمل الكويتي quot;معكquot;: quot;إذا ماأردنا تقييم هذا الموضوع تقييما موضوعيا فيجب علينا القبول بالديمقراطية بسيئاتها وحسناتها، وكما هو معروف أن الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يستطيع أن يصحح نفسه بنفسه، وإذا ما قارناها بالنظام الديكتاتورى أو أي نظام آخر إبتدعته البشرية نجد أن الديمقراطية هي التي قفزت بالبشرية من مرحلة إلى أخرى، ولذلك هذه الممارسات والإخفاقات والإقتراحات التي تحدث هي نتاج طبيعي للديمقراطية، ونحمد الله أنه لدينا التراشق بالكلمات وليس باللكمات كما يحدث في برلمانات مختلفة بالعالم مثل البرلمان الإيطالي والتايواني، وفي بلدان أخرى، وفي كثير من برلمانات العالم تحدث بها معاركquot;.

أمر طبيعي
وتابع أن الخيار الذي يعدل التراشقات هو خيار الناخب، ولذلك أن مايحدث على الساحة السياسية هو أمر طبيعي وإن إنحدرت لغة الحوار والخطاب، وهذا كفيل بتصحيح الأمر برمته، وعلينا ألا ننسى أن الديمقراطية مستهدفة من أعداء الديمقراطية، وهذا واضح جدا من قراءة الصحافة الكويتية وكثير من الآراء التي تطرح بها، حيث نرى أنها تحاول تشويه المؤسسة التشريعية نتيجة لهذه الممارسات، كما لا نستبعد أن يكون أعداء الديمقراطية أنفسهم هم الذين يدفعون بهذا التراشق.

أعداء الديمقراطية
وأعرب الرشيد عن أمله في ألا تظهر لجنة القيم البرلمانية المقترحة إلى حيز التنفيذ لأنها ستفصّل على مزاج وهوى من يقترحها، وهناك من هم معروفون بمناوئتهم وعداءهم للديمقراطية، والحقيقة quot;لا أعرف من هم وماهي القيم التي سيستندون عليها ويضعونها كمعيار لعدم الخروج عليها، وواثق جدا أن هذه المعايير ستكون خطة بحيث يتم تطبيقها على من يريدون تطبيق هذه المعايير، وفي المقابل هناك من لايريدون تطبيقها عليهم من خلال العبارات المطاطةquot;.

الحصانة البرلمانية
وأعرب عن اعتقاده أن الصورة غير واضحة عن كيفية طرح قانون وتطبيقه على نائب في البرلمان كفل له الدستور أن يقول مايريده إستنادا إلى الحصانة البرلمانية، وبالتالي كيف يطبق قانون لجنة القيم على هذا القانون أو ذاك، وهل سوف يتعارض مع المادة الدستورية التي كفلت للنائب أن يقول ما يريد؟

نوايا غير بريئة
ومن جهته بيّن الناشط السياسي والكاتب ناصر العبدلي رئيس الجمعية الكويتية لتنمية الديمقراطية أن فكرة إنشاء لجنة القيم البرلمانية ليس أمرًا جديدًا، بل طرح أكثر من مرة وخلف هذا الإقتراح نوايا غير بريئة، معتبرًا أن الخلافات داخل البرلمان تحسم من خلال تصويت الأغلبية، لكن محاولة تضخيم ما يجري في البرلمان أمر طبيعي يصب في خانة التشكيك بالديمقراطية وبالدستور.

توزيع الثروة
ورأى العبدلي أن هناك جناح فاعل وقوي داخل الاسرة الحاكمة يرى أن من المستحيل الإستمرار بالعملية الديمقراطية كما هي الآن، ولذلك هو يحرض الفئات الإجتماعية على بعضها البعض ويحرض الطوائف ويثير مشكلات مناطقية ليقنع الجميع بأن الديمقراطية لا جدوى لها، ولابد من وسائل أخرى تجعل من الممكن التفاهم على الملفات الوطنية، ومن بين تلك الملفات كيفية توزيع الثروة خاصة مع وجود فوائض مالية ضخمة، وللآسف فإن هذا الجناح تمكن من إقناع الكثيرين بتبني توجهاته وهي توجهات خطيرة يمكن أن تؤدي إلى صراع خطير لن يتمكن الجناح من إيقافه في حال نشوبه.

تحركات قوية
وردا على سؤال حول تمسك أمير البلاد المعروف بحكمته وحنكته السياسية بالديمقراطية وحرصه الشديد على لحمة النسيج الوطني بوصفه والد الجميع قال العبدلي: quot;دائما في السياسة يجب ألا ننظر إلى ظاهر الامور، لكن مايجري خلف الكواليس فهناك تحركات قوية ومنظمة ويجري ترتيبها بدأت الآن تظهر نتائجها على المجتمع متمثلة في إنشاء قنوات فضائية تسيء إلى الفئات الإجتماعية والتشكيك بولاء مجموعة كبيرة من المواطنين بإطلاق مسميات مزدوجي الجنسية، وإتهام بعض الطوائف في الكويت بأن ولاءها خارجي وأنها تلتقي بعض الأطراف بالسفارة الإيرانية، وكل هذه الأمور تصب في إتجاه خلق مشاكل المجتمع وإلقاء التبعات على الديمقراطية والدستور.

دور النائب
وزاد أن الديمقراطية لم تخرج عن أدب الحوار، ولم تكن في يوم من الأيام مشروع هدم للمجتمع، لكن التحريض الذي نتحدث عنه هو الذي جعل بعض الأطراف في مجلس الامة تتبنى نهج الهجوم على الفئات الإجتماعية الأخرى، وفي محاولة لنسيان أن دور النائب هو الرقابة والتشريع، والرقابة تعني مراقبة الحكومة، والتشريع يعني تشريع القوانين، ولم يكن يومًا من الايام للنائب وظيفة تتمثل في الهجوم على النواب الآخرين، والتشكيك في أدائهم وعملهم.

البراك والمسلم
وفيما يتعلق بإقتراح إنشاء لجنة القيم البرلمانية أشار العبدلي إلى أن هذه اللجنة تستهدف نائب أو نائبين فقط من المجلس هما مسلم البراك وفيصل المسلم، وهي محاولة لإسكات أي صوت يخرج عن مسار التحريض تجاه الديمقراطية، ويجب على النواب إما أن يتحولوا جميعهم إلى نواب شكليين أو أن تكون الديمقراطية سبب أزمة للبلد ولابد من التخلص منها.

وسطاء
وحول رسالة الأمير إلى النواب عبر رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي أكد العبدلي أن الأمير يستطيع أن يلتقي بالنواب في أي وقت، quot;ولا أعتقد أنه من المفيد أن يكون هناك وسطاء، وحسب الدستور فالرجل المعني بلقاء النواب هو رئيس السلطة التنفيذية رئس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، أما الأمير فهو رئيس السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وليس من الجائز أن يبعث رئيس السلطات رسائله عبر وسطاءquot;.