خبراء: أداء الإعلام التونسي في تغطية الحملات الانتخابية للمجلس التأسيسي كانت محايدة ولكن غير منصفة

قوّم خبراء وصحافيون تونسيون أداء وسائل الإعلام في التعاطي مع الحملة الإنتخابية للمجلس التأسيسي، وكشفوا أنها كانت محايدة في تغطيتها نشاطات السياسيين ولكن غير منصفة وركّزت على أحزاب قليلة. ولم تكن الحملات على قدر توقعات البعض الذين انتظروا عرساً انتخابياً لكونها أول منافسة انتخابية حقيقية.


تونس: أيام فقط تفصل التونسيين عن اللحظة التاريخية، التي جاءت ثمرةً للثورة الشعبية، لانتخاب المجلس التأسيسي لنظام جديد بعد تسعة أشهر من الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في كانون الثاني/يناير الماضي.

في هذا الخضم، تعيش وسائل الإعلام التونسية الحدث، حيث لكلٍّ منها خطها التحريري وولاؤها وانتماؤها. فكيف تعاملت وسائل الإعلام مع مختلف الفاعلين السياسيين؟ وهل كانت منصفةً حقاً مع مختلف القائمات المرشحة لانتخابات المجلس التأسيسي؟.

أداء محايد ولكن غير منصف

كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات دعا في ندوة صحافية المواطنين والإعلاميين والملاحظين إلى التحلي باليقظة والكشف عن الممارسات المخلة بقواعد وإجراءات الحملة الانتخابية، وخاصة ما يتصل بشراء أصوات الناخبين والرشوة السياسية.

وجاء في تقرير أصدرته الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات، بالتعاون مع الهيئة العليا لإصلاح الإعلام ونقابة الصحافيين التونسيين، أنّ وسائل الإعلام التونسية كانت محايدة، لكنها لم تكن منصفة خلال تغطيتها نشاطات الفاعلين السياسيين خلال أيلول (سبتمبر) الماضي. وبيّن التقرير أنّ وسائل الإعلام، بمختلف أصنافها، ركزت على أحزاب قليلة، ومنحتها مساحة كبيرة، بينما يتجاوز عدد الأحزاب في تونس المائة حزب.

وتحدث التقرير عن تعاطي القنوات التلفزيونية مع النشاط السياسي، مبيّنة أنها quot;التزمت الحياد في تغطيتها نشاط الفاعلين السياسيين عموماً، لكنها لم تكن منصفة في توزيع أزمنة البثّ والكلامquot;.

د. محمد ضيف الله الأستاذ في الجامعة التونسية، حاول وضع الموضوع في إطاره، مؤكدا أنّ quot;ما نلاحظه اليوم، وبعد مرور الأسبوعين الأولين من الحملة الانتخابية، أن إعلاميًا تونسيًا كان وراء تشكيل قائمات انتخابية، وسخّر فضائيته التي تبثّ من لندن للدعاية المباشرة لها، والتهجّم على القائمات المنافسة، من دون أن توجّه إلى صاحب القناة أية ملاحظة بضرورة التزام قانون اللعبةquot;.

لكن ضيف الله يوضح أنّ الملفت للانتباه هو أنّ الفاعلين السياسيين المعنيين بالانتخابات لم يحرصوا من جهتهم على ضمان تغطية إعلامية منصفة لهم، quot;فلم نسجل حتى اليوم غير احتجاج حزب العمال الشيوعي، الذي أصدر بيانًا قبل يومين، اتهم فيه إدارة القناة الوطنيةبالإنحيازquot;.

وأضاف: quot;إن إدارة التلفزة الوطنية ما زالت تتصرف بالأساليب القديمة نفسهافي تغطية الحملة الانتخابية، وهي تستعمل معايير سياسية منحازة ومخالفة لقواعد العمل الصحافي، الذي يقتضي الحياد والاستقلالية، خصوصًا في مثل هذا الظرف الذي تشهد فيه البلاد حملة انتخابيةquot;.

رصد للبرقيات الإخبارية

وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، قام د. محمد ضبف الله بعمل خاص بـ quot;إيلافquot;، وبالرغم من أنّ الأمر يتطلب توافر إمكانيات مادية وبشرية مهمة، فقد اقتصر على متابعة التغطية التي تقوم بها وكالة تونس إفريقيا للأنباء، وهي الوكالة الرسمية، التي من المفترض أن تقف على المسافة نفسها بين مختلف المرشحين.

quot;تم التوصل إلى بعض المعطيات المرقمة، والتي مفادها أنه في إطار تغطيتها للحملة الانتخابية، نشرت الوكالة خلال الفترة المتراوحة بين 1 و16 تشرين الأول (أكتوبر) ما مجموعه 118 برقية إخبارية، أي ما معدله 7 إلى 8 برقيات يوميًا. وهذا المعدل لا يعكس حقيقة الحركية السياسية التي تشهدها مختلف مناطق تونس.

ثم إن تلك البرقيات تعطي الأولوية للقائمات الحزبية والائتلافية على حساب تلك المستقلة التي لم تحظ إلا ببرقيتين اثنتين فقط، في حين أنها من حيث الكمّ تقارب نصف القائمات الجملية. إضافة إلى هذا الاختلال بين القائمات الحزبية والمستقلة، فهناك عدم توازن بين القائمات الحزبية في حد ذاتها.

ونجد في الصدارة أربعة أحزاب، حظي كل منها بـ 10 أو 11 برقية إخبارية، وهي على التوالي: القطب الحداثي والحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل من أجل الحريات والعمل وحزب آفاق تونس.

وباستثناء الحزب الأخير، الذي ينظر إليه على أنه من الأحزاب المتفرعة عن التجمع الدستوري، فإن الأحزاب الأخرى كانت تنشط قانونيًا في العهد السابق، وتتمنى لها بعض الجهات الحصول على مكانة مهمة في المشهد السياسي لما بعد 23 تشرين الأول (أكتوبر).

وحظي المؤتمر من أجل الجمهورية بـ 8 برقيات، وحزب العمال الشيوعي التونسي بـ 5، وكلاهما من الأحزاب الراديكالية الثورية، مقابل 6 للاتحاد الوطني الحر، و5 لحزب الإصلاحي الدستوري، اللذين يعتبران استمراراً بشكل أو بآخر للنظام السابق.

أما حزب النهضة فحظي بـ 3 برقيات، رغم كثرة وجماهيرية الفعاليات التي نظمها، ورغم أن عمليات سبر الآراء ترشحه كأكبر حزب على الساحةquot;.

الدعاية السياسية والإشهار

من جانبه أكّد ناجي الباغوري، الصحافي وعضو الهيئة العليا لإصلاح الإعلام، أنّ quot;المرصد المشترك لمتابعة أداء الإعلام أصدر تقريرًا أوليًا رصد توازنًا بصفة عامة لوسائل الإعلام مع الحملة الإنتخابية. وقد عبّرت بعض وسائل الإعلام، ومنها العمومية وحتى الخاصة، عن حياد واضح، والمطلوب بالنسبة إلينا كان أن تلعب دورها في أن تكون مجالاً لمختلف المرشحين والأفكار ووجهات النظر، التي تعبّر عنهم، لتبليغها إلى المواطن، ليكون على بينة من اختياراتهquot;.

وأضاف: quot;عمومًا، عدا بعض التجاوزات البسيطة في التركيز على مرشح معين، فإن البارز هو الدعاية السياسية والإشهار السياسي. فكان واضحًا منذ البداية أنّ الأطراف التي تملك وتتعاطى مع المال السياسي هي التي حصلت على مساحة أكبر في وسائل الإعلام. وفي الحملة الإنتخابية حاولت هذه الوسائل أن تكون تغطيتها متوازنة، وسيصدر المرصد تقريراً نهائيًا سيكون علميًا من خلال عمليات إحصاية دقيقةquot;.

أما د. عمر النمري (رئيس قائمة مستقلة للإنتخابات) فقد أشار إلى أنه quot;ولئن لم أواكب تغطية مختلف وسائل الإعلام للحملة الإنتخابية، فيمكن أن أقول إنّه على وسائل الإعلام أن تتيح نوعًا من العدالة والمساواة بين كل الفرقاء السياسيين ومختلف القائمات المستقلة والمنتمية إلى الأحزاب، بحيث تتاح الفرصة للجميع ليتعرف الشعب إليهم ويصوّت لمن يختارهquot;.

ورأى النمري أنه quot;من جهة، فإن مسألة المال السياسي تعتبر مفسدة فعلاً، إذا تطرقت إلى وسائل الإعلام العمومية والخاصة، وحتى الخارجية، لأنها تؤثر على العملية الإنتخابية، وتمرّر آراءً و أفكاراً للشعب قد تكون خاطئة، وهي توجّه المنتخب إلى وجهة غير سليمة، وبالتالي فإنّ الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات مطالبة بالوقوف بحزم في وجه كل من يتلاعب بمصير الشعب، ولا يمتثل للقوانين المعمول بها، وتوقف كل من تجاوز القانون، حتى تحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين كل المرشحين، أيًا كان موقعهمquot;.

تغطية الصحافة المكتوبة

وأوضح خالد النوري، مساعد رئيس التحرير المساعد في صحيفة quot;حقائقquot; التونسية، لـquot;إيلافquot; أنّ quot;مختلف وسائل الإعلام واكبت كما ينبغي الحملة الإنتخابية لمختلف الأحزاب والقائمات المستقلة استعدادًا لانتخابات المجلس التأسيسي، وكانت في مستوى الحدث التاريخي الذي تعيشه بلادنا.

فالصحافة المكتوبة خصصت مساحات كبيرة نظرًا إلى كثرة الأحزاب على الساحة السياسية التونسية، ولم نلاحظ خلال هذه الحملة إخلالات كبيرة تستحق الذكر أو تتجاوز أخلاقيات المهنة أو القانون الذي وضعتة الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات حتى تحقق المساواة بين مختلف المترشحين. أما بالنسبة إلى صحيفتنا (حقائق) فقد خصصنا 4 أو 5 صفحات أسبوعية لتغطية الحملة الإنتخابية، وحاولنا التوفيق في ذلك حتى نكون أقرب إلى تحقيق العدل بين مختلف الأطياف السياسيةquot;.

أما الصحافي في جريدة quot;الصباحquot; التونسية مختار غزيل فقد أكّد أنه quot;للمرة الأولى في تونس تجد وسائل الإعلام العمومية والخاصة نفسها في خضمّ حملة انتخابية حقيقية، وهي التي تعوّدت على اللون الواحد والصوت الواحد وأداء حملة انتخابية مفبركة ومصطنعة، وهذا ما جعل التعامل مع هذه الحملة يختلف من وسيلة إعلامية إلى أخرى، وإذا كان الإعلام العمومي المرئي والمسموع والمقروء قد عاملكل الأحزاب على قدر المساواة تقريبًا، فإن بعض وسائل الإعلام الخاصة يشتم من تعاملها رائحة الإنحياز أو التحاملquot;.

التباس في هدف الانتخابات

وأشار غزيل إلى أنّ وسائل الإعلام غابت عنهاأمور مهمة، فقد كان عليها لعب دورها في التنبيه إلى ما شاب الحملة الإنتخابية من التباس، إذ إن quot;بعض المرشحين لا يعرفون أن الهدف من هذه الإنتخابات هو انتخاب مجلس تأسيسي لإعداد دستور للبلاد، وراحوا يعرضون مشاريعهم وبرامجهم، كأنها انتخابات تشريعية، والبعض الآخر أخذ يعطي وعوداً مستحيلة التحقيق، جعلت الشارع التونسي يتندر بها على غرار 500 ألف فرصة عمل ومجانية العلاج وتحديد أسعار الخضر والغلالquot;.

وأضاف أنه quot;ومن جانب آخر، كان على وسائل الإعلام التعرّض لجهل المرشحين للمبادئ الأساسية للغة العربية، فهذا رفع المفعول به، وآخر نصب الفاعل، وثالث قال إن الدين تونسي (وهو يقصد الدين الإسلامي) يتسم بالإعتدال والتسامح.. كما كان على الإعلام أن ينبه إلى تعطش البعض للكرسي، وأن يدعو إلى تجنب تصفية الحسابات واعتماد التسامحquot;.

منافسة أضعف من التوقعات

أما ريم سويدي الصحافية في جريدة quot;الصباحquot; فأوضحت ما تم الإتفاق عليه في صحيفتها قائلة لإيلاف: quot;في (الصباح) تمّ الإتفاق على عدم القيام بحوارات أو تصريحات خاصة بالمرشحين للمجلس التأسيسي، وهذا اختيار منطقي، وبالتالي فقد اقتصرنا على أخبار القائمات المرشحة وتغطية الندوات والإجتماعات ومختلف الأخبار الخاصة بالحملة الإنتخابية، ولكل الأحزاب بدون تحديد مساحات خاصة.

quot;ولكنني كصحافية ومواطنة تونسيةquot; تواصل ريم: quot;فوجئت بمستوى الحملة الإنتخابية، فقد كنت أتوقع أن تكون فيها المنافسة قوية وحماسية، لأنها اتسمت بالبرودة منذ يومها الأول، وقد ظننا أنها ستتصاعد مع مرور الأيام واقتراب اليوم الموعود، لكن شيئا من ذلك لم يحصلquot;.

وتضيف:quot;فنحن في تونس لم نتعود على حملة انتخابية حقيقية بين متنافسين حقيقيين، وبالتالي كنا ننتظر عرسًا حقيقيًا. وقد تكون القوانين التي وضعتها العيئة العليا المستقلة للإنتخابات هي التي كبّلت الحملة، ولم تعطها بعدها الشعبي والإحتفالي. واليوم فقط قمت بجولة في مستوى شارع الحبيب بورقيبة في وسط العاصمة، فلم أحسّ أن هناك حملة انتخابية حقيقية، فقد انتظرت أن أجد سيارات ملونة بألوان الأحزاب أو القائمات المستقلة، وشباب يقوم بتوزيع الوثائق الخاصة بحزب معين أو قائمة معينة، لقد انتظرت أن أجد فرقًا موسيقية تقوم بعروض في الشارع.. لم أجد شيئًا فطرحت السؤال: لماذا؟quot;.

ويختم ناجي الباغوري عضو الهيئة العليا لإصلاح الإعلام أن quot;الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات، ورغم أنها منعت الإشهار السياسي، فإن بعض الأطراف لم تلتزم في المرحلة الأولى، وكذلك بعض القنوات الأجنبية، التي لا ينطبق عليها القانون التونسي، وربما كان على هذه الأطراف أن تكون واعية بأن تونس تمرّ بفترة انتقالية تاريخية حتى يكون الإعلام محايدًا، ويلعب دوره بشكل قانوني وأخلاقي، فرغمًا عن مسألة تدخل القانون هناك مسألة تتعلق بالأخلاق وأخلاقيات المهنة أصلاًquot;.