كيم جونغ ايل قائد كوريا الشمالية

كان كيم جونغ ايل قائد كوريا الشمالية، إلا أن ظهوره العلني كان قليلاً. سمع الكوريون الشماليون أنفسهم صوت كيم يُبث مرة واحدة في عام 1992. نال عام 1980 منصبا في لجنة الدفاع الوطنية، التي تعتبر مركز القرار الثاني في النظام.


لندن: على امتداد ما يقرب من عشرين عاما كان كيم جونغ ايل فيها قائد كوريا الشمالية ظل قليل الظهور في العلن، ولم يسمعه العالم الخارجي ولا حتى مرة واحدة.

عاش كيم حياة معقَّمة، أُحيط منذ يوم مولده بأشخاص يجلون والده الزعيم كيم ال سونغ ويخافونه، ثم نقلوا مشاعرهم هذه الى الابن. ويُرجح ان كيم طيلة حياته التي امتدت نحو 70 عاما لم يسمع إلا قلة من الأشخاص ينتقدون أي شيء قاله أو فعله انتقادا مباشرا.

وبالمقابل لم يعرف العالم الخارجي إلا نسخة منقحة من كيم بوصفه دكتاتورا التقت قوتان على رسم صورته. وأول هاتين القوتين دعاية بلده التي صورته زعيما لا مثيل له، موسوعيا يعرف كل شيء ورياضيا موهوبا. والقوة الثانية هي فقر الكوريين الشماليين ويأسهم بسبب قراراته التي وضعت بقاء نظامه والنخبة الحاكمة فوق مصلحة شعبه.

كانت صور عن زيارات كيم لقواعد عسكرية ومؤسسات انتاجية وحضوره فعاليات ثقافية كثيرا ما تُنشر في الاعلام الرسمي ولكن اشرطة الفيديو كانت نادرة وصوته لم يُسمع قط خارج بلده. بل ان الكوريين الشماليين أنفسهم سمعوا صوت كيم يُبث مرة واحدة في عام 1992، حين قال في اجتماع حاشد quot;المجد لجيش الشعب البطلquot;.

وبالمقارنة مع غالبية زعماء العالم فان كيم التقى عددا محدودا من الزوار الأجانب. والذين التقاهم لم تتكون لديهم إلا فكرة عابرة من خبرة اللقاء. وكتبت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين اولبراتي بعد لقائها كيم عام 2000 انه quot;ذكيquot; وquot;حسن الاطلاعquot; ولكنها اضافت quot;ان المرء لا يمكن ان يقود نظاما قاسيا بقسوة نظام كوريا الشمالية من دون ان يكون هو نفسه قاسياquot;.

وكان هوانغ يانغ يوب اكبر مسؤول كوري شمالي يهرب من بلده بعدما عمل استاذا جامعيا إبان الستينات، وقال في مقابلة معه عام 2009 ان كيم لم يفعل أي شيء صعب. وأكد هوانغ الذي توفي عام 2010 ان كيم quot;لم يقرأ قط كتبا في الماركسية ولم يقرأ قط كتبا في التاريخquot;. واضاف انه quot;كان مهتما بالتجسس والانقلابات العسكرية. وكان مهتما بالدكتاتوريةquot;.

عاش كيم، مثله مثل الحكام المستبدين على امتداد التاريخ، حياة ترف وبذخ فيما يعاني شعبه شظف العيش.

دأب كيم الذي كان قصير القامة يميل الى البدانة بكتلة شعر منتصبة، على ارتداء البدلات الرياضية بدلا من الملابس الغربية، وهي سمة من عدة سمات أضفت عليه مسحة من الزهد وجعلته هدفا للنكات. وترك كيم سبعة اطفال من اربع زوجات، وعاشر في سنواته الأخيرة امرأة خامسة تصغره أكثر من 20 عاما.

عاش كيم في قصر خارج العاصمة بيونغيانغ، فيه مضمار لسباقات الخيل واحواض سباحة وبحيرة اصطناعية. وكانت لديه مجمعات مماثلة في مدن أخرى بعضها يمكن الوصول اليها بقطارات لا يستخدمها إلا افراد حاشيته. وعلى امتداد عامين في منتصف التسعينات كان كيم أكبر مشترٍ في العالم لكونياك هَنَسي بارديس كما كشفت الشركة المنتجة في حينه.

وكانت الصور التمجيدية التي تبثها وسائل الاعلام الرسمية في كوريا الشمالية عن الزعيم كيم تتعارض بحدة مع الأعمال التي تصوره بسخرية في الخارج. وصوَّره فيلم أُنتج عام 2004 مهووسا يهرف حول المحاولات الخارجية للسيطرة عليه.

في الثمانينات حين كان والده لم يزل في السلطة اعلن كيم لسينمائي كوري جنوبي انه لا يصدق مظاهر المحبة التي يبديها الكوريون الشماليون البسطاء تجاه والده أو تجاهه هو. وقال للمخرج شن سانغ اوك quot;ان الأمر كله اكذوبة. فهم يتظاهرون بمدحي لا أكثرquot;.

امضى كيم جونغ ايل حياته كلها في ظل والده. فالجامعة التي درس فيها كان اسمها جامعة كيم ايل سونغ ووظيفته الأولى كانت في وزارة الدعاية المسؤولة عن اقناع الكوريين الشماليين بأن قيم والده خالدة وقوته حصينة. واراد كيم منذ الصغر ان يسير على خطى والده، كما قال اقرباء ومسؤولون غادروا كوريا الشمالية في تقارير اعلامية وكتب نشروها.

وعندما تسلم كيم جونغ ايل مقاليد السلطة واجه مصاعب أكبر من أي شيء واجهه والده. ففي منتصف التسعينات عاشت كوريا الشمالية أزمة خانقة بعد انهيار راعيها الاقتصادي الأول، الاتحاد السوفيتي، وتفكك الكتلة الشيوعية لاحقا.

وتولت الصين دور الراعي بعد ذلك وحاول القادة الصينيون في احيان كثيرة اقناع كيم بالسير على طريق الانفتاح الاقتصادي الذي اختطوه في بلدهم. ولكنه كان ينظر الى مثل هذا النهج على انه يشكل تهديدا لسلطته. وكشف هاربون ان كيم اصدر عام 2008 بيانا حمل فيه على اقتصاد السوق وان الماكنة الاعلامية الرسمية قامت بترويج البيان على نطاق واسع.

ولد كيم عام 1941 في قرية روسية نائية حيث كان والداه يقودان مجموعة من المقاتلين الشيوعيين ضد الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية، بحسب تقارير تستند الى مصادر كورية شمالية وروسية. وظلت الدعاية الرسمية تؤكد انه ولد عام 1942 على سفح جبل بايكتو، اعلى جبل في شبه الجزيرة الكورية. وتقول كتب عن سيرة كيم انه قام بتغيير سنة ميلاده الى 1942 ليحتفل يوبيليا كل عشر سنوات بعيد ميلاده في عام واحد مع عيد ميلاد والده المولود عام 1912.

عاش كيم طفولة مأسوية. ففي الخامسة من العمر شهد غرق شقيق اصغر في بركة وكان في السابعة حين توفيت والدته. وأمضى كيم وشقيقته الأصغر شطرا كبيرا من سنوات مراهقتهما في قلق من ان يهملهما والدهما لصالح اطفاله من زوجته الجديدة، كما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن اشخاص تربطهم صلة قرابة بعائلة كيم هربوا من كوريا الشمالية.

بنى والد كيم كوريا الشمالية وفق مبادئ الاقتصاد المركزي المخطط على الطريقة الستالينية. وعمل كيم على القيام بدور بارز في نظام والده منذ سنوات الدراسة في الكلية إبان اوائل الستينات. وارتقى في عقد السبعينات متوليا عدة مناصب في حزب العمال الحاكم. وفي عام 1980 نال منصبا في لجنة الدفاع الوطنية، التي تعتبر مركز القرار الثاني في النظام بعد قيادة الحزب، ومنذ ذلك الحين اصبح وريث والده في الحكم.