تتجه الأنظار في بيروت لمعرفة موقف السعودية من تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة، وكذلك خسارة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري فرصة تشكيل حكومة جديدة، فيما انشغلت وسائل الإعلام المعارضة في لبنان للحديث عن استطلاع أجرته إيلاف لشخصيات سعودية.




فيما كانت الأنظار تتابع ما يجري على الأرض في طرابلس وصيدا والبقاع وبيروت في quot;يوم الغضبquot; الذي دعت إليه قيادات وأنصار quot;تيار المستقبلquot; بالتزامن مع مضي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس الذي سيكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، كانت التساؤلات في الدوائر الرسمية والأوساط السياسية تتركز على معرفة الموقف السعودي مما يجري، خصوصاً أن كلاً من المرشحين اللذين يخوضان معركة الظفر بمهمة التكليف، رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على علاقة طيبة مع القيادة السعودية وإن كان الأول يحظى باهتمام خاص من قبل هذه القيادة منذ اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري.

لم يتوقع المتسائلون أن يصدر موقف رسمي سعودي بهذا الخصوص لعلمهم بحرص المملكة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبنان، لذلك راحوا يرصدون ما ينشر من تصريحات وتحليلات تتناول هذا الموضوع. فتوقفوا أولاً عند المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديمقراطي سابقاً ورئيس جبهة النضال الوطني حالياً، بعد أن فرط عقد الأول بفعل الخلاف الذي نشأ بين عدد من أعضائه غير المنتمين الى الحزب التقدمي الاشتراكي حول تسمية الرئيس المكلف، فاختاروا دعم الحريري خلافاً لقرار جنبلاط ورفاقه في quot;النضالquot; الوقوف الى جانب ميقاتي.

في هذا المؤتمر الذي أكد فيه جنبلاط موافقة الحريري على التسوية التي توصلت اليها القيادتان السعودية والسورية بمتابعة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الدكتور بشار الاسد والمتضمنة إلغاء بروتوكول المحكمة الناظرة في جريمة اغتيال الحريري ووقف تمويلها وسحب القضاة اللبنانيين منها. رأى الساعون الى سبر أغوار التوجه السعودي أن الزعيم الدرزي الذي تربطه علاقة جيدة مع العاهل السعودي عمرها سنوات، ومجدداً مع الرئيس السوري ما كان ليتخذ هذا الموقف سواء بما يتعلق بمسألة التكليف أو الكشف عن جانب أساسي من التسوية المذكورة لو لم يكن على دراية بأن ما يفعله لن يشكل إزعاجاً للمملكة.

جنبلاط لم يتوقف عند هذا الكلام فقط، إذ سئل عشية بدء الاستشارات النيابية الملزمة ما إذا كان قرار النائب في كتلته رجل الاعمال نعمة طعمة بالوقوف الى جانبه يشكل إشارة أخرى الى عدم ممانعة الرياض في تسمية ميقاتي فأجاب بنعم، خصوصاً أن لطعمة مصالح واسعة في السعودية وقد زارها قبل أيام كما فعل وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي (حليف ميقاتي) الذي سماه لتشكيل الحكومة المقبلة في مواجهة مرشح قوى 14 آذار الرئيس سعد الحريري والتي كان الصفدي جزءاً منها.

من هنا قال رئيس مجلس النواب نبيه بري ورداً على سؤال عن موقف المملكة مما يجري في لبنان بعد فوز ميقاتي بغالبية الأصوات لتشكيل الحكومة المقبلة بأن متابعته للزيارات التي قام بها نواب الى الرياض وتأييد هؤلاء لميقاتي بعد عودتهم منها بالنسبة إليه أشارت إلى رضى المسؤولين السعوديين لهذا الاختيار.

لم تكد ساعات قليلة تمضي على القراءة السياسية في quot;الفنجانquot; والتي أفضت في نظر القارئين الى وجود موافقة سعودية على مجيء ميقاتي خلفاً للحريري حتى جاء ما يدعم قراءتهم هذه عبر موقع quot;ايلافquot; الذي هرعوا إليه قبل يومين بعد أن أخذت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة التابعة لقوى 8 آذارومنها تلفزيون quot;الجديدquot; وquot;المنارquot; والـ quot;أن.بي.أنquot; وإذاعة quot;النورquot; وquot;صحيفة الاخبارquot; تذيع في مقدمة نشراتها الإخبارية ما تضمنه الاستطلاع الذي أجرته quot;إيلافquot; ونشرته أول من أمس وشمل 150 شخصية سعودية من كل الأطياف والتوجهات أجمعت في غالبيتها على أنها لا ترى في الرئيس الحريري ممثلاً وحيداً للسنة في لبنان. وأبرزت هذه الوسائل مقتطفات مما قاله المستفتون وبينهم أعضاء سابقون وحاليون في مجلس الشورى السعودي ومحللون سياسيون وأساتذة جامعيون وإعلاميون وأكاديميون وكتّاب وشعراء ومخرجون ورياضيون وفنانون مع التركيز بصورة خاصة عند العنوان الذي طلعت به quot;ايلافquot; والقائل إن الغالبية الساحقة من استطلاعها لا ترى في الحريري ممثلاً شيئاً، وقولها إن النخب السعودية تبدي رأيها في الأزمة اللبنانية مشيرة الى أن الغالبية اختلفت حول الموقف السعودي الأخير لجهة خطوة الملك عبد الله بن عبد العزيز رفع يد المملكة عن الملف اللبناني. ولافتة الى أن هناك شبه إجماع على أن الحريري لا يمثل وحده السنّة في لبنان، ولا يعتبر زعيماً سنياً في نظر الكثير منهم. أما صحيفة quot;الاخبارquot; فعرضت لما اوردته quot;ايلافquot; بالقول إن هذا الموقع الالكتروني يتمتع بعلاقات جيدة مع الامراء السعوديين.

لم تكن قنبلة quot;إيلافquot; على حد وصف نائب في quot;حزب اللهquot; حاول الاستفسار من كاتب هذه السطور عن مراميها تدوي على الساحة السياسية حتى طلعت صحيفتا quot;الشرق الأوسطquot; وquot;الحياةquot; السعوديتان بمقالتي تحاكيان بشكل أو بآخر ما جاء في quot;إيلافquot;، الأول لعبد الرحمن الراشد والثاني لداوود الشريان اللذين انتقدا بقسوة نزول quot;تيار المستقبلquot; الى الشارع الذي طالما كان ينتقد الآخرين وخصوصاً quot;حزب اللهquot; على استخدامه سلاحاً لترهيب خصومه، كما لم يوفرا الحريري لطريقة تعامله مع خسارته منصب رئاسة الحكومة حيث قال الراشد إن على الحريري أن يمد يده الى رئيس الحكومة الجديد نجيب ميقاتي لأنه أضحى رئيس وزراء شرعياً بالإضافة الى كونه منافساً محترماً. أما الشريان فاعتبر أن سعد الحريري quot;ماضquot; في استعذاب التجربة الفلسطينية التي كرست دور quot;حماسquot;، وهو اليوم يكرس دور quot;الحزبquot; بوسائل حزبية، وربما خسر الحريري قضية بخسارة البلد برمته. وعوضاً من أن تكون المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باباً لمرحلة جديدة تصبح وسيلة لدمار لبنان وquot;تمزيقهquot;.

هذا ونفى الراشد لـ quot;إيلافquot; التفسيرات التي أعطتها وسائل إعلام لبنان بما كتبه والشريان موضحاً أن لا علاقة للرأي الذي أبدياه بالموقف السعودي الذي يستطيع أن يعبر عن نفسه، لافتاً الى أن ما كتبه إنما يعكس الأجواء المعاشة.
أمام هذه quot;الهجمة السعوديةquot; على الرئيس الحريري كما وصفتها اوساط المعارضة رد وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال حسن منيمنة بالقول quot;إن الكلام عن أن السعودية تخلت عن الرئيس الحريري ليس صحيحاً بالمطلق. وخلال هذه الفترة سنسمع كلاماً كثيراً ولكن هذا الكلام كله لتضليل الرأي العام ولكي يفرض فريق معين رأيه على كل اللبنانيينquot;.

لم تكد عملية التنقيب اللبناني عن الموقف السعودي تهدأ بعض الشيء حتى برز ما يستدعي بحث آخر أكثر عمقاً على ما يبدو يتعلق بالتحذير الصادر عن وزارة الخارجية السعودية أمس والذي تنصح فيه الرعايا السعوديين بعدم التوجه الى لبنان في الوقت الراهن، حرصاً على سلامتهم.