رغم أن نيران التوتر بين الدولة والصحافة في المغرب انطفأت شيئا ما، إلا أن الشرارة، في نظر البعض، ما زالت مشتعلة، ما يجعل الباب مفتوحا على مجموعة من الاحتمالات خصوصاً وأنموجة الشكاوى من استمرار التضييق على حرية الرأي والتعبير في المغرب لم تهدأ، بعد ملاحقة صحافيين في ملفات لا علاقة لها بالإعلام، ما يراه محللون طريقة جديدة في ممارسة quot;الرقابة الناعمةquot; على السلطة الرابعة.

صحافيون وراء التوتر!

زاد التوتر في المشهد الصحافي المغربي بعد فشل السلطة في التأقلم مع الوافد الجديد فى مجال الإعلام، فالسلطة تخشى وسائل الإعلام التي تقوم بوظيفتها الحقيقية من تحري وإخبار وتوضيح. غير أن الوظيفة، التي تحمل السلطة الرابعة مشعلها، جرى تحييدها عن سكتها الصحيحة، حسب ما يراه مؤيدين لخطوات الدولة الأخيرة، إذ أنهم يرون أن القطاع يجب أن ينظم أكثر ويخرج من حالة الفوضى التي فتحت الباب على مصراعيه على مجموعة من quot;الأخطاء القاتلةquot;.

وفي هذا الإطار، قال محمد السراج ضو، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، quot;أظن أن مستوى التوتر انخفض في الشهور الأخيرةquot;، مشيرا إلى أن quot;الدولة فتحت حاليا ورش حوار الإعلام والمجتمعquot;. وذكر السراج ضو، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن quot;هذا الحوار عقدت مجموعة من جلساته وشمل جميع القطاعات المتعلقة بالإعلام، وجميع المتدخلين، سواء القريبين أو البعيدين، وحتى أحيانا من ليس لهم أي علاقة بالموضوعquot;.
وأضاف الكاتب العام للنقابة quot;في وجهة نظري، أن بعض القضايا مفتعلة، لأن الإعلام هو ورش مفتوحة، ويحتاج إلى الكثير، أولا يحتاج إلى التكوين، سواء في الصحافة المكتوبة أو الإعلام السمعي البصري، مبرزا أنه quot;من غير المعقول بتاتا أن صحافيين شباب يتخرجون من quot;معاهدquot; صحافية، سواء رسمية أو تجارية، ويتركون على الغالب، دون تكوين أو متابعة أو إشراف. لذلك، فإن التكوين والتكوين المستمر مسألة أساسية في ميدان الصحافة والإعلامquot;.

أرجع السراج ضو سبب التوتر، الذي وقع أخيرا بالدرجة الأولى إلى بعض الصحافيين الشباب الذين ارتكبوا أخطاء، وكان هناك أيضا من دفعوا لكتابة أو قول أشياء يجهلون أبعادها السياسية. وأكد أن من يشتغل في القطاع بمهنية يمكن أن يصل في حريته إلى أبعد حد، لكن في إطار الحدود المسموح به، مع العلم أن المغرب في طليعة الدول العربية، خاصة في شمال إفريقيا، التي توفر على هامش كبير في مجال حرية التعبير.

ويرى الكاتب العام للنقابة أن الوضعية الاجتماعية العامة للعاملين في مجال السمعي البصري، أو الصحافة المكتوبة، أو باقي وسائل الإعلام الأخرى، الذين لا يتجاوز عددهم 6 آلاف شخص، لا يتمتعون بأي امتيازات اجتماعية، وفي بعض الحالات، هناك صحافيين في المجال المكتوب ليست لديهم حتى التغطية الصحية، إذ أن الاتفاقية الجماعية الموقعة مع بعض الصحف لا تحترم من طرف مدراء مؤسسات إعلامية. لذلك، فإن قضية الصحافيين يجب النظر إليها من الجانب التكويني من الدرجة الأولى الاجتماعي، ثم الجانب الاجتماعي بالدرجة الثانية، وأيضا الاهتمام بأوضاع الصحافيين بصفة عامةquot;.

حرمان من الكعكة الصغيرة!

لجأت السلطة، في نظر إعلاميين، إلى طرق جديدة حتى تكون رقابتها أكثر نجاعة، بالاعتماد على قطع الإمدادات المادية عن بعض وسائل الإعلام المستقلة، ما جعل بعضها تضطر إلى الإغلاق المبكر، رغم أنها حديثة الولادة. وهناك عدد من المنابر الإعلامية التي اضطرت إلى الإغلاق بسبب quot;الإكراهات الماديةquot;، منها صحيفة quot;لو جورنال ابدوماديرquot;، وquot;الجريدة الأولىquot;، التي لم يجد مدير نشرها من جواب على سؤال لـ quot;إيلافquot; كيفية تمويل الصحف المعارضة نفسها، خصوصا أن صحفا أقفلت لعدم قدرتها على تسديد ديونها، سوى القول quot;هذا السؤال لا أجد له جوابا مقنعاquot;.

رجل أمن يبعد الصحافيين عند مرور علي انزولا

وأضاف علي أنوزلا، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، quot;نحن الآن أمام ضعف المقروئية، وتراجع مبيعات الصحف في السوق، إلى جانب ارتفاع كلفة إنتاج الصحف، وهذه كلها أشياء تجعل من صناعة صحيفة اليوم وإنتاجها عملية جد مكلفة، لا يمكن التغلب عليها إلا إذا لم تكن هناك موارد إعلانية كبيرةquot;. وذكر مدير نشر quot;الجريدة الأولىquot;، التي توقفت عن الصدور بسبب مشاكل مالية، quot;سوق الإعلانات اليوم أصبح يضيق يوما عن يوم، أولا هناك أسباب اقتصادية ناتجة عن الأزمة التي يعيشها الاقتصاد المغربي نتيجة الأزمة المالية العالمية، التي لم تمس المملكة إلا هذه السنةquot;.

أما السبب الثاني، يشرح علي أنوزلا فيتجلى في ضيق سوق الإشهار، الذي لا يتعدى 60 مليون أورو، وتتنافس عليه عدة وسائل إعلام، منها تلفزيونات وإذاعات، والملصقات في الشوارع، وفي الدرجة الثالثة أو الرابعة تأتي الصحف، وربما مستقبلا قد يدخل سوق المنافسة الإنترنيتquot;. وأمام هذه المنافسة الكبيرة على كعكة صغيرة، يبرز أنوزلا، quot;أصبح ما يصل إلى الصحف مجرد فتاتquot;.

وتطرق علي أنوزلا إلى نقطة ثالثة، وهي مشكلة كبيرة، تتعلق بالثقافة السائدة في المملكة، والمتمثلة في كون المعلنين يفضلون الصحف الناطقة باللغة الفرنسية على العربية، وبالتالي فإنه مهما كانت مبيعات هذه الأخيرة فهي لا تحظى بما تحظى به مثيلاتها من وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفرنسية. هذا من الناحية التجارية والاقتصادية المحضة، لكن مع ذلك، يوضح مدير النشر، فإن سوق الإعلانات في المغرب ليس شفافا، إذ أنه يخضع للعلاقات والمحسوبية والزبونية، وإلى ترجيح كفة المصالح.

والشيء الثاني والخطير، وهذا هو الجديد في الساحة الإعلامية بالمغرب، يتمثل، حسب علي أنوزلا، في التدخل الذي باتت تمارسه السلطة من خلال نوع جديد من الرقابة، التي يمكن أن نصفها بـ quot;الرقابة الناعمةquot;، عبر توجيه المعلنين لمقاطعة بعض المنابر التي أصبحت تزعج السلطة، وهذا هو الخطير. لأن سوق الإعلان مسيسا ويخضع لاعتبارات سياسية ولا تتعلق بحجم التوزيع أو مقروئية الصحف.

ولذلك، يضيف مدير النشر، فإنه بالنسبة لي quot;فإنني أرى أن مستقبل الصحافة المكتوبة بأنه لا ينبأ بالكثير من الخير في ظل هذه الظروف، المتمثلة في تراجع المقروئية، وتقليص سوق الإعلانات والتحكم فيه وتسييسه، وبالتالي يجب من الآن البحث عن وسائل أخرى أقل كلفة، وربما يجد الصحافيون العاملون في الصحافة المكتوبة مخرجا من هذه الأزمة، في وسائل الإعلام الحديثة، خاصة المواقع الإنترنيتية، التي أصبح لها تأثير كبيرquot;.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت السلطات حولت قانون الإعلام إلى زخرفة لا ضرورة له بما أنهم تجاوزوا الاحتكام إليه وتوجيه التهم المباشرة للصحافيين فيما يتعلق بأمور الصحافة، رد علي أنوزلا بالقول quot;قانون الإعلام يبقى دائما مهما، رغم أن المبدأ الأساسي في أي دولة تصف نفسها بأنها quot;دولة ديمقراطيةquot;، أن حرية الرأي والتعبير هي الأساس، لكن لا بد من وجود قانون ينظم هذه الحرية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنشر، أو الإيداع، أو البت.

وأعتقد، يضيف مدير نشر quot;الجريدة الأولىquot;، أن quot;المشروع الذي يتم الاشتغال عليه اليوم سيصبح متجاوزا إذا لم يأخذ بعين الاعتبار التطورات اللاحقة التي يمكن أن تدخل على المشهد الإعلامي، بولوج وسائل الإعلام الحديثة إلى الميدان، فالآن أصبحت جمعيات المدونين المغاربة التي أصبحت تنشط وتزعج أكثر مما يمثله الآن الصحافيين والصحف.
إذن أي قانون يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذه التطورات التي يعرفها المشهد الإعلامي، وخاصة الجانب التقني منها، وهي تطورات متسارعة, وأعتقد أن المشرع بالمغرب غير قادر على مواكبتهاquot;.