شكّلت المفاوضات التي أجرتها دول غربيّة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ودفع بعضها لفدية مقابل إطلاق سراح رهائنها، ضربة موجعة لاتفاقيّة دول الساحل الإفريقي التي أبرمت في الجزائر في مارس 2010 وتقوم على التعاون الأمني وشدّدت على ضرورة عدم التفاوض مع الإرهابيين.

التطورات التي شهدتها منطقة الساحل الإفريقي في الآونة الأخيرة، والتي توحي بتصاعد خطر تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في صحراء المنطقة، خلطت حسابات معظم الدول الكبرى وحتى دول المنطقة.

خصوصا بعدما اتخذت سياسات بعض دول الساحل منعطفاً جديداً، و هو الوساطة لصالح دول غربية والتفاوض مع فرع القاعدة المغاربي الذي يتزعمه الجزائري quot;عبد المالك دروكدالquot; المكنى بـ quot;أبو مصعب عبد الودودquot;، بهدف تحرير رهائن غربيين احتجزهم تنظيم دروكدال، مقابل إطلاق سراح مسلحين ودفع الفدية، وهو ما حدث منذ أيام بعدما أن أفرجت القاعدة عن الرهينتين الإسبانيتين quot;ألبرت بيلالتاquot; وquot;وروك باسكوالquot; في صفقة مبادلة الرهائن.

كما تم بالمقابل إطلاق سراح الإرهابي quot;عمر الصحراويquot;، المتهم الرئيس في قضية اختطاف الرعايا الأسبان الثلاثة في موريتانيا يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي والذي قام حينها ببيعهم لتنظيم القاعدة المغاربي، و سبق أن تم الإفراج عن quot;آليثيا غاميثquot; بعد أشهر من عملية الاختطاف، بدعوى أنها أعلنت إسلامها، في حين أبقى تنظيم القاعدة على الرهينتين الأخريين بهدف مساومة الحكومة الاسبانية و هو ما حصل منذ أيام إذ تم التوصل إلى مقايضتهما بالإرهابي quot;عمر الصحراويquot; ودفع فدية قدرت قيمتها 10 ملايين يورو.

و تطرح - السياسة الجديدة التي تنتهجها كل من مالي و موريتانيا و بوركينافاسو في الوساطة للدول الغربية بغرض التفاوض مع القاعدة و دفع الفدية، و إطلاق سراح إرهابيين من سجونها في إطار ما يعرف بصفقات مبادلة الرهائن، - جدوى الاتفاق المبرم في مارس 2010 في الجزائر، بين دول الساحل الإفريقي و الذي ينص على أهمية التعاون على المستوى الإقليمي، مع العمل بصورة جماعية لمحاربة quot;القاعدةquot; في صحراء الساحل التي تمتد لآلاف الكيلومترات، من دون أي تدخل أجنبي للدول الغربية مهما كان شكله وأهدافه و مسمياته.

منطقة quot;تامنراستquot; في صحراء الجزائر تضمّ مقرّ قيادة أركان حلف أطلق لمجابهة القاعدة، ويعنى بالتنسيق الاستخباراتي والمعلوماتي في محاربة الإرهاب، والجريمة المنظمة، وشبكات تهريب السلاح، وخطف السيّاح الأجانب في المنطقة.

كما نصّ الاتفاق على عدم التفاوض ودفع الفدية للجماعات المسلحة و عدم مقايضة الإرهابيين بالرهائن، و بالتالي يرمى هذا المعطى الجديد في المعادلة الأمنية بالمنطقة إلى نقض اتفاقية الجزائر أو على الأقل تعطيلها.

تعتبر الجزائر الفاعل الرئيس في المعادلة الأمنية في المنطقة وفي الحرب على الإرهاب، بحكم تجربتها مع العنف والجماعات المسلحة خاصة الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال، و التي تحولت في 25 كانون الثاني/ يناير من العام 2007 إلى ما يعرف اليوم بـquot; القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميquot;، بعد تحالفها مع تنظيم القاعدة العالمي، و التي عرفت عملياتها تصعيدا مخيفا في منطقة الساحل في الثلاث سنوات الأخيرة.

لكن وفي نظر المتابعين للوضع الأمني في المنطقة، فإن نشاط القاعدة في الساحل لم يأت صدفة وإنما هو نتيجة حتمية لما تلقاه التنظيم من ضربات من طرف الجيش الجزائري والتي أدت إلى مقتل العديد من أمراء الكتائب وقياديي التنظيم و تفكيك العشرات من شبكات الدعم والإسناد، و هو ما أرغم quot;القاعدةquot; إلى نقل نشاطها إلى صحراء الساحل الإفريقي، أين وجد التنظيم ضالته في اختطاف الغربيين وعقد صفقات مع العصابات الإجرامية الصغيرة.

وفي أعقاب ذلك، تمكنت الجزائر بعد سلسلة من الاجتماعات السياسية والأمنية رفيعة المستوى، من تجسيد فكرة حلف من شأنه مجابهة تهديدات تنظيم القاعدة كقوة إقليمية مشتركة تضم كلا من موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى الجزائر، اتخذت قيادة أركانها من مدينة تامنراست في صحراء الجزائر مقرا لها، تعنى بالتنسيق الاستخباراتي والمعلوماتي في محاربة الإرهاب، والجريمة المنظمة، وشبكات تهريب السلاح، وخطف السيّاح الأجانب في المنطقة.

وهي المبادرة التي أرادت من خلالها الجزائر حل الحلف لمشاكله في منطقة الساحل محليا، واستبعاد أي تدخل أجنبي في صناعة قرارات الدول المعنية، مركزة على دعم عدة جوانب كانت ترى فيها نجاح مشروعها، منها تخصيص 50 ألف جندي مع إمكانية توفير الأسلحة والتدريب والمعلومة الاستخباراتية التي تعتبر أهم عنصر في صناعة أي قرار عسكري مع استبعاد ضغط الطرف الآخر كموضوع الفدية الذي أصبح لغة التنظيم لابتزاز أموال الغرب.

وهو ما رفضته الجزائر معتبرة الفدية quot;جريمة يعاقب عليها القانونquot; و يفتح باب المفاوضات والمساومات مع هذا التنظيم مستلهمة قرارها من سنوات مكافحتها للإرهاب وتجربتها الناجحة في التصدي له.
فكرة الحلف التي وإن لم تعط لحد الآن ثمارا و تجسيدا لمبدأ التعامل الإقليمي، في جانبها العسكري، أبرزت ضرورة التعاون بين دول المغرب العربي و الساحل الإفريقي التي يربطها الانتماء الجغرافي الواحد الذي طالما دعمها في العديد من الأزمات منذ القدم، ما يحول دون تأثير الحساسيات السياسية بين دول المغرب العربي على نجاح مشروع المبادرة الجزائرية.

وهذا ما يؤكده الدكتورquot; بوزيد بومدين quot; الباحث الجزائري و المختص في دراسة الجماعات الإسلامية في لقاء مع quot;إيلافquot;، إذ يرى أن quot;المغرب يدرك اليوم جيداً ان إرهاب التسعينات في الجزائر من القرن الماضي لحقته شرارته، بعدما أعتقد أنه في منأى عن ذلكquot;، و هو ما دفع المغرب والجزائر إلى التعاون الذي أثمر عن تسليم بعض الإرهابيين الذين فرّوا نحو المغرب وكذا الشأن بالنسبة إلى الجزائر، كما لعب تبادل المعلومة الأمنية في القضاء وتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية النائمة.

على الرغم انّ الخلافات السياسية بين الدول المغاربيّة لم تشكّل عائقا أمام التنسيق للتصدّي لخطر القاعدة ، إلا أنّ تفاوض الغربيين مع القاعدة واستعدادهم لتقديم الفدية قد يعقّد من مهمة القضاء على الارهاب في منطقة المغرب والساحل

الفكرة التي تطفو حسب الإعلامي الجزائري و الخبير في شؤون الجماعات المسلحة quot;عبد النور بوخمخمquot;، إلى محاولة البحث عن آليات ووسائل جديدة للتنسيق والتعاون في الحرب على الإرهاب من خلال التبادل السريع للمعلومات الاستخباراتية الميدانية وتلك ذات الطابع الأمني والقضائي، وتنسيق تدخلات عسكرية عملياتية مباشرة ومشتركة، وتبادل الخبرات والتجارب التي حصلتها كل دولة في هذا الخصوص.

ويؤكد quot;بوخمخمquot; في حوار مع quot;إيلافquot; على أن quot;التعاون الأمني ما بين دول المغرب العربي لم يتوقف يوما، ولم تؤثر فيه الخلافات السياسية الموجودة ما بين هذه الدولquot;، بالإضافة إلى quot;عدم متاخمة المغرب جغرافيا للشريط الصحراوي الذي يعرف تنقل ونشاط الجماعات الإرهابية، ما يجعل الخلافات ما بين المملكة المغربيّة والجزائر عديمة التأثير في الحرب الميدانية ضد القاعدة في منطقة الساحلquot;، معيبا في السياق ذاته على دول جنوب الصحراء غياب الإرادة السياسية للتجاوب كليا وبصدق مع التزامات هذه الحرب.

وأشار الخبير الجزائري quot;عبد النور بوخمخمquot; إلى الدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه القوى الغربية التي تحظى بنفوذ تقليدي وأوراق ضغط كبيرة لدى دول وحكومات دول المنطقة، لدعم الجهود الذاتية لدول المنطقة لمكافحة الإرهاب، ولعلّ ما جرى مؤخرا من صفقات تورطت فيها حكومات غربية في دفع أموال ضخمة للقاعدة وضغطها على مالي وموريتانيا لإطلاق سراح إرهابيين كانوا محتجزين فيها، كل ذلك يطعن بوضوح في مصداقية وجدية تلك القوى الغربية في محاربة الإرهاب.

من جهته استبعد الدكتور quot;بوزيد بومدينquot; الباحث الجزائري في شؤون الجماعات الإسلامية أن تعرف المبادرة الجزائرية نجاحاً ما دام بعض دول الساحل هي في الأصل خاضعة لهيمنة سياسية وعسكرية من طرف الغربيين خاصة فرنسا، كما أن طبيعة الصراع السياسي التقليدي في بعض مناطق الساحل، أصبح فضاء لزيادة تفريخ الجماعات المسلحة، مثل مالي التي تعاني صراع السلطة المركزية مع شماله.


أما بخصوص الرؤية التي يتبناها البعض في تدخل فرنسا أمنياً في الساحل الإفريقي، فيؤكد الباحث الجزائري بومدين أنها quot;لن تكون مجدية، هذا إذا عرفنا أن التجربة التدخلية الأمنية تمتاز بها الولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأولى إلا أنهاما زالت تشكو نقصا في أفغانستان، ولذلك يبقى أمام دول الساحل الأخذ بالتجربة الجزائرية في تتبع المعالجة أمنياً ـ أي مكافحة القاعدة ورفض التفاوض نهائياً في مسائل الفدية وتبادل إطلاق سراح السجناء مع المختطفين، والمعالجة السياسية بالذهاب نحو المصالحة وتشجيع الإرهابيين الراغبين في التوبة والتخلّي عن العمل الإرهابيquot;.

كما يشير الباحث الجزائري إلى أن التفاوض مع تنظيم القاعدة وخرق الاتفاقات المشتركة ودفع الفدية تهدف إلى تنامي ثلاث قوى إجرامية تهدّد الساحل الإفريقي ودول المغرب العربي بصفة عامة وتتمثل في ما يلي:
القاعدة وتحول عناصرها نحو هذه المنطقة، قادمين من بلدان أخرى تشتد فيها القبضة الأمنية، أي أنّ المنطقة ستكون أمام تعدد جيوب القاعدة وتنوع جنسياتها، و يتهم quot;بوزيد بومدينquot; بعض الدول الغربية على أنها ترى في ذلك مصلحة إستراتيجية في المنطقة، وبالتالي يمكن فهم التسرع في دفع الفدية على أنها ليست عملية بريئة.

ثانياً تنامي الإجرام التهريبي وتجارة المخدرات، وهو يغذي طبعاً العمل الإرهابي ويتغذى منه هو كذلك، لما يوفّره له من حماية وشغل القوات الأمنية بالجماعات المسلّحة أكثر من متابعة جماعات التهريب والمخدّرات.

وثالثاً، الهجرة السّرية نحو الجزائر والمغرب بالخصوص، ستزداد ليس نظراً للظروف الاجتماعية فحسب ولكن أيضاً لانعدام الاستقرار الأمني، ودول شمال إفريقيا تلعب دوراً في منع تسربها نحو أوروبا، وهو جهد على هذه البلدان المغاربية أن تدخله في عملية المشاورة والمفاوضات حول طريقة مكافحة الإرهاب والسعي نحو منع الفدية.

معاهدة الجزائر في آذار / مارس 2010 تضمنت quot;اتفاق شرفquot; من الموقعين عليهالمحاربة laquo;القاعدةraquo;

ويخلص الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية إلى القول إنّ quot;الغياب المستمر لتنسيق أمني فعال ومشترك وجاد بين دول منطقة الساحل الإفريقي - التي معظمها يعيش سواء بين الطموحات والأوهام أو تحت الضغط والتهديد ndash; من طرف الغربيين و كذا القاعدة، يبقى حجرة عثرة أمام تحقيق أي تقدم في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة وهو ما يجب على هذه الدول إدراكه واستيعابه و بالتالي الإسراع في مراجعة عاجلة لسياساتها الأمنيةquot;.