تشكل حوادث اختطاف الأطفال من الأحياء والشوارع وبالقرب من المدارس، وفي حالات أخرى من المستشفيات، في العراق، هاجسا كبيرا على مستوى الأجهزة الأمنية والمواطن العراقي على حد سواء في مختلف مدن العراقية لاسيما بغداد و ديالى والموصل.

عائلات عراقية تحمل صور أطفالها المختطفين

ما زالت ام عصام تبحث عن ابنها الصغير المختطف محمد (10 سنوات)، من منطقة الحرية في بغداد منذ الحادث عام 2009، حيث لم تعثر على أي دليل على وجوده حيا. وتؤكد ام عصام اختطافه عبر مكالمة هاتفية تلقتها وقت الحادث طلب فيها الخاطفون فدية. وتتابع ام عصام بحزن: quot;هيّأنا أنفسنا للتفاوض، لكنّ أحدا لم يتصل بنا بعد الحادث، وإلى الان لا يوجد أي دليل يمكن من خلاله معرفة حقيقة ما حدثquot;.

اختطاف طفلة في الحلة

ويبين حادث اختطاف محمد وحوادث اليوم، سلسلة مآس وحكايات لم تتوقف رغم ان أعدادها انخفضت إلى حد كبير، ففي هذا الأسبوع اختطف مجهولون طفلة تبلغ من العمر عشرة أعوام وسط مدينة الحلة (100كم جنوب بغداد)، واقتادوها إلى جهة مجهولة.

وقال ضابط الشرطة فاضل عباس لـquot;إيلافquot; إن الشرطة عممت أوصاف الخاطفين على جميع نقاط التفتيش. وتشهد محافظة بابل منذ فترة عمليات اختطاف أطفال وسواق أجرة تُسلب سياراتهم تحت تهديد السلاح.

الدعارة والمخدرات والتسول

وما زالت حوادث اختطاف الأطفال من الأحياء والشوارع وبالقرب من المدارس، وفي حالات أخرى قليلة من المستشفيات، تشكل هاجسا كبيرا على مستوى الأجهزة الأمنية والمواطن العراقي على حد سواء في مختلف مدن العراق لاسيما بغداد و ديالى والموصل.

ورغم ان هذه الظاهرة تهدد الكثير من مجتمعات العالم، حيث يستخدم الأطفال المخطوفون في شبكات الدعارة والمخدرات والتسول، الا ان اغلب حوادث الاختطاف في العراق سببها الحصول على quot;فدية quot; بحسب الباحث الاجتماعي في مديرية سجون بابل سعيد حسين.

لكن سعيد لا يستطيع الجزم حول أسباب أخرى يتداولها البعض من أن بعض الأطفال المخطوفين يستخدمون في عمليات نقل الأعضاء. وبحسب حسين فانه لم يعايش مثل هذه الحالة إلى الآن.

ويرى حسين انه مهما تناقل البعض أخبار حوادث الاختطاف، فان هذه الظاهرة ما زالت إلى الآن منخفضة العدد قياسا إلى دول العالم الأخرى، بل هي في خط تنازلي إذا ما استمر تحسن الوضع الأمني، وإذا ما زاد حرص الأسر على مراقبة أبنائهم وحثهم على الإبلاغ عن أي تصرف غريب مع الآخرين.

لكن ضابط الشرطة احمد الساعدي من مدينة الشعب يؤكد ان الظاهرة تزداد في بغداد قياسا إلى المدن الأخرى، بل ويطالب الشرطة المحلية باستراتيجية واضحة لمعالجة حوادث الاختطاف.

طفل يذوب بالأسيد

واشهر حوادث اختطاف الأطفال في العراق، اختطاف الطفل منتظر في تشرين الثاني(نوفمبر) عام 2009 حيث سلّم ابوه الخاطفين فدية مالية قدرها خمسة وعشرون الف دولار، لكنهم قتلوه وذوبوا جسده بالاسيد وعرضت جثته وسائل اعلام عدة.

ويتفق بعض خبراء الجريمة في العراق مع مسؤولين أمنيين على ان السبب الرئيس لحوادث الاختطاف في العراق هو الحصول على الأموال، حيث يلجأ اغلب الخاطفين إلى الاتصال بأهل المخطوف للحصول على الأموال اللازمة مقابل إطلاق سراح الضحية.

لكن ضابط الشرطة المتقاعد أمين الجبوري يرى غير ذلك، ويقول ان ما يحدث هو فعل عصابات منظمة، بل ان هذه العصابات تستطيع ان تنفذ عبر نقاط تفتيش معينة بعد الاتفاق معها أو تسهيل تنقلها مقابل مبالغ معينة لاسيما في محافظة ديالى التي مازالت إلى الآن تعاني الارتفاع الكبير في حوادث الخطف.

ومن أمثلة ما يحدث في هذه المدينة ما رواه الملازم كريم جابر الذي خدم في قطاع ديالى (57 كم شمال بغداد) مدة ثلاث سنوات ويعمل الآن في قطاع جنوب بغداد، كيف ان مجموعة مسلحة تستقل سيارة مدنية اختطفت عام 2010 طفلا من امام منزله في حي 7 نيسان في بعقوبة ولاذت بالفرار إلى جهة مجهولة.

قتل المختطف

لكن بعض عصابات الخطف تقتل المخطوف حتى بعد حصولها على الفدية خوفا من انفضاح أمرها، أو لأنها ترتبط بمنظمات إرهابية تسعى إلى إثارة البلبلة والرعب بين صفوف المجتمع.

ففي صيف عام 2007 اختطف الفتى ليث حسين ( 11 سنة ) من امام داره في منطقة الكرادة في بغداد، وبعدما سلم والده مبلغ ثلاثين الف دولار إلى الخاطفين، وُجد جثة هامدة في الصباح بالقرب من بناء مهجور.

وبعد هذا الحادث، اضطر أبو ليث إلى الإنتقال إلى الحلة حيث مسقط رأسه بعدما فقد القدرة على الإستمرار في العيش في المكان نفسه الذي قتل فيه ابنه. وهاجر أبو ليث مسقط رأسه في منتصف الثمانينات بغية تحسين وضعه الاقتصادي في العاصمة.

عصابات منظمة

وبحسب ضابط الشرطة أحمد الساعدي، فان اغلب الخاطفين في العراق ليسوا عصابات منظمة محترفة بل إنهم في الغالب أشخاص ينقصهم الوازع الأخلاقي والديني، من متعاطي المخدرات في بعض الاحيان يتفقون على الخطف بغية ابتزاز اهل الضحية للحصول على الأموال اللازمة.

لكن المحامي قيس حسن من الصالحية في بغداد يذهب إلى غير ذلك، ويؤكد ان قضايا الإختطاف بدأت تحتل مرتبة مهمة من ناحية العدد في حوادث المحاكم الشرعية حيث تتصاعد نسبتها إلى نحو اثنين بالمائة من مجموع القضايا المتداولة في عام 2011 ما يدل على انها من فعل عصابات منظمة.

ويؤكد رحيم الكلابي نجاح عملية اختطاف ابنه ( 9 سنوات ) نهاية عام 2010 حيث كان الخاطفون ينوون تسفيره إلى سوريا، وبيعه رقيقا إلى جهات عصابات متخصصة.

إحصاءات غير دقيقة

وكشفت منظمات دولية ان الفترة بعد عام 2003 شهدت اختطاف أطفال عراقيين وبيعهم في سوق رقيق سري تديره شبكات تهريب بين العراق والدول المجاورة منها السعودية والكويت. وبحسب تخمينات وزارة الداخلية العراقية، فان عام 2009 شهد مائة وسبعا وسبعين حالة، وهو أقل بكثير من تقديرات منظمة أممية.

لكن صحيفة ( الغارديان) اللندنية تشير في تقرير لها عام 2010 إلى ان هناك عشرات العصابات على الأقل تعمل في العراق وتتاجر ببيع الاطفال بمبالغ تتراوح مابين 400 إلى 500 جنيه استرليني. غير ان وزارة حقوق الإنسان العراقي أوضحت في عام 2011 أن أكثر من ستة آلاف حالة اختطاف للأطفال سُجّلت في العراق منذ عام 2003.وتتكرر حوادث الخطف في مدن غير متوترة امنيا مثل كربلاء والنجف حيث يستغل البعض الإحتفالات الدينية لخطف الاطفال، كما تستخدم النساء للقيام بمهام الخطف.

ويشير الإختلاف في أعداد المخطوفين وحجم الظاهرة إلى غياب الدراسة العلمية والأكاديمية التي يمكن من خلالها استنتاج حجم الظاهرة بغية وضع الحلول المناسبة لها.

تجارة البشر، وتسويق المخدرات

وفي اغلب دول العالم بينها الدول المجاورة للعراق فان الأطفال المخطوفين يكونون مشروعا خصبا للفعاليات الجنسية، وتجارة البشر، وتسويق المخدرات، والتسول والسرقة.
ويرى البحث الاجتماعي كريم الخفاجي ان ظاهرة الخطف استوردت من خارج العراق بعد عام 2003، بسبب تردي الوضع الاقتصادي والأمني، حيث اتخذت منحى تجاريا الغرض منه كسب كميات كبيرة من الأموال في وقت قصير، كما استخدمته المنظمات الإرهابية لتمويل عملياتها.

غياب مراكز العلاج

كما يشير إلى غياب وسائل العلاج النفسي للطفل المختطف، فما إن يطلق سراحه حتى تحتضنه عائلته من دون مراجعة مستشفى او عيادة نفسية للوقوف على ما جرى له واحتمال تعرضه إلى أمراض معينة او صدمة نفسية ولاسيما ان بعض الأطفال يعرضون للتعذيب وتكميم الأفواه ويجبرون على تناول الحبوب المخدرة ويتم استغلالهم جنسيا.
ويدعو الخفاجي إلى ضرورة إنشاء مراكز صحية واجتماعية للوقوف على الأعراض التي يعانيها السجناء والمختطفون في العراق على حد سواء، صغاراً كانوا أم كباراً.