تتزايد المخاوف يوما بعد يوم في الصومال والدول المجاورة له من إمكانية سيطرة حركة الشباب المتشددة على مقاليد الحكم في هذا البلد الإفريقيّ الذي مزقته الحروب والنزاعات والفقر. ويعتبر هجوم كمبالا الذي تبنته حركة الشباب متناغما مع مبايعة quot;الشبابquot; لتنظيم القاعدة والخروج من عباءة المحليّة.

بالرغم أنّ حركة الشباب الصومالية تأسّست في العام 2004، إلا انّ صيتها ذاع اعلاميّا في العام 2007 أي مع تكثف نشاطاتها المسلحة في الصومال

مقديشو: بدت دعوة اوغستين ماهيغا مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى الصومال والمتعلقة بزيادة ضخمة في الدعم العسكري للحكومة الصومالية المحاصرة، من قبل المقاتلين الإسلاميين المتشددين، اعترافا ضمنيا من طرف المجتمع الدوليّ بالمخاطر الجمّة المحدقة بهذا البلد الإفريقي المضطرب.

وتأتي دعوة مبعوث الأمم المتحدة تزامنا مع تكثّف جهود حركة الشباب الصوماليّة المتشددة الهادفة إلى إسقاط الحكومة.

وبات واضحا أنّ الخطر الأساسيّ الذي يهدّد الحكومة الصوماليّة الحالية الضعيفة هو الجماعات المسلحة الإسلامية وأبرزها quot;حركة الشباب المجاهدينquot; التي باتت تسيطر على أجزاء مهمّة من الصومال والعاصمة مقديشو وتسعى إلى إخضاع ما تبقى من الأراضي الصومالية لسلطانها ومن ثمة تطبيق الشريعة الاسلاميّة.

ومنذ أشهر قليلة، أعلنت الأمم المتحدة أن الاعتداءات التي تمارسها حركة الشباب المجاهدين تظهر أنها لم تعد تشكّل خطرا على الصومال لوحده، بل أضحت تشكل تهديدا خطيرا للأسرة الدولية ككلّ.

النشأة والقيادة:

تأسست حركة الشباب الصومالية في العام 2004، بالرغم من أنّ تداول اسمها إعلاميا لم يظهر سوى في العام 2007 أي مع تكثف نشاطاتها في الصومال مستغلة الوضع الفوضوي الذي يعيشه هذا البلد الإفريقي منذ سقوط الحكومة المركزية في 1991.

وتحمل هذه الحركة الجهاديّة عدة تسميات من قبيل quot;حركة الشباب الصوماليةquot; أو quot;الشباب المجاهدونquot; أو quot;حركة المجاهدينquot; أو quot;حركة الشباب الإسلاميquot; أو quot;حركة الشباب المجاهدينquot; أو quot;جناح الشبابquot; أو quot;الشباب الجهاديquot; أو quot;وحدة الشباب الإسلاميquot;.

وظلّ عدد من المتابعين يعتقد أنّ quot;الشباب المجاهدونquot; هي إلى اليوم الجناح العسكري للمحاكم الإسلامية التي استولت على أكثرية أراضي الجنوب الصومالي في النصف الثاني من العام 2006.

إلا أنّ هزيمة المحاكم أمام مسلحي الحكومة الصومالية المؤقتة المدعومة من طرف الجيش الإثيوبي وانسحاب قيادتها خارج الصومال، وتحالفها مع المعارضة الصومالية في مؤتمر أسمرا المنعقد في سبتمبر/ أيلول 2007، كانت سببا وراء انشقاق حركة الشباب الصومالية عن المحاكم متهمة إياها بـquot;التحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل اللهquot;.

وقاد آدن حاشي عيرو المكنى أبو حسين الأنصاري الحركة إلى أن قتل في قصف جوي أميركي في الواحد من مايو/ أيار 2008، وهو في بيته في مدينة طوسمريب الواقعة وسط الصومال التي تبعد 500 كلم شمال مقديشو.

ومن بين من قتل معه وزير الصحة السابق في عهد المحاكم الإسلامية في الصومال محيي الدين محمد عمر، وكان آدن حاشي مطلوبا من أميركا لاتهامها إياه بالضلوع سنة 1998 في تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام، ومن أبرز قيادات حركة الشباب الصومالية كذلك، الناطق الرسمي باسمها الشيخ مختار روبو المكنى أبا منصور.

وتعتبر حركة الشباب المجاهدين الصومالية حركة سلفية جهادية تكفيريّة، تسعى إلى إقامة دولة إسلامية، ولا تتوانى في وصف الحكومة الصومالية المؤقتة بالمرتدة في بياناتها وأدبياتها.

وتصف التقارير الغربية الحركة بأنها quot;عضو في التنظيمات الجهادية السلفية العالميةquot; التي يوجد فيها مسلحون لا من الصومال فقط بل من دول عربية وإسلامية شتى، وتستغل حركة الشباب الصومالية شبكة الإنترنيت لنشر بياناتها وتسجيلاتها في الفيديو التي توجد في أغلب الأحيان في مواقع ذات صبغة سلفية جهادية.

وباتت حركة الشباب الصومالية أقوى فصيل صومالي مسلح منذ القضاء على المحاكم الإسلامية.

حركة الشباب المجاهدين الصومالية هي حركة سلفية جهادية تكفيريّة، تسعى إلى إقامة دولة إسلامية، ولا تتوانى في وصف الحكومة الصومالية المؤقتة بالمرتدة

ويقدر عدد عناصر الحركة بين 3000 و 7000 مقاتل وربما يتجاوز عددهم هذه الارقام بكثير.

ويُعتقد أنهم يتلقون تدريبهم في إريتريا حيث يقيم المسلحون لمدة ستة أسابيع في دورة أساسية يكتسبون خلالها مهارات حرب العصابات واستعمال المتفجرات، في حين تشير تقارير أخرى إلى أنّ قادة الحركة تلقوا تدريبهم على أيدي تنظيم القاعدة في أفغانستان وأنّ بعض مسلحي quot;الشبابquot; قاتلوا في لبنان في حرب يوليو/ تموز 2007 إلى جانب قوات حزب الله.

وتوصف عمليات الحركة العسكرية بأنها تعتمد quot;الطريقة العراقيةquot; من تفجير عبوات مزروعة في الطرقات، وسيارات مفخخة وعمليات قصف مدفعي ومؤخرا العمليات الانتحاريّة.

وتسيطر الحركة على عدد من المدن الصومالية مثل مدينة بيداوا وبولو بوردة وأبادو ومحلة قاسا هديري ومدينة جوهر وأحياء مهمة من العاصمة مقديشو.

أما وزارة الخارجية الأميركية فقد صنفت quot;حركة الشباب الصوماليّةquot; في قرار صادر في 29 فبراير/ شباط 2008 على أنها quot; حركة إرهابيةquot; وأنها quot;مجموعة متطرفة عنيفة ووحشية تنتمي لتنظيم القاعدةquot;، وأعلنت واشنطن بالمقابل تجميد أموال الحركة في الولايات المتحدة.

كما قدّمت الولايات المتحدة دعما جويا للقوات الحكومية والإثيوبية بقصف مقرات الحركة مطلع 2007 بواسطة سفينة تابعة للجيش الأميركي كما قصفتها أيضا في يونيو/ حزيران 2007، وفي ديسمبر/ كانون الأول من السنة نفسها. وقد قتل قائد الحركة في قصف أميركي.

العلاقة مع تنظيم القاعدة

أعلنت حركة quot;الشباب المجاهدينquot; الصومالية عن تحالفها مع تنظيم القاعدة مطلع العام الحالي 2010 ، وأعلنت الحركة عن ذلك الانضمام في بلاغ رسميّ لها تداولته وسائل الإعلام والمواقع الالكترونّية، وجاء فيه تأكيد صريح على quot;أن الجهاد في القرن الإفريقي يجب أن يكون جزءا من الجهاد الذي يخوضه مجاهدو تنظيم القاعدة على المستوى العالميquot;.

واعتُبر البيان قطعا نهائيا مع مرحلة النفي والتستّر التي مارستها الحركة المتشددة وقياداتها تجاه هذا الموضوع، إذ ظلّ quot;الشبابquot; ينفون الاتهامات الأمريكية والغربيّة لهم بالارتباط بتنظيم القاعدة.

كما جاء في بيان quot;المبايعةquot; أن quot;الشباب المجاهدونquot; اتحدوا مع جماعة إسلامية مسلحة ومتشددة أخرى تدعى quot;كامبونيquot; متمركزة في مدينة كامبوني التي تقع جنوب الصومال والتي انفصلت منذ فترة قصيرة عن الجماعة الإسلامية المسلحة الصومالية.ويتزعم جماعة كامبوني حسن تركي الذي تتهمه الولايات المتحدة بتمويل أنشطة إرهابية.

وجاء في بيان حركة الشباب أيضا أن الحركة تسعى إلى توحيد جميع المقاتلين الإسلاميين من اجل إقامة دولة إسلامية.

الهجوم الارهابيّ الذي استهدف جماهير رياضيّة في كمبالا الأوغنديّة وتبنته حركة الشباب يعكس رغبة من الجماعة للخروج من عباءة المحليّة.

وكان زعيم حركة الشباب المجاهدين محمد عبدي غوداني قد أعلن في نهاية 2009 عبر تسجيل مصور ولاءه لأسامة بن لادن، إلا أن الحركة ظلت منقسمة حول هذا الأمر بين جناح متمسك بجدول عمل سياسي محلي وجناح أكثر تطرفا يرفض أي تسوية سياسية ويريد الانخراط تحت لواء تنظيم القاعدة.

إلا أنّ زعيم الجناح المتشدد شيخ فؤاد محمد شانغول وزعيم الجناح التقليدي شيخ مختار روبو الملقب بابي منصور وقّعا معا الاتفاق في بيداوه، وأضحت بالتالي حركة quot;الشباب المجاهدينquot; فرعا للقاعدة في الصومال.

ومنذ الالتحاق رسميّا بتنظيم القاعدة الإرهابي، خرجت quot;حركة الشباب المجاهدينquot; الإسلامية في الصومال من عباءتها المحلية، لتبحث عن دور أكبر في الإقليم، أي في منطقة القرن الإفريقي، خصوصا بعد أن أعلن المتحدث باسم الحركة صراحة أنهم سيرسلون quot;مقاتلين لدعم أخوانهم في تنظيم القاعدة باليمنquot;.


انتهاكات بالجملة

استنادا إلى الفهم المتشدّد للدين الصادر عن مقاتلي حركة الشباب الصوماليّة، كان متوقّعا أن تفرض الحركة المسلحة أحكام الشريعة فور تمكنها من السيطرة على بعض المدن والأحياء في العاصمة مقديشو، إذ تسيطر الحكومة الصومالية على شطر من العاصمة بينما تسيطر حركة الشباب والحزب الإسلامي على أحياء من العاصمة وضواحيها.

وبدأت حركة الشباب منذ يونيو/حزيران 2009، في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وكانت البداية لمّا أمر أحد مسئولي الحركة بقطع أيدي وأرجل أربعة مراهقين من خلاف تطبيقاً لـquot;حد الحرابةquot;، أي قطع الطريق واستخدام السلاح في السلب.

يعمد مسلحو حركة quot;الشبابquot; إلى توقيف النساء اللواتي تبدو صدورهنّ مشدودة، ثم يقوم ملثمون بجلدهنّ علنا لكي يخلعن المشدات ويتركن صدورهن بشكلها الطبيعي.

كما نفذ عناصر الحركة أحكاماً بالرجم على quot;الزناة المحصنينquot; وقاموا كذلك بجلد غير المحصنين من الرجال والنساء، والسماح لذوي المقتولين بتنفيذ أحكام الإعدام في قتلتهم، كما أمروا النساء بالتحجب الكامل والرجال بحف الشوارب وإطلاق اللحى.

هذا ويعمد مقاتلو quot;الشبابquot; إلى اعتراض النساءَ في المناطق التي يسيطرون عليها، وثبت أنهم يجلدون من ترتدي منهنّ مشدات للصدر بحجة أن ذلك يخالف الإسلام لانطوائه على غش وتضليل.

وذكر مواطنون صوماليون لوكالات الأنباء أن مسلحين كانوا يطوّقون أي امرأة يبدو صدرها مشدودا، ثم يقوم ملثمون بجلدها علنا. وأمر المسلحون النساء بعد ذلك بخلع المشدات وترك صدورهن بشكلها الطبيعي.

وقالت مواطنة تدعى حليمة لرويترز quot;أجبرنا الشباب على التحجب وفق طريقتهم، وألان يجبروننا على هز صدورنا.quot; وأضافت ان بناتها تعرضن للجلد. وأردفت quot;في البداية منعوا الشكل السابق من الحجاب وجاءوا بأقمشة خشنة تغطي صدور النساء ويقولون ألان ان الصدور يجب أن تكون مشدودة بشكل طبيعي أو مسطحة.quot;

هذا ومنع التنظيم الصوماليّ عرض الأفلام والرنات الموسيقية للهواتف المحمولة والرقص في الأعراس ولعب كرة القدم ومشاهدتها في الوقت ذاته، كما تعرّض المفطرون في رمضان إلى العقاب الشديد من قبل الجماعة التي أعلنت منذ أشهر تحريم تدريس اللغة الانجليزية.

ويعرف عن quot;حركة الشباب المجاهدينquot; عدائها الشديد للإعلام والصحافيين، ورصدت جماعات حقوقية ومنظمات مهتمة بحرية التعبير في أكثر من مناسبة انتهاكات ارتكبها عناصر quot;الشبابquot; ضدّ إعلاميين في الصومال.

وكان مسلحون من الحركة الصومالية استولوا على محطات إذاعية في المدن التي سيطروا عليها، وقام بعضهم باحتجاز المراسلين المستقلين القلائل الذين لم يغادروا البلاد.

وأوضح الأمين العام للاتحاد الوطني للصحفيين الصوماليين عمر فاروق عثمان في تصريحات سابقة العام الجاري، أن الحركة استبدلت محطة يستخدمونها في بث برامجهم في كيسمايو، إضافة إلى استيلائها على محطة أخرى في بيداوا بجنوب غرب البلاد، معتبرا أن هذه quot;حملة على حرية التعبير وقانون الإعلامquot;.

واحتجزت حركة الشباب في باردهيري في إقليم جيدو مدير ومراسل محطة شابلي الإذاعية أحمد عمر صالحي فترة قصيرة، ثم أطلقت سراحه بعد أن طلب منه ألا يبث أي مواد إذاعية عن الحكومة.

كما اعتقلت حركة الشباب أيضا صحفييْن اثنين آخرين في جيدو بجنوب غرب الصومال، واعتقلت ثلاثة صحفيين في جنوب الصومال بسبب اتهامات من بينها أنهم أعلنوا أن شيوخ القبائل طلبوا من الحكومتين الكينية والصومالية التعامل مع غياب الأمن على الحدود المشتركة بينهما. وأفرج عن الصحفيين الثلاثة بعد أيام من احتجازهم وقامت حركة الشباب بترحيل أحدهم وهو محمد صلاد عبدلي المراسل لهيئة الإذاعة الصومالية وراديو صومالوين في مقديشو وبوصاص عن معاقلها.

يعرف عن quot;حركة الشباب المجاهدينquot; عدائها الشديد للإعلام والصحافيين، ورصدت منظمات مهتمة بحرية التعبير في أكثر من مناسبة انتهاكات ارتكبها عناصر quot;الشبابquot; ضدّ إعلاميين.

وقال عبدلي بعد الإفراج عنه بعد ستة أيام قضاها رهن الاحتجاز quot;لقد عذبوني ولا يمكنني أن أخبر حتى أقاربي كيف عاملوني، لقد اعتادوا ضربي وإلقاء القاذورات والماء علي في منتصف الليلquot;.

وسبق لحركة الشباب الصوماليّة أن استولت على مقر إذاعة القرآن الكريم بمقديشو، والتي كانت ملكيتها تعود لوزير الإعلام الصومالي السابق طاهر محمود غيلي، وتمت عملية الاستيلاء عن طريق وصول وحدات من مسلحي الحركة إلى مقر الإذاعة الذي يقع في سوق بعاد ثاني أكبر سوق في مقديشو بعد سوق بكارو والذي يخضع لسيطرة المسلحين الإسلاميين في مقديشو.

كما نالت كلّ من هيئة الإذاعة البريطانيّة وإذاعة quot;صوت أميركاquot; نصيبيهما من المضايقات، إذ حظرت الحركة المتشددة مكاتب هيئة الإذاعة البريطانية quot;بي بي سيquot; وصوت أمريكا من العمل فى مقديشيو وصادرت جميع ممتلكاتها.

وطالبت الحركة جميع المحطات الإذاعية التي تتعاقد مع البي بي سي وصوت أمريكا لإعادة بث برامجهما بوقفها نهائيًا، وصادرت الحركة هوائي البث الخاص بالبي بي سي ، وأكدت أن هذا التحرك سببه أن المحطتين تعتبران quot;إذاعتين صليبيتينquot; ومعاديتين لمشروع إقامة الدولة الإسلامية في الصومال.

وأطلق مجلس الأمن الدوليّ صيحة فزع بعيد اعتداءات كامبالا الإرهابية التي تبنتها حركة الشباب واستهدفت من خلالها مطعمين في العاصمة الأوغنديّة كامبالا عندما تجمع حشد من الناس لمتابعة المباراة النهائية لكأس العالم في كرة القدم في 11 يوليو/تموز الماضي.

وشكل الهجوم الذي استهدف كمبالا تطورا في آلية عمل الشباب المجاهدين حيث سجل أول عمل بذلك الحجم خارج الصومال ، الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه محاولة لأن تصبح الحركة بمثابة الممثل المعتمد للقاعدة في إفريقيا الشرقية.

وذكر تقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي أنّ اعتداءات كمبالا التي تبنتها حركة الشباب الصومالية بعد ذلك، كشفت للمرة الأولى الإمكانيات التي يمتلكها الشباب لتخطيط وتنفيذ اعتداءات خارج حدود الصومال وضد بلدان ومجموعات تهدد عقيدتهم التمردية المتطرفة.

وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى ضرورة أن تعمل الحكومة الفدرالية الانتقالية بشكل سريع بوصفها مؤسسة تتمتع بصدقية وعليها معالجة الحاجات المالية الطارئة لقوة الاتحاد الإفريقي.