تصريحات الرئيس التونسي التي وصف فيها نفسه بأنه رئيس مستقل لبلد مستقل، وأن فرنسا أقل الدول فهما للمنطقة العربية، خلفت جدلا كبيرا.

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي

باريس: كان منتظرا أن تثير تصريحات الرئيس التونسي المنتخب حديثا، منصف المرزوقي لصحيفة فرنسية، اهتماما خاصا من قبل وسائل الإعلام ،بعد أن وجه من خلالها رسالة، جزء فيها مقروء والجزء الآخر مشفر إلى باريس وباقي منتقديه، كانت الأولى من نوعها من طرف نظام فتي في هذا البلد المغاربي نحو بلد غربي، وبتوقيع القاطن الجديد لقصر قرطاج.

أكد منصف المرزوقي في حوار لصحيفة quot;لوجورنا دوديمونشquot; أنه quot;ليس له أي حساب لا في سويسرا ولا في فرنسا، وهو من الآن رئيس مستقل لبلد مستقل، والمنطق الاستعماري انتهىquot; بالنسبة له، معتبرا أن الفرنسيين هم غالبا الأقل فهما للعالم العربيquot;، بل الأكثر من ذلك يراهم quot;سجناء مسلّمات بشأن الإسلام''.

فما الذي جعل مؤسس حزب المؤتمر من أجل الديمقراطية يتحدث عن بلد احتضنه لعشرات السنوات كلاجئ سياسي بهذه اللهجة؟

مراقبون يعتقدون أن التخوفات والتحذيرات التي وجهتها باريس وروج البعض منها كذلك الإعلام الفرنسي تجاه حزب النهضة، حليفه في الحكومة الحالية، ينظر لها المرزوقي، المناضل التقدمي المعروف، على أنها تتهمه بتنازله عن قناعاته السياسية والحقوقية جراء هذا الائتلاف مع تنظيم إسلامي.

على هذا الأساس سخّر جزءا من هذا الحوار مع الصحيفة الفرنسية للذود عن حزب النهضة الذي يرفض وضعه في خانة quot;الطالبانquot;، وتحالفه معه يعني، بالنسبة له، التزام الطرفين quot;بالخطوط الحمراء التي حددها في quot;الحريات العامة، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، الطفل، كما ورد في تصريحات سابقة له.

في هذا السياق،ق ال الرئيس التونسي لصحيفة quot;لوجورنال دوديمونشquot;، في قراءة سياسية للمجتمع التونسي:quot;مجتمعنا يتكون من قسمين، قسم محافظ، وتعبيره السياسي هو الإسلاموية، لديكم أحزاب ديمقراطية مسيحية في أوروبا، ونحن لدينا حزب ديمقراطي إسلامي.ا لزعم بأننا بعنا أرواحنا للشيطان بتحالفنا مع الإسلاميين هو ضرب من الخيالquot;، بحسب المرزوقي.

ويزيد من حدة مهاجمته لمنتقدي حزب النهضة، متحدثا لنفس الجريدة: إن quot;التخوفات تجاه النهضة هي تخوفات غبيةquot;، وهو بذلك، بحسب ملاحظين، يدافع عن نفسه، لأن أي ضرب في حليفه راشد الغنوشي، يعني استهدافا له، باعتبار أن الاثنين ركبا نفس العربة لقيادة تونس معا نحو المستقبل.

الزعيم السابق لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية أظهر في السابق اختلافه مع quot;رفاقهquot; في اليسار التونسي، فهو من القياديين السياسيين الذين يؤمنون بيسار ينسجم مع التربة العربية والإسلامية، وضد استيراد نموذجه الغربي.
تقاطع منصف المرزوقي اليوم مع حزب النهضة،هناك من يعتبره محاولة من حزبه لتجديد الفكر اليساري في تونس، على غرار ما يحصل في المغرب بين التقدم والاشتراكية من جهة، والعدالة والتنمية من جهة ثانية. فهل سينجح في ذلك؟

المرزوقي وquot;الشرعية الثوريةquot;

يعتبر كريم إيميل بيطار مدير أبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، تصريحات المرزوقي كونها ذات quot;أهمية رمزية، فالمرزوقي،بالنسبة له، quot;لا يتحدث فقط كرئيس تونسي. بل يتحدث انطلاقا من شرعية ثورية تتعدى الحدود التونسية. فهو يمثل الشباب العربي الثائر الذي لم يعد يقبل أبدا باستعلاء القوى العظمى، ولا ينسى أن هذه القوى دعمت الديكتاتوريات حتى النهايةquot;.

يقرأ بيطار الثورة التونسية، في إفادته لـ(إيلاف) كاستقلال ثاني لهذا البلد بشكل من الأشكال، مضيفا أن quot;المرزوقي يتحدث كرجل حر، ويعتبر أنه ليس في حاجة إلى دروس من قبل فرنسا. فهو يعرف طبقتها السياسية، ويعرف التوافقات وغض الطرف الذي عرفت به السياسة الفرنسية في إفريقيا وفي الشرق الأوسط، حسب بيطار.

ويتابع في ذات المنحى أن quot;المرزوقي يدرك أن التونسيين، مهما كانت انتماءاتهم السياسية، لم يصفحوا بعد لفرنسا دعمها لبن علي والعرض الذي قدمته ميشيل أليو ماري له بإرسال قوات أمن فرنسية لضبط التمرد. وهو من المعارضين للنظام السابق وعانى من هذا الموقف الفرنسي لمدة عشرين سنةquot;.

فالمرزوقي،بحسب بيطار، يريد اليوم أن يفتح منفذا جديدا ويسعى لأن يغير العقليات. فهو يعتقد أن الموقف الفرنسي تجاه الإسلام ظل حبيس كليشيهات ورؤى تبسيطية. وهذه الرؤية المنحازة منعت فرنسا من نهج سياسة مناسبة للمنطقة. ومن المهم الإشارة إلى أنه لم يثر فقط الحالة التونسية بل كذلك السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا quot;فرانسأفريكquot; والدعم الفرنسي لعدد من الأنظمة المعروفة بسياساتها اللاديمقراطيةquot;.

و يرى بيطار أنه quot;ربما المرزوقي هو الرئيس العربي والإفريقي الأول الذي ليس له أي عقدة في علاقته مع القوة الاستعمارية السابقة، يحب فرنسا والثقافة الفرنسية، لكنه لا يتردد في إدانة بعض الممارسات السياسية في البلدان التي توجد تحت التأثير الفرنسي منذ القدم. يعتقد أن فرنسا عوض أن تعمل على إنعاش الديمقراطية استأنست بالديكتاتوريات لأجل الحفاظ على المصالح الاقتصادية والإستراتيجيةquot;.

الطبقة السياسية الفرنسية وتصريحات المرزوقي

لا تتقاسم الطبقة السياسية الفرنسية نفس الانطباع نحو تصريحات الرئاسة التونسية الفتية، بحسب بيطار، quot;فقسم منها لا يتلقى بالإيجاب هذا النوع من التصريحات. فهو غير متعود على سماع رئيس دولة عربية يتحدث بهذه الطريقة. لكن في أعماقه، يعلم أن فرنسا ارتكبت العديد من الأخطاء في تونس وأن تصريحات المرزوقي يمكن تفهمهاquot;.

بخصوص الرأي العام الفرنسي واليسار والمثقفين، يضيف مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية، quot;تفاعلوا مع هذه التصريحات إيجابا. ويأملون أن يسمح ذلك بفتح صفحة جديدة تكون أقل وصما بالأبوية، وتشهد محاباة أقل من طرف فرنسا تجاه الأنظمة التي لا يضرب بها المثلquot;، على حد تعبيره.