رجل يقرأ صحيفة في ريو دي جانيرو عليها خبر مقتل القذافي

صنّف خبراء مقتل القذافي كجريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، يعاقب عليها الثوار الذين قبضوا عليه ويتعين على الأمم المتحدة إنشاء محكمة خاصة بهم في حالة إدانتهم. لكن أكدوا ان القذافي كانيخضع لبنود إتفاقية جينيف الأولى والثانية التي تنصّ على ضرورة معاملة الأسير أو المعتقل بطريقة إنسانية لائقة.


لم يكن أحد من أشدّ أعداء الزعيم الليبي المقتول معمر القذافي - وهم كثرـ يتوقع أن تكون نهايته بتلك الطريقة المأسوية، التي شاهدها العالم أجمع عبر شاشات التلفزيون، حيث ألقي القبض عليه خارج مسقط رأسه سرت، أثناء محاولته الفرار من نيران قوات حلف الناتو وقوات الثوار. وتعرض القذافي للضرب والإهانة والإذلال، أثناء عملية اعتقاله، وجرى توثيق تلك الوقائع باستخدام الهواتف النقالة الخاصة بالثوار، وظهر في العديد من اللقطات المصوّرة وهو حيّ يمشي على قدميه، قبل الإعلان عن مقتله فيما بعد. الأمر الذي أثار العديد من علامات الإستفهام حول الكيفية التي لاقى بها القذافي حتفه: هل أعدم من قبل الثوار؟ أم قضى في تبادل لإطلاق النار بين قوات تابعة له ومعتقليه؟ غير أن الخبراء أكدوا أن مقتله جريمة حرب منصوص عليها في القانون الدولي.

إنقسام حول القذافي

رغم أن أغلبية المتابعين للشأن الليبي والربيع العربي كانوا يرون القذافي ديكتاتوراً دموياً، قتل شعبه باستخدام الطائرات والدبابات وسائر الأسلحة الثقيلة، رداً على الإحتجاجات التي إندلعت ضد نظام حكمه في 17 شباط (فبراير) الماضي، إلا أن تلك الأغلبية باتت منقسمة حول الطريقة التي قتل بها، وإن كان القسم الأكبر يدين قتله على أيدي الثوار، فضلاً على التمثيل بجثته، وهو السيناريو نفسه الذي تكرر بحذافيره مع نجله المعتصم.

ليس أسيراً

لكن كيف ينظر القانون الدولي إلى عميلة قتل القذافي؟ وتأتي الإجابة على لسان عدد من خبراء القانون الدولي الذين تحدثت إليهم إيلاف، ومنهم الدكتور جهاد عودة أستاذ السياسية الدولية في جامعة حلوان، ويقول إن القذافي لم يكن ينطبق عليه القانون الدولي في ما يخص أسرى الحرب بمعناها التقليدي، وأوضح عودة أن هناك شروطا لأسير الحرب، أهمها أن تكون هناك حرب معلنة رسمياً بين دولتين. لكن عودة يشير إلى أن القذافي يخضع لبنود إتفاقية جينيف الأولى والثانية التي تختص بالتعامل الإنساني مع الفرقاء في حالة العنف، أي الحروب الأهلية، أو الصراعات المسلحة، ضمن ما يعرف بـquot;مبادئ العدالة الإنسانيةquot;، حيث تنصّ على ضرورة معاملة الأسير أو المعتقل بطريقة إنسانية لائقة، وألا يتعرض للإهانة أو الحط من كرامته وإنسانيته.

جريمة حرب

ويلفت عودة إلى أن حالة ليبيا في ما يخص القانون الدولي تشبه إلى حد بعيد ما حدث في رواندا عندما اندلعت حرب أهلية هناك في الفترة من 1991 حتى 1993، وأسفرت عن مقتل ما يزيد على 800 ألف شخص، وتم إنشاء محكمة خاصة لمجرمي الحرب، من قبل الأمم المتحدة. ونوّه عودة بأنه على هذا الأساس طلبت الأمم المتحدة تحقيقاً في مقتل القذافي ونجله، لأن مقتله بعد إعتقاله حياً يعتبر إنتهاكاً للقانون الدولي، وأكد عودة أنه في حالة إدانة بعض الثوار بقتل القذافي ونجله المعتصم بعد إستسلامهما أو القبض عليهما حيين، فسوف يكونون قد ارتكبوا جريمة حرب ووفقاً للقانون الدولي.

ويفرق عودة بين الموقف السياسي والموقف القانوني، مشيراً إلى أن quot;القذافي وفقاً للقانون لا ينبغي قتله، ولكنه وفقاً للسياسة فإنه ديكتاتور ارتكب جرائم قتل بشعة في حق شعبه، ويستحق القتل، لكن كان من المهم أن يتم ذلك في إطار القانونquot;.

القذافي لم يمت

غير أن عودة يشكك بالأساس في أن يكون من قُتل هو القذافي، ويقول: هناك إحتمال كبير بأن يكون من تم إعتقاله وقتله ليس القذافي، فنحن نعلم جميعاً أن الديكتاتوريين في العالم لهم أكثر من شبيهquot;. وأضاف عودة أن رئيس الطب الشرعي الليبي الذي عاين الجثة، لم يجزم بأن هذه الجثة للقذافي، ولا يستطيع أن يجزم من دون إجراء تحليل الquot;d.n.aquot;، مشيراً إلى أن هذا التحليل سوف يكشف عن هوية هذا الشخص، وكيفية قتله. وإلى أن يجري التحليل ينبغي التعامل مع جميع ما يبث من أنباء أو فيديوهات على أنها حقائق.

إنتقادات دولية

أثارت طريقة قتل القذافي الكثير من الإنتقادات دولياً، حيث دعا مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في ملابسات العملية، قال روبرت كولفيل المتحدث باسم المكتب quot;طريقة موته غير واضحة.. هناك حاجة لبدء تحقيقquot;. فيما اعتبرت روسيا قتلته بعد اعتقاله حياً خرقاً للقانون الدولي، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن روسيا تعتقد أنه كان يتعين معاملة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي كأسير حرب بموجب اتفاقات جنيف، وكان يتعين ألا يقتل، مطالبا بالتحقيق في موته.

وأضاف في تصريحات إعلامية: quot;يتعين أن نستند إلى الحقائق والقانون الدولي، وهي تقول إنه في الصراعات المسلحة يتعين تطبيق القواعد الإنسانية الدولية المنصوص عليها في اتفاقات جنيفquot;. وأضاف: quot;يقولون إن المشارك في صراع مسلح حين يؤسر يجب أن يعامل بطريقة معينة.. وفي كل الأحوال يجب ألا يقتل أسير الحربquot;.

محكمة خاصة للقتلة

ولم يذهب الخبير في القانون الدولي شريف هلالي رئيس المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان بعيداً عما سبق، وقال لـquot;إيلافquot; إن القذافي لا يخضع للقانون الدولي الخاص بأسرى الحرب، مشيراً إلى أن الإتفاقيات الدولية تشترط أن يكون الأسير قد تعرض للأسر في حرب نظامية بين جيشين، وأن يكون من الجنود أو الساسة في أحد طرفي الحرب.

لكن هلالي أشار إلى أنه كان يتعين على الثوار الإلتزام بقوانين الحرب، وإتفاقيات جينيف، في ما يخص الأسرى من المقاتلين من جانب قوات القذافي، وألا تجري عمليات قتل أو تعذيب أو تدمير للمنشآت أو إغتصاب للنساء. واعتبر أن ما حدث جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، وفي حالة إدانة الثوار الذين قبضوا عليه، سوف يتعين على الأمم المتحدة إنشاء محكمة خاصة لهم على غرار محكمة البوسنة والهرسك أو رواندا، منوهاً بأن هناك تقارير حقوقية تتحدث عن وقوع العديد من أعمال القتل بحق المدنيين خارج القانون أثناء الصراع الذي دار بين القذافي والثوار منذ 17 شباط (فبراير) الماضي، ارتكب القذافي بعضاً منها، وتورط الثوار فيها أيضاً، فضلاً عن استخدام أسلحة محرمة دولياً من الجانبين.

إنتقادات للإعلام

ويؤكد هلالي أن عملية اعتقال وقتل القذافي ونجله المعتصم وقعت فيها العديد من الخروقات للقانون الدولي وأخلاقيات الحرب ومبادئ حقوق الإنسان، وأخلاقيات الإعلام كذلك، ويوضح أن اعتقال القذافي وتعرضه للضرب والصفع والبصق في وجهه وهو جريح من المخالفات الخطيرة للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، غير أن المخالفة الأخطر هي قتله بعد اعتقاله حياً، بالإضافة إلى أنه تعرض للتمثيل بجثته، وتصويرها بما يتنافى مع كافة الأخلاقيات الإنسانية وتعاليم الأديان السماوية ومنها الإسلام.

ويلفت هلالي إلى أن الإعلام ارتكب مخالفات أو خروقات ضد المهنية وضد مبادئ حقوق الإنسان بنشر وبث صور جثتي القذافي ونجله المعتصم، حيث تحظر مواثيق الشرف الإعلامية والقوانين على مستوى العالم نشر صور الضحايا.