إنقسم البرلمان اللبناني طائفيًا في جلسته الأخيرة، عند مناقشة مشروع قانون بإعطاء اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان حقوقهم المدنية، حيث أيّد الطرف المسلم المشروع فيما عارضه المسيحي ما أثار ردود فعل من الأطراف كافة.

بيروت: quot;لبنان لا يحلّق إلا بجناحيهquot; عبارة اطلقها الرئيس الراحل صائب سلام عانيًا بذلك ابناءه المسلمين والمسيحيين الذين هم عماده وعلى تفاهمهم يتوقف استقراره وازدهاره.
هذه المقولة التي اطلقت مع اندلاع شرارة الحرب الاهلية في السبعينات واثبتت صحتها حتى كرّست في اتفاق الطائف، تعرضت لبعض الاهتزاز في جلسة مجلس النواب التي انعقدت الثلاثاء الماضي إثر مطالبة نواب اللقاء الديمقراطي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط عبر مشروع قانون باعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية بتأييد ودعم من رئيسي مجلس النواب والحكومة نبيه بري وسعد الحريري ونواب quot;حزب اللهquot; واعتراض نواب مسيحيين من كتل مختلفة بما في ذلك كتلة التغيير والاصلاح التي يتزعمها النائب العماد ميشال عون وكتلة نواب الكتائب وحتى كتلة تيار المستقبل بذريعة رفض الاستعجال وضرورة التأني في دراسة المشروع مع ابداء التخوف من عدم تعارضه مع التوطين وذهاب البعض الى حد ربطه بحل مشكلة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.

وقد ادى هذا الاعتراض الى اثارة غضب جنبلاط الذي انتفض داخل المجلس واصفاً اليمين اللبناني، وقاصداً بذلك الفريق المسيحي، بـ quot;الغباءquot; مشيرًا الى ان هذا اليمين يصنع الحروب والفتن ليس فقط في لبنان بل في كل العالم. ورغم محاولات الرئيس الحريري تهدئة جنبلاط والتعهد له باعادة طرح الموضوع واقراره في جلسة نيابية مقبلة تعقد بعد شهر كما اعلن ذلك ايضًا الرئيس بري، فإن رئيس اللقاء الديمقراطي لم يوقف انتقاداته ضد هذا quot;اليمينquot; حيث فعل ذلك مرتين أمس واحدة لدى زيارته بري مساء لشكره على موقفه من القضية في مجلس النواب وأخرى في مقابلة اجرتها معه محطة quot;المنارquot; التابعة لحزب الله لم يتوقف هجومه فيه عند هذا quot;اليمينquot; وحده بل طال رئيس الهيئة التنفيذية لـquot;القوات اللبنانيةquot; الدكتور سمير جعجع بقوله quot;ان هناك يمينًا آخر تحت حجة ان سلاح المقاومة قد يكون ذريعة للعدوان، ومجرد ان هذا الشخص أو هذه الحالة تقول ان سلاح المقاومة هو ذريعة للعدوان فهو يحرض على العدوان لا أكثر وى أقلquot;.

ولقي كلام جنبلاط ردود فعل عنيفة من الجانب المسيحي أبرزها لعضو تكتل التغيير والاصلاح النائب ابراهيم كنعان الذي ايد اعطاء الحقوق المدنية للفاسطينيين بالمبدأ معترضًا على الطريقة التي طرح فيها الموضوع واصفاً المسألة بـ quot;المزايدة الواضحةquot;. أما عضو كتلة quot;القواتquot; النيابية النائب الدكتور انطوان زهرا فقال quot;اذا كان الدفاع عن الدولة ومشروعها في لبنان غباء فنحن فخورون بهذا الغباء لأننا نعمل وفق قناعتناquot;، فيما دافع النائب إيلي ماروني (الكتائب) عما يسميهم جنبلاط بـ quot;الانعزاليين المسيحيينquot; معتبرًا ان quot;هؤلاء اثبتوا على التاريخ مدى انتمائهم الى العرب والعروبةquot;، متوقفاً عند وصف اليمين اللبناني بالغباء مذكرًا أن وليد جبنبلاط quot;سبق ان نعت الرئيس السوري بشار الأسد بأفظع النعوت ثم عاد وتوسل الكرة الارضية كلها ليسترضيه ويعتذر منه لذلك لا استبعد ان يقول الشيء اليوم وعكسه غدًاquot;. أما رئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون فتساءل : quot;لماذا يعطي لبنان الفلسطينيين حقوقهم فيما لا يعترف الفلسطينيون بالدولة اللبنانية ؟quot;

واذا كانت قضية حقوق الفلسطينيين المدنية بلغت القصر الجمهوري حيث عقدت اليوم جلسة جديدة للحوار الوطني تطرقت لهذا الموضوع كما أعلن ذلك النائب أسعد حردان (الحزب السوري القومي الاجتماعي) لدى دخوله الجلسة، فإن اوساطًا لبنانية متابعة تبدي تخوّفها من تصاعد حدة السجال بين quot;جناحي لبنانquot; حول مسألة الحقوق هذه التي سيعاد البحث بشأنها بعد شهر من الآن، الأمر الذي قد يؤدي الى ارجاء البت في هذه القضية مرة أخرى ريثما تهدأ النفوس وينشط الوسطاء لتضييق رقعة الخلاف بين الطرفين وتهيئة الأجواء للقيام بدراسة للمشروع خصوصًا ان التجارب السابقة لم تكن مشجعة في هذا الاطار بعد ان أضاعت الحكومة السابقة برئاسة فؤاد السنيورة فرصة ثمينة في تحقيق أي تقدم بهذا الصدد على الرغم منانها عينت مسؤولاً عن الملف الفلسطيني تولاه السفير خليل مكاوي قبل ان يقدم استقالته مع تشكيل الحكومة الجديدة، وقام وفد وزاري منها بزيارات الى عدد من المخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب اطلعوا فيها بأم العين على الظروف المأساوية التي يعيشها الاف اللاجئين حتى ذرف بعض الوزراء الدمع لما شاهدوه.

يشار إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يقدر بحوالى 500 ألف لاجئ يتوزعون على عدد من المخيمات منها برج البراجنة وشاتيلا ومار الياس في بيروت، وعين الحلوة والمية مية والقاسمية والبرج الشمالي والبص والمعشوق والرشيدية في الجنوب، والجليل في بعلبك (البقاع)، والبداوي والبارد في الشمال مع الاشارة الى ان الأخير تعرض للدمار الكامل بفعل المعارك التي خاضها الجيش اللبناني ضد تنظيم quot;فتح الاسلامquot; الذي اتخذ من المخيم المذكور مقرًا له، وقد أدى هذا الأمر الى تشريد الآف العائلات التي يقيم افرادها حاليًا على ارض محاذية للمخيم في مستوعبات اقامتها لهم quot;الاونرواquot; لا تزيد مساحة الواحدة منها على عشرين مترًا مربعًا وتنعدم فيها الوسائل الصحية والحياتية كحال العديد من المخيمات الأخرى. هذا ويحظر على اللاجئ الفلسطيني العمل في 63 مهنة حرة كالطب والمحاماة والهندسة لذلك تحول العديد من هؤلاء للعمل في مهن أخرى أبرزها البناء والعمار والحدادة والسمكرة وفي كل ما يصنف بالمهن الشاقة.