أضافت الاشتباكات التي شهدها ميدان التحرير يوم الأربعاء بعدًا جديدًا على أحداث مصر. وفي هذا الشأن أثار موقف الجيش تساؤلاً عمّا إذا كانت المؤسسة العسكرية تتخذ جانب الحكم من البداية.


يحظى الجيش منذ نزول دباباته إلى الشارع في 28 كانون الثاني/يناير بتأييد المتظاهرين المناوئين لحكم الرئيس حسني مبارك وتعاطف سكان القاهرة عموما. ونقلت مجلة تايم عن المحامي طاهر محمد يوم كان متوجها للمشاركة في التظاهرة المليونية قوله quot;ان الجيش كله يدعم الثورةquot;. وكان الرأي السائد أن الجيش يقف على الحياد وأنه يمثل الشعب ويرفض فتح النار على المتظاهرين. وكان المحتجون المطالبون برحيل مبارك يتوقفون لمصافحة الجنود أو تحيتهم من فوق الدبابات.

ولكن يوم الأربعاء تمكن حشد من أنصار مبارك المسلحين بالعصي والحراب وجمع آخر على ظهور الخيل والجمال من المرور عبر نقاط التفتيش العسكرية والمدنية الكثيرة واقتحام ميدان التحرير دون أن يحرك الجيش ساكنًا على ما يبدو. وحدث هذا كله في وقت يتعيّن على السابلة وسائقي السيارات أن يمروا بشبكة لا يمكن اختراقها عمليا من الحواجز التي أقامها الجيش في وسط القاهرة.

وفي غمرة الاشتباكات والتراشق بالحجارة بين انصار مبارك ومناوئيه اعرب محتجون عن شعورهم بالصدمة إزاء امتناع الجيش عن التدخل لوقف العنف. ونقلت مجلة تايم عن الناشط في حركة 6 ابريل محمود عفيفي قوله quot;ان البلطجية يضربوننا من كل الاتجاهات... ولا نعرف لماذا لم يمنعهم الجيشquot;. واضاف quot;إننا غاضبون جدًا على الجيش الآنquot;.

كما ابدى بعض المصريين استغرابهم إزاء مشهد افراد الشرطة يتخذون مواقعهم بجانب الجنود على نقاط التفتيش. وكانت قوات الشرطة المكروهة بسبب أساليبها القاسية، سُحبت من اقسامها بعد هجومها على المتظاهرين في 28 كانون الثاني/يناير. ولكنّ مراقبين يتساءلون الآن عما إذا كان افراد الشرطة والجيش يلعبون في فريق واحد.

بعد خطاب مبارك ليل الثلاثاء الذي اعلن فيه عدم الترشح بدا أن عددا متزايدا من المصريين اعتبروا تنازله كافياً وأن الوقت قد حان لعودة الحياة الى حالتها الطبيعية. وقبل إندلاع الاشتباكات كان انصار مبارك يُقابلون بتزمير سائقي السيارات العالقين في زحمة المرور تحية لهم. وكان هؤلاء المؤيدون الذين بدأوا ينزلون إلى الشارع منذ يوم الثلاثاء يوصفون قبل ذلك بالمأجورين للحزب الوطني الحاكم. ولكن مراقبين يقولون الآن إن احداث الأربعاء اظهرت انهم ليسوا جميعا بيادق بيد السلطة.

رغم ذلك كان قرار مبارك إحالة نفسه على التقاعد غير مقبول لآلاف من المتظاهرين الذين عادوا الى الاحتشاد في ميدان التحرير متعهدين البقاء حتى رحيله. وفي مؤتمر صحافي عُقد الأربعاء في مقر حزب الغد الليبرالي تحت راية التجمع الوطني للتغيير ، اعلن اقطاب المعارضة من جماعة الأخوان المسلمين الى حزب الوفد وحركة 6 ابريل ، رفضهم مقترحات النظام. وقال القيادي في حركة كفاية جورج اسحاق quot;اننا لسنا ضد المفاوضات ولكن المفاوضات ستبدأ بعد رحيل مباركquot;.

ولكن تجمعات معارضة أخرى قررت أن التنازل الذي قدمه مبارك كاف وانهم مستعدون للتفاوض مع النظام لإعادة البلد الذي أصابه الشلل إلى حياته الطبيعية وتحريك عجلة الاقتصاد من جديد. وقالت صحيفة المصري اليوم إن هذه التجمعات تضم حزبي التجمع والوفد والناصريين.

في ضوء هذه التطورات فان ما يجري الآن هو استقطاب حاد في الشارع بين القوى المناوئة للنظام وانصاره. وعلى هذه الخلفية اصبحت سمعة الجيش باتخاذه موقف الحياد أداة للمناورة والتوظيف السياسيين. وقالت هالة مصطفى رئيسة تحرير فصلية الاهرام كوارترلي ديموكراسي ريفيو الصادرة عن مركز الاهرام للابحاث السياسية والاستراتيجية الممول من الحكومة إنها تعتقد quot;ان النظام يستخدم كل شيء للحفاظ على استمرارية السلطة، وأن حياد الجيش يمكن ان يُستخدم من قبل النظام للبقاء في الحكمquot;. واشارت الى أن ذلك يمنح النظام وسيلة لحرمان المحتجين من أفضلية السيطرة على الشارع. واضافت أن الجيش مهد الطريق لمن توافدوا مسلحين وراكبين ثم ظل محايدًا حتى بعدما تحولت الاشتباكات الى مواجهات دامية.

الآن يلعق المتظاهرون الغاضبون جراحهم ويعدون الخطط لمواجهة الهجوم المعاكس الذي بدأه مبارك. ونقلت مجلة تايم عن الناشطة مروة ناصر أن ما حدث يوم الأربعاء زاد المحتجين اصرارًا. واكدت مروة ان quot;لا أحد سيعود الى منزله، بل ستنمو صفوفنا وستتواصل الحركة بلا أدنى شكquot;.

ويقول المتظاهرون الذين حاصرتهم اعمال العنف أو اختاروا البقاء في ميدان التحرير إن احداث الأربعاء المروعة ليس من شأنها إلا ان تجعل مطالبتهم برحيل مبارك أشد حزما. ويعتقد كثيرون أن العنف كان من تدبير النظام. وان الغضب بلغ نقطة الغليان.