وصف المراقبون الدوليون والمحليون المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية بـquot;الُعرس الديمقراطيquot; الحقيقي، الذي شارك فيه كل طوائف وتيارات الشعب المصري، في تحدٍّ وإصرار واضحين على ضرورة بناء نظام حكم ديمقراطي راسخ، قائم على مؤسسات دستورية حقيقة، وليست شكلية، وهو ما يمكن تسميته بالفعل ببرلمان الثورة، وأكدوا أن الشعب المصري يعيد تاريخه المجيد مجددًا في اجتياز الأزمات، ويرسل رسالة إلى كل من تسوّل له نفسه بالاقتراب من استقراره ومقدراته.


هل يستنسخ حكام مصر الجدد نظام الأمس بحذافيره وأخطائه؟

أشرف السعيد من القاهرة: وصف المراقبون أن المعدن النفيس للشعب المصري يظهر وقت الشدة، وأن لديه القدرة على معايشة واقعه بكل ما فيه، وأنه يستطيع التأقلم مع مجريات الأحداث، ولا يخشى التهديدات الجوفاء أو المؤامرات الخارجية، أو حتى الداخلية من بعض الذين يتصدرون المشهد الفضائي والثوري في ميدان التحرير.

وأثبت الشعب المصري أنه على درجة عالية من الوعي السياسي والانتخابي، وأن الثورة ما زالت تنبض في دماء كل مصري،خصوصًا أنهاجاءت بعد عقود طويلة من المعاناة في تزييف الإرادات للمواطنين وانعدام الشفافية، وعدم القدرة على التعبير عن آراء الشعب، وبعد تغييب تام للصوت الحقيقي للشارع المصري.

وقد رصدت وكالات الأنباء العالمية والفضائيات والمنظمات الحقوقية والمراقبين الدوليين الصورة الحضارية للشعب المصري نساء ورجالاً وشبابًا وكبار السنّ والمرضىعبر حرصهم الشديد على ضرورة الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع من أجل مستقبل أفضل، والخروج من النفق المظلم، الذي عاشته ثورة مصر في الفترة الأخيرة من التظاهرات والمطالبات الفئوية والإضرابات.

في السطور الآتية رصدت quot;إيلافquot; آراء بعض رؤساء الأحزاب والقوى السياسية على الساحة المصرية وقراءاتهم للمرحلة الأولى من الانتخابات.

أداء رائع للشعب المصري
في البداية وصف د.حلمي الحديدي، وكيل مؤسسي حزب النصر العربي المصري -تحت التأسيس- ورئيس اللجنة المصرية للتضامن أداء العملية الانتخابية بأنه quot;كان رائعًا، وكان الشعب المصري مثالاً يحتذى به بالوعي والرغبة في أداء واجبه الوطني، ويمكن القول إن الشعب أدى دوره بامتياز، غير أنه أشار إلى وجود سلبيات من جانب الحكومة في المرحلة الأولى من الانتخابات، مثل التأخّر في فتح باب التصويت في اللجان الانتخابية، وقلة عدد الصناديق الانتخابية والموظفين، وفي بعض الأماكن ضعف الأمن.

إساءة إلى العملية الانتخابية
وتابع: أما الأحزاب المشاركة في الانتخابات فهي التي أساءت إلى العملية الانتخابية بالفعل، وذلك عبر استخدام الأساليب القديمة البالية، مثل تقديم الرشى إلى الناخبين، وتقديم حقائب المواد الغذائية، فضلاً عن قيام الأحزاب بالدعاية الانتخابية خلال اليومين الأخيرين قبيل الانتخابات، وهذه مخالفة لقانون الانتخابات، إضافة إلى استغلال الدينلدى بعض الأحزاب.

الشعب أعاد تاريخه مجددًا
حول الإقبال الكثيف للشعب المصري بكل أطيافه وفئاته على صناديق الاقتراع والمشاركة الإيجابية، أكد الحديدي أن هذا هو تاريخ الشعب المصري، منذ أن بدأت الحياة إلى اليوم، فالشعب المصري هو صاحب أول وأقدم حضارة، وقد وجد نفسه في هذه الانتخابات، بعد غيبة عن الحياة الديمقراطية تقدر بحوالى خمسين عامًا، ولم يكتب تاريخًا جديدًا، بل أعاد تاريخه مجددًا، نافيًا مشاركة حزبه في هذه الانتخابات، لأنه لم يؤسس، بل شارك أعضاؤه كناخبين، وأدلوا بأصواتهم، ومعربًا عن أمله في أن يدخل الحزب حيز التنفيذ قبل بدء العام الجديد 2012.

قوى سياسية بازغة وأخرى لم تحصل على الفرصة
بشأن توقعاته لحصاد الأحزاب المشاركة في الانتخابات من المقاعد، أوضح الحديدي أن هناك قوى سياسية بزغت على الساحة، وأخرى لم تمنح الفرصة، لأن الوقت لم يسمح لها بتكوين أحزاب، مثل شباب الثورة، وهناك قوى قديمة منظمة وغنية، بالقطع ستكون لها محصلة كبيرة من المقاعد في مجلس الشعب.

مضيفًا أنه ليس مع القول إن المجلس المقبل سيعبّر عن كل تيارات الشعب، وإنما ربما المجلس ما بعد المقبل سيعبّر عن قوى الشعب الحقيقية في صورة صادقة.

وعن تصوره المستقبلي للمرحلتين المقبلتين من الانتخابات، شدد الحديدي على أن الحاضر هو الذي يصنع المستقبل، وأنه ليس متسرعًا في الحكم على الأمور.

المشاركة تعبير عن إصرار الشعب في ممارسة حقه
من جانبه، قال د.رفيق حبيب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة quot;الإخوان المسلمينquot;: كنت أتوقع المشاركة الإيجابية من الشعب المصري، بل إنني قلت إنهاقد تزيد عمّا حدث في الاستفتاء في 19 مارس الماضي، وأتت هذه المشاركة لتعبّر عن مدى إصرار الشعب المصري على ممارسة حقه وحريته.

مشيرًا إلى أن الأداء في العملية الانتخابية في مجمله جيد، وأن السلبيات الموجودة بسيطة، وهي تجربة أولى، ويمكن أن نجد المرحلتين المقبلتين من الانتخابات أفضل، ومعتقدًا أن الديمقراطية في مصر تقدمت بأسرع مما توقع الجميع، بسبب أن غالبية المراقبين يتجاهلون حقيقة الشعب المصري، الذي أثبت أنه صاحب إرادة قوية وفعل سياسي مؤثر.

المرحلة الأولى بداية الخريطة السياسية والمجتمعية
وتابع أما الأداء الحكومي للعملية الانتخابية، فقد قامت القوات المسلحة بالدور الأبرز في تنظيمه وتأمينه، كما كان دور القضاء مهمًا، ويمكن تلافي بعض الأخطاء، التي وقعت من جانب بعض الموظفين المنتدبين في اللجان الانتخابية في المرحلتين المقبلتين، فضلاً عن انتشار حالة أمنية كاملة بهذا الشكل، وهو نتيجة مذهلة تؤكد المشاركة الشعبية الكبيرة، والتي لها تأثير كبير جدًا على مستقبل مصر، والمرحلة الأولى من الانتخابات هي بداية الخريطة السياسية والمجتمعية، التي ستشكل المرحلتين المقبلتين.

سلبيات وأخطاء محدودة
في ما يتعلق من منظوره بممارسة الأحزاب في العملية الانتخابية، أكد حبيب على وجود بعض السلبيات والأخطاء بين الأطراف المختلفة، لكنها محدودة ndash;على حد قوله- ويمكن معالجتها خلال المرحلتين المقبلتين.

مستبعدًا تأثير الممارسة الحزبية بشكلها العام على سير العملية الانتخابية، ومشددًا على أننا نحتاج استكمال التجربة حتى يضبط السلوك الانتخابي بين كل الأطراف، ولكن الممارسة المقبلة تمثل بداية جيدة جدًا لتجربة ديمقراطية بدأت الآن.

وأكد حبيب أن الشعب المصري أثبت أنه صاحب القرار الآن، وهو ضمانة الديمقراطية، وعلى كل الأطراف أن تتعامل باحترام شديد مع إرادة الشعب المصري، مضيفًا أنه من دون الحكم على الآخرين، فإن خروج الشعب المصري هو قرار ببداية العملية السياسية والبناء والخروج من حالة التظاهر إلى حالة الممارسة السياسية الصحيحة.

الرأي العام المصري قارب النجاة لمرحلة الاستقرار
بشأن تصوره المستقبلي للمرحلتين المقبلتين من الانتخابات، بيّن حبيب أن مصر تخرج الآن من عنق الزجاجة، وأن المرحلتين الثانية والثالثة ستكونان مشهدًا ناجحًا مثل المرحلة الأولى، ولافتًا إلى أن قوى الرأي العام المصري هي قارب النجاة للعبور إلى مرحلة الاستقرار.

المرحلة الأولى عيد الديمقراطية الشعب المصري
من جهته، أكد ممدوح قناوي رئيس الحزب الدستوري الاجتماعي الحر أن يومي 28 و29 نوفمبر كانا عيدًا للشعب المصري، وأنهما ميلاد جديد له، بل عيد للديمقراطية والحرية،والانتخابات بداية ميلاد جديدة لمصر قوية وحديثة على طريق الديمقراطية والحرية والعدل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن الأداء بمجمله في ما خص العملية الانتخابية كان جيدًا نظرًا إلى المشاركة الشعبية الواسعة.

كما إن هناك صحوة مصرية كبيرة لدى الشعب المصري، وارتفاعًا في مستوى الوعي السياسي والانتخابي والدستوري، بما يبشّر بأن شعب مصر سيبلغ، ليس فقط سنة أولى ديمقراطية، بل سيحصل فيها على درجتي الماجستير والدكتوراه في غضون ثلاث سنوات.

معربًا عن تفاؤله بسبب الارتفاع الملموس في درجة الوعي لدى الشعب المصري في المرحلة الأولى من الانتخابات، مؤكدًا أن الشعب المصري أصبح متغلغلاً في عمق السياسة، بعدما أعطى ظهره للسياسة لسنوات طويلة.

56 مرشح فقط... وفلول الوطني مزيفون
وحول مشاركة حزبه في الانتخابات، أشار قناوي إلى أن حزبه تقدم في المراحل الانتخابية الثلاث على مستوى الجمهورية بنحو 56 مرشحًا ما بين الفردي والقائمة، وأن حزبه شارك في هذه الانتخابات كواجب وطني، ولكي لا ينسحب منها، وهذا شرف لحزبه، كاشفًا عن أن بعض فلول الحزب الوطني السابق رشحوا وملأوا الساحة ضجيجًا، ولن ينالوا شيئًا من حصاد الديمقراطية، لأنهم مزيفون ndash;على حد قوله-.

المصداقية وإقبال الشعب على التصويت
أما د.عصمت الميرغني وكيل مؤسسي الحزب الاجتماعي الحر-تحت التأسيس- فقد أكدت أن حضارة سبعة آلاف عام نضحت على الشعب المصري في المرحلة الأولى من الانتخابات، وأفرزت هذا المجتمع الحضاري بكل معاني هذه الصور، وأثبتت هذه الانتخابات أن المصداقية هي التي تجعل الشعب يثق في بلده ويحافظ على سمعتها، فضلاً عن الشفافية من جانب الحكومة التي تجعل الشعب يشارك بإيجابية. أما الغش والتزوير في الانتخابات فهو يفقد مصداقية الحاكم، وبالتالي يشعر المواطن بأن لا فائدة مرجوة من مشاركته.

أول سيدة تؤسس حزبًا
حول مشاركة حزبها في هذه الانتخابات، قالت إن حزبها يشارك في الانتخابات كمراقب فقط، لأنه ما زال تحت التأسيس، على الرغم من أنه أقدم حزب تقوم بتأسيسه سيدة منذ عام 2008، في ظل وجود النظام السابق، حيث رفض من قبل لجنة شؤون الأحزاب في مجلس الشورى برئاسة صفوت الشريف ndash;آنذاك - وذلك لاعتراضه على برنامج الحزب، ووصفه بأنه غير مميز، والذي جاء ضمن مواده ضرورة أن تكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فلذلك رفض الحزب ndash; آنذاك-، ومشددة على أن الحزب الاجتماعي الحر تنبأ بثورة 25 يناير، وأن كل مبادئ الثورة كانت من بين برنامج الحزب.

لقاء عنان وقانون محاكمة رئيس الجمهورية
كشفت الميرغني عن أنها التقت نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الفريق سامي عنان ndash; قبل شهر تقريبًا- وتناولت معه قانون العقوبات الحالي، الذي تعتبره أنه غير كاف لرصد الاتهامات الخاصة بمحاكمة الرئيس السابق، ومؤكدة له وجود قانون ذي سقف عال مازال ساريًا حتى الآن، وهو القانون رقم 247 لسنة 1956، وهو الخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية، وقد صدق عليه الرئيس جمال عبد الناصر.

مضيفة أن هناك مادةفي هذا القانون تسمّى quot;مادة الخيانة العظمىquot;، وتتمثل في الفساد السياسي وتزوير الانتخابات والاستفتاءات، والتدخل في تغيير النظام الجمهوري، وكل ذلك يندرج تحت مسمّى وسقف الخيانة العظمى، وعقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، كما عرضت على الفريق عنان مذكرة أخرى تضم 27 مادة.

الشعب خرج حبًا للاستقرار
وحول تصورها المستقبلي للمرحلتين المقبلتين من الانتخابات في مصر، أكدت الميرغني أن هاتين المرحلتين لن تخرجان عن المرحلة الأولى، لأن الحضارة لا تتجزأ بعدما خرج الشعب عن بكرة أبيه، من منطلق ثقته في حاكمه وفي نفسه وبلده، وحبًا للاستقرار في وطنه، فلن يوقفه أي تهويل أو تهوين أو تهديد، وهذه هي مصر وشعبها الأصيل.