يواصل فريق طبي متخصص بذل الجهود في محاولة لوقف النزيف الداخلي الذي يعاني منه المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، ووصفت إدارة المستشفى حالته في بيان بأنها quot;مستقرّة نسبياquot;.

اصيب العلامة محمد حسين فضل الله، المرجع الشيعي الكبير، السبت بنزيف داخلي جديد، بحسب ما افاد مكتبه الاعلامي.
وقال مسؤول في المكتب الاعلامي ان quot;النزف عاوده (فضل الله) صباح اليوم (السبت)، وهناك محاولات من الفريق الطبي لمعالجة الوضعquot;.
واضاف quot;تحسن وضعه مساء الجمعة قبل ان يصاب بالنزف الجديدquot;، نافيا في الوقت نفسه الشائعات التي ترددت حول وفاة العلامة فضل الله.


وتتسرع بعض المواقع الإلكترونية في لبنان في إعلان وفاة السيد محمد حسين فضل الله في الساعات الماضية، في حين يرقد الرجل في غرفة العناية المركزة في مستشفى بهمن في الضاحية الجنوبية لبيروت، الذي غصت قاعاته بالشخصيات والوفود التي جاءت للإطمئنان إلى صحة المرجع البالغ من العمر خمسة وسبعين عاما ، ولا يزال الفريق الطّبي الذي يعالجه يبذل جهوداً متواصلةً لمعالجة آثار النّزف الداخلي الحاد الذي تعرّض له والمضاعفات النّاجمة عنه. علما أن إدارة المستشفى وصفت حالته في بيان بأنها quot;مستقرّة نسبياquot; ، ونفت صحّة الأخبار عن أنّ حالته باتت سيّئةً جدّاً أو ميؤوساً منها، والإشاعات الّتي ذهبت إلى أبعد من ذلك.

وكانت الشائعات المشار إليها ذكرت أن فضل الله توفي بعد إصابته بغيبوبة تامة، وأن إعلان الوفاة تأخر في انتظار إنهاء ترتيبات الدفن في النجف في العراق حيث ولد عام 1935 ، وكان والده السيد عبد الرؤوف فضل الله هاجر إلى هناك لتلقي العلوم الدينية. وفي النجف أيضا سار الإبن على خطى الوالد، فتلقى علومه الدينية في سن مبكرة بدءاً من التاسعة وأصبح استاذا للفقه والأصول في الحوزة العلمية الكبرى، ليعود عام 1966 إلى لبنان حيث أسس حوزة quot;المعهد الشرعي الاسلاميquot;. عن ذلك الإنتقال قال السيد محمد باقر الصدر : quot;كل من خرج من النجف خسر النجف إلاّ السيد فضل الله، فعندما خرج من النجف خسره النجفquot;. وفي الحوزة في ضاحية بيروت واظب على إلقاء دروس فقهية يحضرها نحو مئة طالب من اللبنانيين والعراقيين وغيرهم، ودرس على يديه العديد من المشايخ والأئمةوأساتذة الحوزة، كما واظب على التدريس كل سبت وأحد في حوزة المرتضى في دمشق حيث كان يحضر العديد من الطلاب أساتذة الحوزة من العراقيين والخليجيين المقيمين في جوار السيدة زينب، وله العديد من الفتاوى والتقارير في مسائل النكاح والرضاع والوصية والمواريث والقضاء وغيرها، بالإضافة إلى مئات أشرطة التسجيل الصوتي في الأبواب الفقهية والأصولية المتنوعة. وعرف بامتلاكه الجرأة العلمية على طرح نظريّاته الفقهية عندما يتوصل إلى قناعة ثابتة بها، ولذا أفتى بطهارة كلّ إنسان، وبجواز تقليد غير الأعلم، وباعتماد علم الفلك والأرصاد في إثبات الشهور القمرية، وغير ذلك من القضايا والمسائل التي أثارت جدالات ، وقد قال بعض من عارضوه، في معرض الإشارة إلى عدد من الفتاوى إنهم توصلوا إلى النتائج نفسها ، والفرق أن quot;السيّد كان أجرأ منّاquot;.

عندما أعلن السيد فضل الله نفسه مرجعية عام 2003 ثار لغط شديد من حوله في لبنان والعراق وإيران ، حيث أيده علماء كبار في الدين وعارضه علماء آخرون، وربما يكون العربي الوحيد الذي يعتبر مرجعية لدى الشيعة، ولهذه المرجعية أصول فلا يحق لأي يكن أن يتقدم لها، وأول هذه الأصول أن يكون راسخا متبحرا في العلوم الدينية . وبصرف النظر عن الحسابات المعقدة النتيجة من طبيعة علاقات رجال الدين الشيعة والسلطة والسياسة بعضهم ببعض في إيران والعراق ولبنان، تمكن السيد فضل الله من تثبيت مرجعيته أمرا واقعا متجاوزا اعتراضات وصلت في بعض المراحل إلى حد توزيع منشورات في الضاحية الجنوبية لبيروت تعارضه وتتهجم على مرجعيته، واستطاع أن يتجاوز مستويين من العوائق، مستندا إلى رؤية شاملة تتجاوز النطاق المحلي المكاني، مع تمسكه بإيمانه بالأمة الإسلامية، وإلى اعتقاد أكيد لديه بضرورة أن تتخلى المرجعية عن حالتها التقليدية في الميل إلى الوسط الحوزوي بعيداً عن الاهتمامات العامة في حياة المسلمين، وكان لا يفتأ يردد أن quot;لا بد للمرجعية أن تطلّ على قضايا العالم السياسية والثقافية والاجتماعية المعاصرةquot;.

والبديهي أن المرجعية لا تورث ولا تأتي عفوا ، وقد تمر عشرات السنوات قبل أن تظهر شخصية دينية بمواصفات علمية وأدبية ودينية بمثل ما تمتع به السيد فضل الله لتتقدم إلى إعلان نفسها مرجعية .

عند بدء بروز اسمه في الثمانينات من القرن الماضي خصوصا واظبت الولايات المتحدة ودول الغرب عموما على وصف فضل الله بأنه quot;المرجع الروحي لحزب اللهquot; ، لكنه لم يؤكد ذلك يوما ولم ينفه ، وإن كان يحرص على إعلان ارتباطه والحزب بعقيدة ورؤية مشتركتين . ومنذ السبعينات أنشأ الرجل عددا كبيرا من الجمعيات التربوية والإعلامية والإجتماعية والتجارية والسياحية تتغذى بتبرعات من مريديه داخل لبنان وخارجه عبر وكلاء لمرجعيته، وهذه الجمعيات التي تضمها quot;مؤسسات المبرات الخيريةquot; تعتني بآلاف المعوزين والمرضى والأيتام والفقراء.

وسيدير هذه المؤسسات من بعده على الأرجح نجله السيد علي محمد حسين فضل الله ونجله الآخر السيد جعفر، علما أن للمرجع أبناء آخرين لم يظهروا مرة إلى الإعلام . كما أن شقيقه السيد محمد باقر فضل الله يتولى المسائل الإدارية في quot;المبرات quot; بمعاونة فريق من أعضاء مجلس الأمناء. فالحياة تستمر لكن الفاعلين فيها الذين يطورون ويغيرون ويؤثرون في مسارها قليلا ما تجود بهم العصور .