برنار هنري ليفي

سلّط كتاب (الحرب دون أن نحبها) لمؤلفه الفيلسوف المثير للجدل، برنار هنري ليفي، الضوء على كواليس الأزمة الليبية. وأعيب على كاتبه أنه كان نرجسيًا أكثر من اللازم في كتابته، وحاول جاهدًا أن يقدّم نفسه كالبطل الداعي إلى الخير، ومساعدة الشعوب المضطهدة.


باريس: يمكن اعتبار برنار هنري ليفيالفيلسوف الأكثر إثارة للجدل في فرنسا، فالمراقبون يقدمونه على أنه فيلسوف حرب بالدرجة الأولى، وهو أحد المفكرين المؤمنين حتى النخاع بمبدأ quot;حق التدخلquot;، الذي عرف بالدفاع عنه رئيس الدبلوماسية الفرنسية السابق برنار كوشنير.

لعب برنار هنري ليفي دورًا بارزًا في جرّ باريس إلى الساحة الليبية، ما أفرز حتى الآن جدلاً حول دوره الحقيقي، إلى جانب الإليزيه في معارك الثوار ضد القدافي وكتائبه، وازداد الجدلتأججًا مع صدور كتابه quot;الحرب دون أن نحبهاquot;.

قدم الكاتب في هذا العمل روايته حول هذا الدور quot;بنوع من النرجسيةquot; على حد تعبير الإعلامية صوفيا فوكار، فهو يتحدث في عمله هذا quot;بلغة الأناquot;، وهوquot;ليس بأمر جديد على رجل يحب الأضواء وتلميع صورتهquot;.

وقالت فوكار، في قراءة للكتاب خاصة بـ quot;إيلافquot;: quot;لقد تعودنا من خلال كتاباته أو حواراته على هذه الـ quot;أناquot;، لكنها تحولت في كتابه الأخير إلى نوع من النرجسية والتعالي، بحيث لم يغب ذلك عن أي صفحة من صفحاتهquot;.

quot;فإن لم يكن محركًا أو فاعلاً أو قائدًا ميدانيًا، فهو حاضر من خلال ذكرياته الشخصية، وفخره بأصوله وبمنجزات ذويه، والأكيد أنه من خلال تبنيه هذا الأسلوب، ذكر بصورة مباشرة أوغير مباشرة بأنه كان الرقم الأساسي في المعادلة الليبية، ولولاه لما سارت الأمور على ما هي عليه الآنquot;، بحسب فوكار.

ليفي الدبلوماسي

لعب ليفي دورًا أكبر من حجمه في القضية الليبية، بحسب مراقبين، بل وفي الكثير من الأحيان، حجب عن العين أداء دبلوماسية بلاده، وهو ما أدى بهؤلاء الملاحظين إلى اعتباره تطاولاً على مهمة رئيس الدبلوماسية الفرنسية.

يعتقد هؤلاء أن ليفي نجح في وضع رئيس الدبلوماسية الفرنسية على هامش صناعة القرار الفرنسي بخصوص القضية الليبية، وإن كان ذلك لمدة من الزمن، فيما فسّرها الفيلسوف المثير للجدل نفسه، بأنّ آلان جوبيه له quot;سوابق في خلافات دولية، انتهت بكوارث إنسانية، وبالتحديد في البوسنة وروانداquot;.

صاحب كتاب quot;الحرب دون أن نحبهاquot;، قال فيأحد تصريحاته إن وضعه لآلان جوبيه على هامش الملف الليبي، وخصوصًا في بداياته، جاء من هذا المنطلق، على الرغم من أنه يقدر- بحسبه - quot;جوبيه الرجلquot;، الذي رد عليه بنوع من السخرية، داعياً إياه إلى أن يقوم بالشيء نفسهفي سوريا.

والسؤال الذي حيّر الإعلامية صوفيا فوكار على طول 630 صفحة، ولم تجد له جواباً، quot;هو لماذا مدّ الرئيس الفرنسي يده لبرنارد هنري ليفي، ومنحه ثقة عمياء، وصمّ آذانه عن نصائح مستشاريه ووزرائه، وانخرط في حرب من دون قيد أو شرط، محركها الأساسي رجل غامض ومثير للجدل مثل ليفيquot;.

تتابع فوكار quot;مكالمة هاتفية وحيدة من طرف ليفي، كانت تكفي لقبول ساركوزي الاعتراف الرسمي بالمجلس الانتقالي الليبي، حتى من دون أخذ الوقت الكافي للإطلاع على تشكيلته، ومعرفة الشخصيات المكونة له، وانتماءاتهم السياسيةquot;.

غلاف كتاب quot;الحرب دون أن نحبهاquot;

وأضافت قائلة: quot;الأكيد أن هناك علامات استفهام كثيرة تراود أي مطّلع على فحوى الكتاب حول ما تم تداوله رسميًا بالنسبة إلى ما حدث في ليبيا، والأكيد أيضاً أن ما جمع الرجلين أقوى من أي ولاءات سياسية. فكلا الرجلان يحبّان الأضواء والظهور بمظهر البطل الداعي إلى الخير، ومساعدة الشعوب المضطهدةquot;.

وتتابع في السياق نفسه: quot;رغم كل المبررات التي قدمها ليفي لشرح هذا التحالف الغريب بينه وبين ساركوزي في حربهما ضد نظام القدافي، إلا أن هناك أمورًا بقيت مخبأةquot;.

وتساءلت: quot;ما الذي جعل رئيس الجمهورية الخامسة يساير فيلسوفًا مثيرًا للجدل، ولا يحسب على صفه السياسي، باتخاذ قرارات مصيرية لها تأثير على صورة فرنسا خارجياً، لمجرد إشارة من رجل اختزل في شخصهكل الأدوار؟quot;.

وبحسب استنتاجها، فإن قراءة الكتاب تعطي انطباعًا بأن quot;المؤسسات الرسمية، التي من مهامها مثل هذه الملفات، معطلة، فمنذ بداية الحرب إلى نهايتها لم تقدم لنا إلا فاعلين أساسيين هما هو والرئيسquot;.

وكأنه بذلك، تستطرد فوكار، quot;يريد أن يوصل إلينا رسالة، مفادها أن الحكومة اليمينية عاجزة عن منح فرنسا المكانة التي تستحقها خارجيًا، وعلى أن الرئيس اليميني استنجد بالكاتب والفيلسوف والناشط اليساري، لتدارك الموقف والخطأ الذي وقع فيه، عندما استقبل القذافي في الإليزيه. زد على ذلك أن الكتاب ككل يعطي للثوار والمجلس الانتقالي دورًا ثانويًاquot;.

الخلفية الإنسانية

اندفاع برنار هنري ليفي نحو الحرب في ليبيا ضد القذافي يربطه هو نفسه بخلفية إنسانية، تسمح بحسب تقديره، بالتوظيف العملي لمبدأ يؤمن به، ليس فقط فلسفيًا، وإنما على ساحة الميدان كذلك، وهو quot;حق التدخلquot;، خاصة وأنه رجل ميدان، لا يقتنع بالعمل الصحافي والفكري في المكاتب الدافئة.

quot;فالدور الذي لعبه ليفي في ليبيا تجاوز دور الصحافي أوالمثقف أوالمراسل الحربي، إلى دور وحيد وأوحد هو الدور العسكريquot;، تقول صوفيا فوكار.

يخبر ليفي في كتابه quot;الحرب دون أن نحبهاquot; كيف أقنع الرئيس الفرنسي بهذا المبدأ العزيز جداً على رئيس دبلوماسيته السابق برنار كوشنير، والذي تأسف لمغادرته quot;للكي دورسيquot;، مقر الخارجية الفرنسية، قبل موعد اندلاع أزمة من هذا النوع.

وهو كتاب لا تعتبره الإعلامية صوفيا فوكار quot;عملاً أدبيًا بالكاملquot;، لأنه، بحسبها، quot;مزيج من التحقيق الصحافي والسرد الروائي والعمل الوثائقي، هذا بالنسبة إلى جانب الشكلquot;.

أما بالنسبة إلى المضمون، تضيف فوكار، quot;فنحن أمام كتاب مثير للجدل ككاتبه، لأنها المرة الأولى التي نتلقى فيها هذا الكمّ الكبير من المعلومات، التي لم يتم التطرق إليها، لا في تقارير صحافية ولا تلفزيونية، عن كواليس حرب، وضعت أوزارها أيامًا قليلة قبل نشر الكتابquot;.

quot;نحن أمام ويكيليكس جديدة. تدفع بنا إلى إعادة النظر في كل ما قيل ويقال عن الثورة الليبية وعن حيثيات الإطاحة بنظام القذافيquot;.