اختار العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز تجمعاً للمبتعثين السعوديين في الولايات المتحدة الأميركية ليعلن من هناك أن وعده بإطالة عمر البترول السعودي قد أصبح محل التنفيذ منذ أن طلب من وزرائه التأمين ومن الله الإجابة أن يطيل الله عمر البترول خلال جلسة وزارية قبل الرحلة الصيفية.

ومن يتتبع سيرة الملك عبدالله لن يفاجأ بالقرارات التاريخية المتلاحقة لأنه عوَّد الجميع على ذلك في كل مكان يحط فيه أو مناسبة يظهر فيها، ولكن المفاجأة تكمن في ما سيعلنه أو يقرره.

وبحسب المتابعين فإن قراراً مثل وقف التنقيب عن النفط قد أخذ من الدراسة الشيء الكثير، ولكن مناسبة إعلانه كانت مرتبطة بشكل مباشر مع ظروف المناسبة وحاضريها، فالهدف الملكي كان حفظ حق الأجيال المقبلة في بلد يبلغ معدل شبابه أكثر من 61% من مجموع السكان، ولذلك كان القرار وسط ممثلين عن أكثر من 25 ألف طالب سعودي مبتعث في أميركا وحدها وآلافاً آخرين موزعين في أصقاع العالم من نيوزلندا إلى اسكندنافيا ومن اليابان إلى جامعات نيويورك ومعاهد فانكوفر.

لكن هل ذكرنا ارتباط المناسبة وحاضريها بالقرارات الملكية؟ لا بد من قلب الصفحات وإستذكار إعلان المدينة العسكرية في جازان الحدودية ومدينة الإسكان التي وُقعت عقودها وسُيلت أموالها لأن حشوداً من متسللي التمرد الحوثي دخلوا من شمال صنعاء إلى حدود السعودية الجنوبية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي واضطرت المملكة إلى حشد قواتها وطردهم في معركة الأشهر الثلاثة.

وجازان قصة أخرى في مسيرة العاهل السعودي الذي زارها مطلع نوفمبر /تشرين الثاني 2006 قائلاً quot; لقد تأخرت مسيرة التنمية في جازان في الماضي لظروف لم يكن لأحد يد فيها، إلاَّ أن دولتكم عقدت العزم على إنهاء هذا الوضع، باختزال المراحل، ومسابقة الزمن، وإعطاء جازان عناية خاصةquot;، وقدم الملك عبدالله بين يدي جازان مدينة إقتصادية تبلغ تكلفتها 4 مليارات دولار ويخصص منها 375 مليون سهم مجاني لأهلها.

و الحال على جازان ينطبق على عدة مناطق سعودية أخرى بدأت في اقتسام كعكة الثروة مع المدن الكبرى.

وبحسب الخطط السعودية المعلنة فإن 250 مليار ريال تدير عجلة التنمية الاقتصادية شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وفي أطراف الوسط أيضاً عبر سلسلة مشاريع اقتصادية ما بين متوسطة وعملاقة، كل ذلك يعود أيضاً بحسب رؤية صناع القرار السعوديين وعلى رأسهم قطعاً عبدالله بن عبدالعزيز إلى أن المملكة حان الوقت لأن تذهب في كل الاتجاهات الممكنة نحو تعزيز قوتها الذاتية مادامت كل مقومات الانطلاق موجودة ومتوفرة، سواء في ثرواتها الطبيعية أو قوتها البشرية أو موقعها ومكانتها المهمة إقليمياً ودولياً.

وحينما تتوقف السعودية عن التنقيب عن النفط فإن عدة أسئلة يمكن أن يطرحها كل مهتم بالطاقة حول العالم هو كيف وكم احتياط هذه الدولة النامية من الذهب الأسود وإلى متى ستظل تنتج بمعدلاتها الحالية مع بقاء خطتها الإستراتيجية في الإبقاء على مخزونها الجوفي دون حفر ورسم علامات حمراء، وماهو المشروع المقبل؟

خصوصاً وأن التقديرات الدولية تقول إن احتياطيات السعودية تكفي أكثر من 80 عاماً وذلك بحسب مؤسسة ستاندرد آند بورز العالمية رغم أن تقديرات دولية أخرى تتحدث عن نفاد الاحتياطي العالمي من النفط بعد 40 عاما و ترى أن حقول النفط السعودية قد بلغت أوج ذروتها.

كل ذلك العمل النفطي يجري على أراضي المملكة بحسب التقرير السنوي لأرامكو السعودية بمساحة تزيد على 1.5 مليون كيلومتر مربع، وهي أكبر من مساحة ولايات تكساس وكاليفورنيا وأوكلاهوما وأوتا مجتمعة، كما أنها تزيد على مساحة فرنسا وإسبانيا وألمانيا مجتمعة.

ويأتي معظم الإنتاج من حقول في السهول الساحلية للمنطقة الشرقية في منطقة تمتد بطول 300 كيلومتر شمال وجنوب مدينة الظهران.

وللإجابة على هذه الأسئلة القصيرة الكبيرة أعلاه، فإن أول ما يمكن أن يتبادر للذهن هو حجم المتاح حالياً وإلى أي مدى يمكنه ضخ الطاقة في شرايين العالم مادامت آلات الحفر والتنقيب أدخلت المستودعات بقرار ملكي تاريخي، إذاً فهي أسئلة تسحب أخرى حتى نعرف أن حجم الانتاج السعودي من النفط بحسب آخر تصريحات للمشرفين على خزائن النفط العربي يترواح عند متوسط يبلغ أكثر بقليل من 8 ملايين برميل يومياً وهو مايعني أن الرياض تمثل الكفة الترجيحية للمنظمة النفطية الأشهر (أوبك) إذ تتفرد المملكة بمايعادل ثلث طاقة المنظمة الإنتاجية.

وبهذا المعدل فإن السعودية قادرة على الانتاج لمدة تكفي لأجيال عدة، بالنظر إلى أنها تحتكم على أكثر من 260 مليار برميل نفط بحسب آخر الإحصاءات السعودية الرسمية.

فالطاقة الانتاجية السعودية اليومية هي الأعلى على الاطلاق في العالم حتى الآن كما تشير بيانات صدرت عن شركة النفط البريطانية quot;بريتش بتروليومquot; إلى استمرارية زيادة احتياطيات السعودية من النفط والغاز، على الرغم من أن دول العالم تعاني صعوبة في زيادتها.

ولا يمكن في خضم هذه الأرقام إغفال ثروة أخرى ستعتمد عليها السعودية أكثر من ذي قبل، فاحتياطي الغاز حاز على نصيبه في معدلات الزيادة، إذ أظهر التقرير quot;الإحصائي السنوي لصناعة الطاقة في العالمquot;، أن احتياطي الغاز المثبت للسعودية قد قفز من 4.02 تريليون متر مكعب في العام 1986 ليضرب سقف 7.07 تريليون متر مكعب في العام 2006، ووصلت نسبة الاحتياطي إلى الإنتاج 96%. ..

كل ذلك يؤكد أن العاهل السعودي حرك بوصلة العمل إلى الورشة السعودية الكبيرة في الداخل، إذ أن المملكة الآن تعوم فوق 80 ملياراً من الدولارات كلها للإنشاءات الاقتصادية والتعليم والتدريب والبنى التحتية، وذلك مايعني أن تنويع مصادر الدخل والاعتماد الأكثر على الأيدي السعودية بعد أن باتت العقول متوفرة بكثافة في مختلف التخصصات، أصبح هو المرحلة الثانية المهمة في عهد الملك عبدالله بانتظار عهد المخرجات الذي يراه مراقبون بات قريباً أكثر من أي وقت مضى.