يحظى الإعلام المغربي باهتمام كبير في هذه الفترة الموازية للإنتخابات التشريعية المقررة في 25 نوفمبر الجاري. ويصرّ الإعلاميون على الفصل بين الفعل السياسي والفعل الإعلامي، لضمان حرية التعبير، في حين يميّز آخرون بين الإعلام الرسمي والإعلام الخاص.


الرباط: يحرص المهتمون بالشأن الإعلامي والسياسي في المغرب على أن تخلق الخدمة الإعلامية، سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام، مستوى يعكس التوجهات الحقيقية للرأي العام واتجاهاته.

وتزامناًمع الانتخابات التشريعية المقررة في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، اشتد هذا الحرص إستعداداً ليوم الاقتراع المرتقب.

ضغط زمني

في هذا السياق، لم يخفِ الإعلامي في الإذاعة الوطنية المغربية ورئيس منظمة quot;حريات الإعلام والتعبيرquot; محمد العوني في تصريح لـquot;إيلافquot; أن quot;هناك ضغطًا زمنيًا سببه الدولة وأجهزتها والسلطة السياسية، التي اختارت أن تبرمج انتخابات سابقة لأوانها، ردًا على الدينامية الحاصلة في الشارعquot;، في إشارة إلى حركة 20 فبراير الاحتجاجية.

ورأى العوني أن مثل هذه القرارات والإجراءات quot;هي التي تعرقل إشراك المواطنين في العمليتين السياسية والانتخابيةquot;،ما اعتبره مؤثرًا على تراجع ثقة المواطن المغربي بالعملية السياسية ككل، والانتخابية بشكل خاص.

ووصف العوني هذا الوضع بـquot;المؤسفquot; على اعتبار كونه لا يساهم في بناء وخلق تراكم في اتجاه انفتاح العملية السياسية، وعلى تأسيس تجربة ديمقراطية تتقاطع مع التجارب الديمقراطية العالمية.

وتهتم منظمة quot;حريات الإعلام والتعبيرquot; في المغرب، بـ quot;الأجواء العامة لحرية التعبير وإعلام الانتخابات المؤطرة للعملية ككل، بما فيها الحملة الانتخابيةquot;.

ويعتبر العوني أن هناك غيابًا للنقاش الوطني في مختلف الجوانب، quot;ومن ضمنها الجانب المرتبط بـ quot;التأسيس لتأطير عقلاني، يضمن المساواة بين الأطراف المتدخلة في العملية الانتخابية، وفي مجال حرية التعبير في الانتخابات: قبلها وخلالها وبعدها، وفي مجال الإعلام الانتخابي بمختلف أنواعه وأشكالهquot;.

ويضمن القانون المغربي فتح مجال وسائل الإعلام العمومي السمعي البصري أمام الأحزاب السياسية، تحت إشراف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المعروفة بـ quot;الهاكاquot;، إلا أنه لا يخلو من نواقص كثيرة، بحسب رأي العوني.

يبقى الإعلام المستقل في المغرب غير مؤطر بشكل قانوني، quot;ما يدعو إلى الكثير من الملاحظاتquot;، كما أكد العوني، قبل أن يضيف: quot;بل تطرح حوله تساؤلات تأسيسية: لماذا وكيف ينبغي متابعة الإعلام الخاص، الذي يتدخل في العملية الانتخابية بأشكال مختلفة وبمستويات متنوعة؟، وكيف تكون هذه المتابعات، كي تضمن تعاطياً حقيقياً ونزيهاً مع كل الأطراف؟quot;.

تأسف العوني، الذي كان يتحدث لـquot;إيلافquot;، لعدم طرح نقاش مفتوح حول تلك القضايا، خاصة مع الفاعلين الأساسيين داخل وسائل الإعلام، من إعلاميين ومسؤولين عن مؤسسات الإعلام، وكذلك الوسطاء في المجال الإعلامي، كالمستشهرين ومؤسسات الإشهار، وكذلك الفاعلين الإعلاميين لوكالات الاتصال، والأحزاب السياسية، والجمعيات، والمنظمات المدنية، وخاصة المنظمات الحقوقية المهتمة بمتابعة العملية الانتخابية ككل، ومن بينها إعلام الناس.

وكانت منظمة حريات الإعلام والتعبير قد عملت في وقت سابق على الحملة الانتخابية الجارية الآن في المغرب، فنظّمت المهرجان الأول للحريات، بغية فتح نقاش جماهيري حول موضوع الحريات، لكنه لاقى quot;تضييقًاquot; من قبل السلطات المغربية، حسب تصريح رئيس المنظمة، quot;ما يدل على غياب الوعي بالإمكانيات التي تتيحها مساهمة المنظمات المدنية،التي تحتاج إلى العديد من الاجتهادات والاستفادة من تجارب البلدان الأخرى في تطوير الإعلام الانتخابي، وفي تطوير مجال الحريات إبان مرحلة الانتخابات وقبلها وبعدهاquot;.

دفاع عن إعلام مهني مستقل

من جانبه، يصرّ مدير أسبوعية quot;الوطن الآنquot; الصادرة من الدار البيضاء عبد الرحيم أريري، على اعتبارنفسه من أنصار ما يصفه بـquot;الأورثوذوكسيينquot;، في تعبير منه عن دفاعه المستميت عن ضرورة الفصل بين الفاعل الإعلامي والفاعل السياسي، quot;بالنظر إلى أن الخطاب المهيمن حاليًا هو ذلك الخطاب الذي يحاول جرّ الصحافة إلى أن تكون فاعلاً سياسيًا وفاعلاً حزبيًاquot;، وهو ما يعتبره منطقًا يمسّ أخلاقيات مهنة الصحافة.

ويؤكد عبد الرحيم أريري في تصريح خاص بـ quot;إيلافquot; أن هذا الخطاب يشكل عائقًا في وجه طموح مجموعة من الإعلاميين المغاربة في quot;وضع أسس واضحة تميّز ما بين الفعل السياسي والفعل الإعلاميquot;.

وقال أريري في سياق النقاش السياسي الدائر حاليًا في المغرببشأن حملة الانتخابات التشريعية المرتقبة يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني: quot;يأخذ بعضهم الإعلام المغربي على أنه إعلام فاتر، لا يواكب ما يجري بما يلزم من الجدية والموضوعيةquot;، وهو ما يعتبره حكمًا ظالمًا.

ويصف أريريالذين يؤاخذون الإعلام في المغرببـquot;السذجquot;، على اعتبارهم quot;لا يميزون بين الحقول الإعلامية الثلاثة: المكتوبة والسمعية والبصريةquot;، وأضاف: quot;إن للصحافة المكتوبة،بشكل عام، سقفًا عاليًا وهامشًا واسعًا من التحرّك والمتابعة والمجهود، الذي يبذل منقبل مختلف المنابر الإعلامية المكتوبة، ليكون المتلقي على بينة، وفي أوسع صورة من المعطيات ومن المرشحين ومن البرامجquot;.

ويعاتب أريري الإعلام العمومي، وهو الإعلام الخاضع لوصاية وتدخل الدولة المغربية، معتبراً أنه يشكو quot;عطباًquot;، كما حصره في خانة ما اعتبره quot;الإعلام المتخلف عن تعبئة المجتمع المغربيquot;. ويرى أنه نظراً إلى نسبة الأميّة في المغرب وعدم تجذر القراءة في المجتمع المغربي، quot;تبقى وسائل الإعلام المرئية هي الأنسب لجرّ الرأي العام إلى الانخراط والتعبئة في هذا النقاش السياسي والحزبي الدائر حاليًا في المغربquot;.

إعلامان في المغرب

في السياق نفسه، يصرّ مدير تحرير أسبوعية quot;الحياة اليوميةquot; محمد حفيظعلى ضرورة التمييز بين نوعين من الإعلام في المغرب: الإعلام الرسمي، والإعلام غير الرسمي. ويعني محمد حفيظ بالإعلام الرسمي، القنوات التلفزيونية والإذاعات العمومية، ولم يتردد حتى في تصنيف الصحف الحزبية في هذا الإطار.

وبرر حفيظ موقفه لـ quot;إيلافquot; قائلاً إن الخطاب السياسي الصادر اليوم في كل الصحف الحزبية quot;لا يختلف إطلاقًا في هذه المرحلة المتعلقة بالانتخابات التشريعية عن الإعلام الرسمي الذي تسيّره الدولةquot;.

في المقابل، اعتبر حفيظ أن هناك إعلامًا آخر، متمثلاً أساسًا في الصحف quot;غير الرسميةquot;، الخاصة أو الحرّة، وبعض الصحف الإلكترونية، التي quot;تحتفظ بمسافة عن الخطاب الرسميquot;، وبالتالي خلص إلى اعتبار quot;حضور هذه الانتخابات يختلف بين النوعينquot;.

لم يخف حفيظ أن هناك هامشًا من الحرية بالنسبة إلى الإعلام المستقل، quot;يسعى إلى أن يستحضر جلّ الآراء والمواقف والتياراتquot;، بما فيها تلك المنخرطة في التشريعيات الحالية أو تلك الرافضة لها.

ويوضح حفيظ، بخصوص الموقف الرافض للانتخابات الحالية،أنه لا يتعلق بأحزاب سياسية فقط، وإنما كذلك بتيارات حقوقية ومدنية وسياسية، quot;لها موقف سياسي رافض لكل هذه العمليات، التي تمت في الأشهر التسعة الماضيةquot; كما قال، في إشارة إلى الاستفتاء على الدستور الجديد وما سبقه من حراك اجتماعي شهده المغرب، وأطرته حركة 20 فبراير.

كما يرى أن الصراع السياسي في المغرب الآن يتم بين طرفين أساسيين، هما الدولة والأحزاب الموالية لها، لم يستثن منها أي حزب، سواء كان متحملاً لمسؤوليات حكومية أو معارضًا في البرلمان، ومن جهة مقابلة حركة 20 فبراير والجهات الداعمة لها.

وآخذ حفيظ الإعلام الرسمي بشدة لأنه، كما قال، quot;اختار خيارًا غير مهنيquot;، في إشارة إلى إغلاق أبواب وسائل الإعلام السمعي البصري العمومية في وجه المواقف المقاطعة للتشريعيات الحالية. واعتبر حفيظ أن الصحافة المكتوبة في المغرب quot;تعمل في وضعية لا تتوافر فيها الضمانات الكافية لممارسة المهنية الصحافية المتعارف عليها، ما يحدّ من الممارسة الكاملة للحريةquot;.

وتسجل، بين الفينة والأخرى، في المغرب مضايقات، يتعرّض لها صحافيون في العديد من المنابر الإعلامية المكتوبة على وجه الخصوص، ويستحضر العديد من الإعلاميين في وسائل الإعلام الخاصة والمستقلة، التي عادة ما تبدأ بتهمة quot;نشر خبر زائفquot;، تجرّ الصحافي في كل مرة إلى مكتب التحقيق، وقد تنتهي به إلى السجن، مثل حالة الصحافي رشيد نيني مدير يومية quot;المساءquot;، الذي يقضي عقوبة قضائية قضت بسجنه مدة ستة أشهر لدواع صحافية لا غير.