جاءت عودة ديفيد غيربي، أول مواطن ليبي يهودي يرجع إلى بلاده منذ الإطاحة بالعقيد الفار معمر القذافي، لإعادة افتتاح معبد دار بيشي، وهو المعبد الوحيد في طرابلس، لأول مرة منذ 44 عاماً، لتشكل تحدياً جريئاً لقادة البلاد الجدد كي يثبتوا التزامهم وتعهدهم بالقيم الديمقراطية التعددية التي يتبنوها، وذلك حسبما أكد غيربي الذي سبق له الفرار إلى روما عام 1967، حين كان يبلغ من العمر وقتها 12 عاماً.

ونقلت عنه صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في هذا الشأن قوله quot; لديك الآن اختبار للمجلس الوطني الانتقالي، لمعرفة ما إن كانوا سينتهجون سياسة تمييزية أو أن ليبيا الجديدة ستكون ديمقراطية حقيقية. وأنا اعتزم استرداد المعبد وإعادة الحياة إليهquot;.

وتابعت الصحيفة بقولها إن القيادة الحالية للبلاد تشتمل على تحالف هش بين ليبراليين تلقوا تعليمهم في الغرب ويميلوا ليكونوا أكثر علمانية، وبين إسلاميين، لم تختبر تعهداتهم المتكررة بالالتزام بالقيم الديمقراطية بصورة كبيرة حتى الآن. ورأت الصحيفة في هذا الإطار أن الطريقة التي ستتعامل من خلالها قيادة البلاد الجديدة مع الأقلية الليبية اليهودية التي تعيش في المنفى من المحتمل أن تساعد في تشكيل الرأي الأميركي والأوروبي عن الحكومة الليبية الجديدة، خاصة وأن استمرارهما في تقديم الدعم سيلعب دوراً محورياً في الوقت الذي تكافح فيه ليبيا لإعادة البناء.

ثم لفتت الصحيفة إلى اشتداد المعارك بين الثوار والقوات الموالية للقذافي في مدينة سرت، وإقدام المئات من سكانها على الفرار من هناك. وفي غضون ذلك، صرّح الجنرال كارتر هام، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، لوكالة الأسوشيتد برس، قائلاً إن مهمة حلف شمال الأطلسي في ليبيا أوشكت على الانتهاء، وقد تبدأ في التقلص في أقرب وقت ممكن خلال الأسبوع القادم، مضيفاً أن القرار سيعتمد على نتيجة الاجتماع الذي سيعقده وزراء حلف شمال الأطلسي هذا الأسبوع في بروكسل.

هذا وقد سبق لقادة ليبيا الجدد أن أخذوا خطوات تاريخية لتمكين الأقليات الأخرى التي تتعرض للاضطهاد منذ فترة طويلة، بما في ذلك البربر الموجودين في البلاد. غير أن عودة اليهود الليبيين ستشكل بكل تأكيد مسألة أكثر إثارةً للحساسية بالنسبة للحكومة.
ومن الجدير ذكره أن نسبة قليلة من يهود ليبيا الذين كانت تقدر أعدادهم بنحو 40 ألفاً قد لاذوا بالفرار من البلاد في الفترة ما بين تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 وحرب الأيام الستة عام 1967.

وأشار غيربي إلى أن هؤلاء اليهود وذريتهم باتوا يقدرون الآن بحوالي 200 ألف يهودي. وأوضح أن أي محاولات سيقوم بها هؤلاء اليهود، كما يريد أن يفعل، من أجل استرداد ممتلكاتهم العقارية، من المحتمل أن تُفاقِم علاقة تشوبها بالفعل حالة من عدم الثقة والكراهية المتأججة على مدار عقود.

وما يزيد من تعقيد المسألة هو أن بعض من يهود ليبيا قد لاذ بالفرار قبل سنوات إلى إسرائيل، حيث يصر الآن معظم الليبيين الذين يدعمون بشكل كامل عودة اليهود الليبيين على ضرورة ألا يتم السماح لهؤلاء الذين توجهوا إلى إسرائيل بالعودة. وهو ما جعل الصحيفة تؤكد أن المجلس الوطني الانتقالي يتعامل بحذر في هذا الجانب. وقد تقابل رئيس المجلي، مصطفى عبد الجليل، أواخر الشهر الماضي مع غيربي، في الوقت الذي أعلن فيه البربر عن دعمهم لليهود الليبيين، وبالتزامن مع بدء دعم بعض من أبرز قادتهم مساعي غيربي لتأمين مقعد له في المجلس الحاكم بالبلاد.

ومع هذا، أوضح غيربي أن الطلب الذي تقدم به من أجل السماح له رسمياً بإعادة افتتاح المعبد قد تم تجاهله كليةً. وأكد مسؤولو المجلس الوطني الانتقالي أن خطوة إعادة افتتاح المعبد سابقة لأوانها فيما يتعلق بمعالجة أمر حساس كهذا. وتابع غيربي بتأكيده أنه نجح في المقابل في الحصول على دعم السكان المحيطين بالمعبد، وحظي بتأييد الميليشيا المحلية التي ساعدت في تأمين الحي بعد سقوط القذافي، وكذلك حظي بتأييد ودعم اثنين من الشيوخ الذين يعملان كأئمة في المسجد المحلي.

ومع هذا، أكدت ستريت جورنال أن المناقشة المحتدمة في طرابلس بين المسلمين الليبيين وذلك المواطن اليهودي كانت مشهداً لا يمكن تصور حدوثه قبل عدة أشهر في ليبيا، ولا يزال مشهداً نادراً للغاية في جميع أنحاء العالم العربي. وفي هذا السياق، أوردت الصحيفة عن أحد السكان المقيمين إلى جوار المعبد، ويدعى علي جمال، 39 عاماً، قوله: quot;أشاهد اليهود وهم يهاجمون الفلسطينيين. فماذا لو انقلبوا ضدنا ؟ فاليهود ليسوا جيدينquot;. لكن أحد جيران جمال، يدعى عبد الماجد، 43 عاماً، خالفه في ذلك الرأي، وقال: quot;هذه حرية. وقد قمت بمصافحة السيد غيربي. وعانقته. فهو مواطن ليبي، ومن حقه العودة لبلاده وممارسة طقوس ديانتهquot;.