السنة العاشرة لـ quot;إيلافquot; والصحافة الإلكترونيَّة العربيَّة

تقف quot;إيلافquot; على أعتاب عامها العاشر مبرزة التحدي الذي تواجهه الصحافة الإلكترونية بمواجهة الإعلام المطبوع، وما هي العقبات التي تقف في وجه الإلكترون في العالم العربي. وبعد تسع سنوات على إنطلاقها، تضع quot;إيلافquot; أمامها التحديات التي تواجهها كصحيفة إلكترونية رائدة في العالم العربي لتقديم الأفضل.

..ومع بداية العام العاشر لـ quot;إيلافquot; كان لا بد من توسيع دائرة الإحتفال والإحتفاء بالصحافة الإلكترونية بشكل عام. الإعلام الإلكتروني بمواجهة الإعلام المطبوع عنوان عريض لملف ناقش تشعبات معركة وجودية وتفاصيلها وأفقها ومستقبلها. من سيصمد وينتصر ومن سيعلن إستسلامه، من يمتلك المقومات لإغراء الطرف الآخر وضمّه إليه؟ وفي أي خانة يمكن للصحافتين أن تتواجدا معًا في بيئة تسير بوتيرة سريعة جدًا ؟. أجوبة متعددة من رؤساء تحرير ومسؤولي أقسام وإعلاميين في صحف عربية مختلفة حملت في طياتها المثير والمثير للجدل.

وقبل التطرق إلى مسيرة إيلاف، كان لا بد من التوقف عند بعض النقاط التي طُرحت وبعض النظريات التي وُضعت كأسس من أهل المهنة quot; الورقية quot; في المواجهة مع الإعلام الالكتروني.

توافق تام بين كل من تحدثت إليهم quot;إيلافquot; من مختلف الدول العربية حول صمود الإعلام المطبوع في العالم العربي لعقود قادمة، لا لأن الإعلام الورقي حسم المعركة وإنتصر أو لأنه تميز بشكل ما عمّا يقدم الكترونيًّا، وإنما لضعف الإقبال على الإعلام الإلكتروني جراء quot;الأمية التكنولوجيةquot; في العالم العربي وقلة وسائل الإتصال المناسبة إضافة الى خصوصية سياسية وإقتصادية تحكم البلاد العربية وتجعلها متأخرة عن كل ما يحدث في العالم.

ومع ذلك يتحدث الجميع عن مستقبل quot;الكترونيquot; للصحافة.. وما يسجل على أصحاب الصحف والقيميين عليها أنهم لا يبدون على عجلة من أمرهم للدخول في العالم الإخباري الإلكتروني وتوأمته مع العالم الإخباري الورقي.

يتحدثون عن أعداد كبيرة لقراء يطالعون مواقعهم الإلكترونية (النسخ الإلكترونية للأعداد الورقية ).. أعداد مضاعفة للنسخ الورقية المباعة، ومع ذلك لا تجد جهدًا مبذولاً لتطوير المواقع الخاصة بصحفهم. ينعون مهنتهم ويستسلمون لإعلام إلكتروني قابل لعدم الصمود بوجههم لو قاموا بما يتوجب عليهم من تطوير، متمسكين بما لديهم لا اكثر.

تمسك كان ليكون إيجابيًا لو وضعت المواقع في خدمة النسخ الورقية، لكنها تبدو مضرّة أكثر مما هي نافعة. فلا هم يسيرون بسرعة المواقع الإخبارية ولا هم ينتفعون من مواقعهم لخدمتهم.

بعض مواقع الصحف أقدمت على خطوة التحديث الإخباري وإنما بحذر شديد، تحديث بطيء ومحدود. خطوة ناقصة يمكن تفهّمها الى حد ما، فالتخوف من الدخول في متاهات الإفلاس quot;الإخباري quot; لعدد اليوم التالي عقبة أساسية تعيق تحول مواقع النسخ الورقية الى متابع للأحداث.

خطورة وجود الإعلام الورقي وإستمراريته لا تتعلق فقط بوجود إعلام إلكتروني يتابع الأحداث لحظة بلحظة، فهذه المتابعة كانت موجودة في الإعلام المرئي ولم تهدد وجود الورق.. لكن التهديد الحقيقي يكمن في عدم قيام الصحف الورقية بتطوير نفسها إن بنسختها الورقية او بنسختها الإلكترونية بما يتماشى مع الأحداث المعروضة مرئيًا والكترونيًا على مدار الساعة. فلا تزال الأخبار العادية بمادتها الخام ومن دون إجتهادات تحتل حيزًا كبيرًا من صفحات الصحف في الوقت الذي تذاع هذه الاخبار وتحلل وتنشر الكترونيًا قبل نشرها في النسخ الورقية بساعات.

فالأمر لم يعد محصورًا بنسخة الكترونية يجب تطويرها بل بخطط تحريرية يجب قلبها رأسًا على عقب كي لا تكون الخسارة أمام الإعلام الالكتروني بلا مقاومة تذكر.

كما الاعلام المطبوع كذلك الالكتروني، فالخطر يحدق بالجميع. وفي ظل منافسة محمومة يشهدها العالم الإفتراضي في ظل طفرة كبيرة ومهولة في المواقع الاخبارية بات تطوير النفس حاجة ماسة لا خيارًا.

من هنا ننتقل إلى نقطة مهمّة جدًا، أثيرت من قبل أهل الصحافة المطبوعة تتعلق بالمصداقية والمهنية وبضوابط العمل الاعلامي الالكتروني.

وصف رئيس تحرير صحيفةquot; الحياة الجديدةquot; الفلسطينية حافظ البرغوثي الإنترنت بأنها حقلٌ مشاعٌ quot;تستطيع أي جهة استخدامه إعلاميًّا وتدعي أنها صحيفة إلكترونيةquot;.

وتحدث آخرون عن مصداقية فقدت ومهنية ضربت عرض الحائط مع بروز أعداد مهولة من المواقع الإلكترونية الإخبارية. واقع لا يمكن إنكاره ولا يمكن تعميمه في الوقت عينه، لكن يمكن الحديث عن فوضى عارمة تهدد كيان العالم الإفتراضي الإخباري في ظل طفرة مهولة في المواقع وغياب القوانين المنظمة. فوضى يمكن للإعلام الورقي أن يستغلها لمصلحته في وقت ما زالت الكفة تميل لصالحه كون المعلن يضع ثقته به ويمنحه حصة الأسد مقابل القليل للالكترون.

ومع غياب العائد المادي الأساسي لأي مؤسسة إعلامية (ورقية كانت أم إلكترونية ) تبرز مشاكل لوجستية تنعكس سلبًا على الأداء والمحتوى. وبما أن الإعلام العربي إما حزبي أو حكومي أو مؤسساتي، فإن بعضًا من التبعية التي تعيق الإعلام الورقي ستنتقل الى الإعلام الإلكتروني الباحث عن تمويل حقيقي له في ظل شح الإعلانات. وعليه فإن سقف الحريات العالي الذي أوجده الإعلام الإلكتروني مهدد بالزوال، ولعل quot;صحافة المواطن quot; المحصورة بالمدوّنات وبالمواقع الإجتماعية التي يستغلها الشباب من أجل إيصال الصوت هي التي ستبقى بسقف حرية عال، لأنها لا تحتاج الى ممول، المأزق الوحيد الذي يطيح بهذه الحرية هو ملاحقة الدول لكل من هو معارض إلكترونيًا وإغلاق أو حجب مدونته أو موقعه الشخصي.

وفي المحصلة النهائية، لم تتمكن المواقع الإخبارية الالكترونية من فرض نفسها كمصدر أساسي عكس الصحف الورقية التي ما زالت إلى حد بعيد هي المصدر وهي صاحبة quot;السبق الصحافي quot; في أحيان كثيرة. مجددًا لا يمكن التعميم بشكل كامل إذا تمكنت مواقع اخبارية متعددة من خرق تلك الدائرة والخروج بسبقها الصحافي الخاص، لكنّها خروقات محدودة ومتفرقة غير كافية للظفر بالثقة الممنوحة الى الورق.

ما زالت المعركة متكافئة عربيًا وما زالت فرضية الإستمرارية موجودة، لكل إعلام مخاطره التي تحدق به وتهدد وجوده. وإن تحول العالم بأسره للإعلام الالكتروني فإن للعالم العربي خصوصية، سلبية في أوجه وإيجابية في أوجه اخرى، ستطيل عمر الصحف الورقية أكثر مما يظن البعض.

مسيرة إيلاف:
تسع سنوات مضت منذ إنطلقت ايلاف كصحيفة إلكترونية عربية أولى. ولعل السنة الأولى كانت مصارعة للذات قبل مقارعة المواقع الاخرى. فالعمل الإخباري الإلكتروني لم يكن يدرس في الجامعات ولم يكن رائجًا عربيًا حينها، فكان التكيف والإبتكار يسيران جنبًا الى جنب مع تطور هذه الصحيفة. وكل من عمل أو يعمل في حقل الإعلام الإلكتروني يدرك جيدًا حجم الإختلاف بين العمل في القطاعين.. المطبوع والالكتروني.

الأخطاء ارتكبت والهفوات وجدت، لكنها في نهاية المطاف إستقرت على آلية عمل خاصة بها.

لكن ما يثير الرعب في إيلاف هو الكمّ الإخباري المهول الذي تتضمّنه والذي يوزّع بين مختلف الأبواب والأقسام. صحيح أن الفكرة هي تقديم كل شيء من كل شيء للقارئ، لكن هل سيتمكّن القارئ من مطالعة كل هذه الأخبار والتحليلات..التخوّف هو من تخمة إخبارية تجعل الجهود المبذولة تضيع سدى.

إستياء غالبًا ما تلمسه ايلاف لدى اعتمادها تصميمًا جديدًا لموقعها، فالتجديد ضرورة ملحة يفرضه الكم الإخباري. ولدى إعتماد أي حلة جديدة تخرج جحافل القرّاء معترضة ومطالبة بإعادة القديم.

وبعيدًا من الكم، ننتقل الى النوعية. مما لا شك فيه أنّ إيلاف تمنح مراسليها وكتّابها هامشًا كبيرًا من الحرية، لكن الخلل يكمن في سوء إستخدام هذه الحرية من الكتاب أحيانًا ومن القراء في أحيان اخرى. صحيح أن لا رأي يحجب في ايلاف سوى تلك التي تتجاوز الخطوط الحمراء، لكن هذا التمسك بحق الكاتب والقارئ بالقول وبالكتابة حوّلها الى ساحة للمناكفات اللاديمقراطية. وكما يتحمل الكاتب او المراسل جزءًا من المسؤولية تتحمل إيلاف ايضًا جزءًا منها، إذ جرّتها مساحتها الحرة إلى متاهات أضرّت بشعارها الاول والأخيرquot; الخبر مقدس أما الرأي فحرّquot;.

أما مسيرة تطور إيلاف النوعية فحكاية اخرى، فهي إما تسير بسرعة البرق أو تمشي ببطء السلحفاة. تفاوت يمكن للقارئ والمتابع لمسه بسهولة، فإما تعجّ أعدادها المتتالية يومًا بعد يوم بالمواضيع المثيرة للإهتمام أو تقف مكانها عددًا تلو الآخر.

صحيح أن إيلاف تقف في عين العاصفة، وصحيح أنها تسير قدمًا؛ لكن بعد تسع سنوات يمكننا القول إننا نسير ولكننا نتعثر أحيانًا. قد نستجمع قوانا سريعًا وقد يتطلب ذلك منّا وقتًا. لكننا لا نخجل من القول إننا أخطأنا هنا وأصبنا هناك، ولا نرى في إعترافنا أعلاه ضعفًا أو إنتقاصًا من قيمتنا. لا ندعي المثالية إذ نعلم مكامن قوّتنا ونعلم مواطن ضعفنا. وقوتنا المحفزة كانت ولا تزال وستبقى هي القرّاء. جيش من الايلافيين الاوفياء الذين يقفون الى جانبنا في قوتنا وفي ضعفنا. الإعتراف لا يعفينا من المسؤولية ولا يجعل الأخطاء أقل ضررًا، بل نضعها أمامنا ونسعى إلى تجاوزها ونسأل أنفسناquot;هل هذا أقصى ما يمكننا أن نقوم به ؟quot;..ومن هنا يبدأ التحدي الجديد.