أزعج مشهد قتل القذافي والتمثيل بجثته كثيرين، فيما اعتبر خبراء في القانون الدولي ما حدث جريمة حرب مخالفة لمبادئ العدالة الإنسانية، وفي الوقت نفسه رأى علماء الإسلام أن الحادث يتنافى مع تعاليم الدين الحنيف، ويسيء إليه، مؤكدين أن الإسلام يرفض قتل الأسير، ويدعو إلى حسن معاملته.


ليبيون في مصراتة ينتظرون دورهم للإطلاع على جثة العقيد الليبيّ المقتول

القاهرة: وفقاً للدكتور علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى في الأزهر سابقاً، فإنه quot;رغم أن القذافي كان ديكتاتوراً ومستبداً حكم شعبه بالحديد والنار، وأعمل فيه القتل بطريق همجية، بعدما تظاهروا ضده في منتصف شهر فبراير الماضي، فقصفهم بالطائرات والدبابات، إلا أن قتله بعد اعتقاله حياً، والتمثيل بجثمانه هو وابنه المعتصم يخالف شرع اللهquot;.

وقال أبو الحسن لـquot;إيلافquot; إن الإسلام أول من شرع احترام إنسانية المقاتلين في الحروب أو النزاعات المسلحة، فأمر بعدم إهانة من يتم أسره أو اعتقاله من معسكر الأعداء، بل يتم إكرامه وتقديم الطعام والشراب له، وإذا كانت ملابسه ممزقة تحاك له، وإذا كان جريحاً تضمد جراحه، ثم يقدم إلى ولي الأمر أو القضاء، ليقول فيه كلمته، وليس قتله خارج إطار الشرعية. هذا في حالة الأسير من العدو الكافر، فما بالنا بالمسلم، الذي بينه وبين مسلم آخر نزاع.

ويسوق أبو الحسن الأدلة من القرآن والسنة النبوية قائلاً:المولى سبحانه وتعالى قال بحق الأسرى في سورة الإنسان quot;وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًاquot;، أي إن إطعام الأسرى أو المعتقلين أوامر من رب العالمين، كما أمر الرسول الكريم أصحابه بحسن معامل الأسرى، وقال quot;اسْتَوْصُوا بِالأَسْرَى خَيْرًاquot;، ونهى النبي محمد عن معاملتهم بطريقة غير لائقة أو تعذيبهم بالتعريض لحرارة الشمس فقط.

وروي عنه أنه quot;رأى أسرى يهود بني قُرَيْظة موقوفين في العراء في ظهيرة يوم قائظ، فقال مخاطِبًا المسلمين المكلَّفين بحراستهم: quot;لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السّلاَحِ، وَقَيِّلُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُواquot;. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر quot;أفعلوا معهم صلاحاًquot;.

يرجع أبو الحسن ما حدث إلى أن الغضب سكن قلوب أهل ليبيا بسبب الجرائم البشعة التي أرتكبها القذافي بحقهم، عندما تظاهروا ضده في جماعات كبيرة في شهر فبراير الماضي، فقصفهم بالطائرات والدبابات، ووقع قتلى بالآلاف منهم، وهو ما أثار في نفوسهم حمية الثأر منه، وقتل أيضاً من تم اعتقاله منهم، لكن كان عليهم، لاسيما أن الغالبية منهم يقولون إنهم ملتزمون دينياً، أن يحسنوا معاملته وأن يلتزموا بأخلاق الإسلام. وألا يدّعوا الرغبة في الانتقام تسيطر عليهم. مؤكداً أن هذا الحادث يسيء للإسلام، ويضرّ بالثورة العربية السلمية العظيمة.

التمثيل بجثة القذافي مسيء للإسلام

لكن ما حكم الإسلام في التمثيل بجثة العقيد المقتول؟

يرد الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر بالقول إن الإسلام نهى عن التمثيل بالجثث في الحروب أو النزاعات المسلحة، أو التشفي أو الانتقام، وأوضح لـquot;إيلافquot; أن التمثيل بالجثث يسيء للإسلام أيضاً.

وضرب أبو الحسن المثل بما حدث لحمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي تعرض للقتل والتمثيل بجثته، حيث روي أنه quot;وقف رسول الله على حمزة، وقد قتل ومثل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه منه، فقال: رحمك الله أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات، فوالله لئن أظفرني الله بالقوم لأمثلن بسبعين منهم، قال فما برح حتى نزل قوله تعالى: quot;وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرينquot;، فقال رسول الله: بل نصبر. وكفر عن يمينه، ونهى عن المثلة.

جريمة حرب

في ما يخص موقف القانون من الحادث، يقول الدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي إن المادة الثالثة من اتفاقية جينيف بشأن الصراعات المسلحة تنص على ضرورة حماية أي شخص يتم اعتقاله أثناء النزاع، ومعاملته بطريقة لائقة تحفظ إنسانيته، سواء كان رئيساً أو فرداً عادياً ممن قبض عليهم، وهم في حالة صراع مع الطرف الآخر.

وأضاف حلمي لـquot;إيلافquot; أنه لاشك أن من مظاهر العدالة الإنسانية والتحضر ألا يتم القصاص من القذافي إلا بالقانون، وعبر محاكمته عادلة، ولكن ما حدث يعتبر مخالفة للقانون الدولي، وخروج عما أمر به المولى سبحانه وتعالى في سائر الكتب السماوية.

وحسب وجهة نظر حلمي، فإن قتل الأسير أو من يتم اعتقالهم أثناء النزاعات المسلحة والتمثيل بجثه يعتبر جريمة حرب، يعاقب عليها القانون الدولي بعقد محاكمة خاصة للجناة، كما حدث في البلقان أو رواندا في التسعينيات من القرن الماضي.

أسرته الأحق بجثمانه

وأشار إلى أن مطالبة أسرة القذافي بتسلم جثته وجثة نجله المعتصم له سند من القانون الدولي، وتابع: القانون الدولي ينص على ضرورة أن تسلم جثث ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة إلى ذويهم، وفي حالة إذا ما اقتضت الضرورات الأمنية دفنه في مكان سرّي، يجب أن يكون هذا المكان معلوم لأهله وعشيرته، وليس خفياً عليهم.

ويخشى حلمي من أن تتسبب الطريقة التي قتل بها القذافي في جعله بطلاً، لاسيما أن مشهد قتله والتمثيل بجثته أكسبه تعاطف الملايين عبر العالم، وتوقع أن بعض الليبيين تأثروا بهذه المشاهد، وتعاطفوا معه أيضاً.

خلاف قانوني حول مقتل القذافي

حسب رأي الناشط الحقوقي أحمد راغب، فإن هناك خلافًا بشأن قتل القذافي ونجله بعد اعتقالهما حيين، وأوضح لـquot;إيلافquot; أن الرأي الأول ينظر إلى ما حدث بوصفه عملاً مجرمًا وفقاً للقانون الدولي، وخروج عن الشرعية الدولية وجريمة حرب دولية.

أما الرأي الثاني فينظر إلى الحادث في إطار الشرعية الثورية، وأنه قتل أثناء النزاع المسلح، وكان يحمل السلاح. ولكن راغب يؤكد أن تلك الشرعية لا تبيح القتل أو القصاص خارج إطار المحاكمة، حتى ولو كانت الجرائم التي ارتكبها القذافي ثابتة بحقه، لكنها لا تغني عن تقديمه إلى محاكمة عادلة يمنح فيها الحق في الدفاع عن نفسه.