قال الدكتور ضياء رشوان الخبير في شؤون الجماعات الإسلاميةفي حوار مع quot;إيلافquot;إن حادث التفجير الذي وقع أمام كنيسة القدّيسين في الإسكندرية، نفذته مجموعة مصرية تشكلت حديثاً بفعل ما وصفه بquot;التجنيد الذاتيquot; لصالح تنظيم القاعدة في العراق.


القاهرة:أوضح الدكتور ضياء رشوان، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية في حوار مع quot;إيلافquot; أن المجموعة التي نفذت اعتداء الاسكندرية الاخيرة خرجت من رحم الإحتقان الطائفي في مصر، ووجدت في تهديدات القاعدة في العراق فرصة لتنفيذ ضربة قوية ضد أهداف مسيحية. واستبعد رشوان الذي يشغل منصب نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية تورط الموساد الاسرائيلي في الحادث، مشيراً إلى أن الحادث له دلالات اجتماعية وأمنية ودينية خطرة على مصر، و توقع أن يؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين والمسيحيين والدولة، كما تحدث عن بعض الأمور المهمة، وإليكم نص الحوار:

ما تقييمك للحادث بصفتك خبيرا في شؤون الجماعات الإسلامية؟

هذا الحادث فريد وجديد من نوعه في مصر، من حيث عدة زوايا، هي: لم يحدث أن تعرضت دار عبادة سواء مسجد أو كنيسة لهجوم بهذا الحجم، و لم يسقط ذلك العدد الكبير من الضحايا الذي بلغ 23 قتيلاً و79 مصاباً، باستثناء حادث الأقصر الذي وقع في العام 1997، لكنه كان موجهاً للسياح الأجانب، وليس للمسيحيين. كما أن الطريقة التي نفذ بها، فريدة جديدة أيضاً، حيث يقال إنه نفذ بطريقة إنتحارية، فلم تشهد مصر أي عمليات إنتحارية، إلا في العام 1993، خلال محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق حسن الألفي، و لكنها فشلت، ولم يستطع الشاب الإنتحاري إتمامها. فضلاً عن أن المتفجرات المستخدمة حديثة، ومختلفة عما هو معهود، وبالتالي فهو حادث خطر جداً من النواحي الأمنية والدينية والإجتماعية.

من واقع خبرتك، وقراءتك لكل هذه المعطيات، هل لتنظيم القاعدة أو أي من الجماعات الإسلامية علاقة بالحادث؟

هناك الكثير من الإحتمالات، لكني أميل إلى القول، إن هناك مجموعة مصرية، وليست خارجية، تقف وراء الحادث، وهي مجموعة تشكلت أو ولدت من رحم الإحتقان الطائفي، الذي يتزامن مع بروز السلفية في مصر خلال الفترة الأخيرة، وظهور نوع من التشدد المسيحي، وكلاهما يتركز في الإسكندرية. والتقطت تلك الجماعة الرؤية الطائفية التي تتبناها القاعدة في العراق، وهي أسوأ نموذج لتنظيم القاعدة في العالم أجمع، حيث تتعامل مع الأمور من منظور طائفي، وليس سياسيا.

ومن الأرجح أن هذه المجموعة اكتسبت خبرات خارجية في طريقة العمل، من حيث التخطيط، والتعامل مع المتفجرات المستخدمة في الحادث، التي تتطلب خبرة في تصنيعها والتعامل معها، وليست تلك الخبرة متوافرة في مصر. وإذن نحن أمام عملية نقل خبرة في العمليات الإرهابية، قد تكون عملية النقل تمت من خلال الإتصال المباشر أو من خلال شبكة الإنترنت.

معنى ذلك أن هناك خلايا تابعة للقاعدة في مصر، لكنها كانت خاملة، وقررت استثمار مناخ الإحتقان الطائفي والقيام بعمليات إرهابية؟

لا أعتقد ذلك، إذ يبدو لي أن المجموعة المنفذة للعملية، تم تشكيلها حديثاً، لأنها غير مسجلة لدى الأمن، وليست لديه أي معلومات عن أعضائها، وليست مسجلة أمنياً. كما أنه لا يوجد منظمة جامعة لquot;القاعدةquot;، بل توجد عدة منظمات تحمل اسم القاعدة، ويعتبر كل من أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري الممثلين لquot;القاعدةquot; الأم، والأخير هو الوجه الإعلامي لها، وهذا الرجل مصري، ويخرج من حين لآخر، ليلقي خطابات أو رسائل، ويتحدث فيها كثيراً عن مصر، وتكون تعليماته أو تحريضاته ضد النظام الحاكم والأهداف الأميركية، ولو كان هناك اتصال به، لما ضربت الكنيسة، لأنه لم يحرض ضد الأقباط أبداً.

الأرجح أن الإحتقان الطائفي الذي تعيشه البلاد دفع بعض الشباب إلى تبني فكر quot;القاعدةquot; في العراق، وضرب أهداف مسيحية، بالتزامن مع إطلاقها تهديدات بضرب الكنائس المصرية، ولم تكن هناك مجموعات موجودة بالفعل، ولكنها نائمة أو خاملة، وجرى تحريكها، وإنما تشكلت بما يعرف بquot;التجنيد الذاتيquot;، وهو النموذج الشائع لتجنيد المنظمات الإرهابية لصالح quot;القاعدةquot;، وبدأ ذلك بquot;القاعدةquot; في العراق بزعامة أبي مصعب الزرقاوي، الذي كان يتزعم جماعة تدعى quot;التوحيد والجهادquot;، ووجه دعوة إلى أسامة بن لادن في ديسمبر من العام 2004، طلب فيها أن يقبله عضوا في تنظيم القاعدة، وتكرر السيناريو نفسه مع quot;القاعدةquot; في الجزائر التي كانت يطلق عليها quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot;، حيث وجهت خطاباً إلى أسامة بن لادن في العام 2006، كي يقبلها عضواً في القاعدة.

وكذلك الحال مع جميع الجماعات التي تحمل اسم quot;القاعدةquot; في العالم، وقد يضع بعضها اسم القاعدة على أعمالها دون أن يكون هناك اتصال مباشر أو غير مباشر مع القاعدة المركزية، وتتم عمليات التجنيد الذاتي، بسبب الأوضاع السيئة في الدول التي تولد فيها تلك المنظمات مع تنامي ظاهرة التشدد الديني.

اختارت المجموعة المنفذة للعملية توقيتاً حساساً، يتزامن مع الإحتفال بأعياد الميلاد، في تكرار واضح لما حدث العام الماضي في نجع حمادي، هل هناك دلالات أخرى لهذا التوقيت؟

اختيار التوقيت رهن بأهداف العملية، وفي كلتا الحالتين، وكان الهدف هو إلحاق الأذى بأكبر عدد من المسيحيين. ومن ثم فإن المنفذين اختاروا توقيت الصلاة في الكنيسة، وفي مناسبة العيد، لضمان قتل وإصابة أكبر عدد من الضحايا.

أعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم quot;جماعة المجاهدين الإلكترونيةquot; مسؤوليتها عن الحادث، هل لديك أي معلومات عن تلك الجماعة؟

قرأت البيان الذي أطلقته تلك الجماعة، وهو ليس quot;بيان مسؤوليةquot;على الإطلاق، لأن بيان المسؤولية لابد وأن يتضمن معلومات، منها: اسم منفذ العملية، كيفية التنفيذ، الهدف منها، الاسم الخاص بالعملية. لكنه كان بيان تحية إلى منفذ العملية، وليست هناك جماعة بهذا الإسم، كما أنه كان منشوراً على منتدى، وبامكان أي شخص أن ينشره.

قيل إن الموساد الإسرائيلي متورط في الحادث، هل تؤيد ذلك القول؟

حالياً، من الصعب الجزم بهوية منفذ العملية ومن يقفون خلفه. وأنا أميل إلى عدم القول إن الموساد وراء الحادث، رغم أني كنت وما زلت أرى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على علاقة مباشرة بالتفجيرات الثلاثة التي وقعت في سيناء، ولدي الكثير من الأدلة، منها أن التفجيرات نماذج مثالية للعمل الأمني، ولم تعلن أية جهة أو جماعة مسؤوليتها عنها.

اضافة إلى أن أيمن الظواهري أطلق 150 خطاباً خلال الفترة من 2004 وحتى الآن، لكنه لم يذكر في أي منها تلك التفجيرات، رغم أنه تحدث عن كل شيء في مصر، و رغم أنها كانت تحمل حسب لغته شهداء مسلمين، وقتلى من العدو الإسرائيلي و الأميركي. ما يؤكد أنه لديه شك في أن من فعلها غير إسلامي، ويخشى أن يقدم له التحية، وتكشف الأيام تورط جهة أجنبية فيها، على الأرحج هي اسرائيل.

أما حادث كنيسة القديسين في الأسكندرية، فلا أظن أن اسرائيل متورطة فيه بأي شكل من الأشكال. لأن الحادث كان من الممكن أن تكون له تبعات خطرة جداً قد تخلق حالة اضطراب في مصر. ليس من مصلحة اسرائيل زعزعة الإستقرار في مصر، خاصة أن ذلك الحادث من الممكن أن يقوي أعداءها الإسلاميين. وهناك تخوف اسرائيلي من وضع أيديها في الشأن المصري بهذه الطريقة الخطرة، وفي حالة كشفها، ستكون لها تداعيات خطرة على العلاقات بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي.

هل تشهد المرحلة المقبلة المزيد من العمليات الإرهابية في مصر؟

لدي قناعة راسخة بأن أحداً في العالم لم يساهم في إنجاح فكر quot;القاعدةquot; والتجنيد الذاتي لها، سوى السياسة الأميركية السيئة تجاه الدول الإسلامية والعربية خاصة في أفغانستان، والعراق، وفلسطين، وطالما بقيت السياسة الأميركية على حالها تجاه العالم العربي والإسلامي، ستظل احتمالات القيام بعمليات جديدة قائمة في مختلف أنحاء العالم. لكن الأمر في مصر مختلف تماماً، حيث إن فداحة الحادث الأخير، قوبلت برفض مجتمعي عارم، وأدى إلى تنبيه الأجهزة الأمنية بقوة، ما قد يمنع تكراره مرة أخرى، وسيظل احتمال وجود أو ولادة مجموعات صغيرة قائماً.

في إعتقادك، ما تأثير الحادث على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر خلال الفترة المقبلة؟

أدى إلى زيادة التوتر والإحتقان بين الطرفين، خاصة أنه كان بمثابة المفجر الذي أدى إلى تفجير القنبلة بكل ما فيها، فقد ساهم الحادث في تفجير أو فتح كل الملفات والمشاكل التي كانت وما زالت عالقة منذ سنوات طويلة. ولن تكون العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، أو العلاقات بين المسيحيين والدولة كما كانت في السابق أبداً.

وما السبيل إلى القضاء على حالة الإحتقان الموجودة لدى المسيحيين؟

الأزمة الحقيقية في مصر، ليست في المسيحي والمسلم، بل في المصري، فرغم اعترافنا، بأن الأقباط لديهم مشاكل خاصة في بناء الكنائس وتولي بعض الوظائف القيادية في بعض مؤسسات في الدولة، إلا أن المشكلة الأعمق هي أن الغالبية المسلمة التي حصلت على حقها في إقامة المساجد محرومة أيضاً من التمتع بحقها في تولي الوظائف القيادية في كافة المؤسسات، حيث صارت حكراً على فئة أو شريحة اجتماعية معينة، إذن فكلاهما يعاني مشاكل عامة.

ولو سمحت الدولة للمسيحيين بالإلتحاق بالوظائف التي يريدونها، لن تصل إلا للفئة أو الشريحة الإجتماعية المسيطرة عليها فعلياً. فالأزمة تتمثل في التمييز الإجتماعي ضد المصريين بصفة عامة وليس المسيحيين فقط، ولن تحل المشكلة العامة، بوضع حلول للمشكلة الخاصة، إننا في حاجة إلى توزيع عادل للثروة وإقرار للديمقراطية وتداول سلمي للسلطة. وفي إعتقادي أن الدولة هي صانع المشاكل، وهي القادرة على صنع المساواة.