ما فتئ قانون الطوارئ يعتلي قائمة القيود المكبّلة للحريات في مصر، فمنذ صدور هذا القانون عام 1981 وتطالب المنظمات الحقوقية باستبعاده، او على الاقل التخفيف من وطأته، بينما يرى النظام والموالاة ضرورة تفعيله، بذريعة الحفاظ على الاستقرار، ومجابهة ما تصفه بالتهديدات الداخلية والخارجية.


القاهرة: برز قانون الطوارئ المصري بين أولويات المطالب التي قد تطرحها احزاب المعارضة خلال الفترة المقبلة، إذ يعتبره المراقبون عائقاً ربما يحول دون العديد من الحقوق، ومقوضاً لشرعية الممارسة السياسية وحرية التعبير لدى شريحة كبيرة من المثقفين.

وكان القانون المفروض منذ بداية عهد نظام حسني مبارك quot;1981quot;، قد لاقى اعتراضات من قوى سياسية وحزبية، الا ان الفترة التي نما فيها كانت تعطي للنظام مبرراً قوياً، في ظل تزامنها مع ملاحقة القياديين في عملية اغتيال الرئيس المصري الراحل انور السادات، وما تلاها من مراحل هدفت الى ترسيخ اقدام النظام الجديد.

مشهد دراماتيكي

ورغم استتباب الأمور السياسية والأمنية في البلاد، ارتأى نظام مبارك أن استبعاد قانون الطوارئ قد يرفع يد الأمن عن المواطنين، الأمر الذي قد يُعيد مشهد النهاية الدراماتيكي لسلفه السادات.

وتعطى المادة quot;148quot; من الدستور لرئيس الجمهورية سلطة إعلان حالة الطوارئ، بعد طلب مشورة مجلس الوزراء في الحالات التي يتعرض فيها الأمن أو النظام العام للجمهورية للخطر بسبب الحرب، أو التهديد بالحرب، أو حالة عدم الاستقرار الداخلي، أو الكوارث أو الأمراض الوبائية، ومن حق مجلس الشعب أن يراجع هذا القرار ويعيد النظر فيه خلال 15 يوما.

ويرى خبراء في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; أنه بعيداً عن نص المادة 148 من الدستور، قرر النظام المصري تمديد فترة العمل بقانون الطوارئ لمدة عامين بداية من الأول من كانون الثاني/ يناير 2010، وفي وقت اعتبر العمل بالقانون مقتصراً على مواجهة أخطار الإرهاب والمخدرات، انطوى في حقيقة الأمر على تعليق الأحكام القضائية المترتبة على هذا القانون، ولم يلغ القانون انطلاقاً من رغبة النظام المصري في فرض قيود على حقوق المواطنين لمواجهة قوى المعارضة، كما انه شكّل بحسب الدكتور طارق فهمي استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; ndash; شكّل مرجعية لمعظم قيادات الأمن في وزارة الداخلية المصرية في استخدامه، انطلاقاً من اطار ما يعرف بتحقيق الأمن السياسي، ومستقبل أمن النظام الحاكم.

مشروعية القانون

واذا جرى الحديث عن مشروعية قانون الطوارئ يرى المحامي محمد السيسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ان قانون الطوارئ اعطى لرجال الأمن والداخلية العديد من الصلاحيات لتوظيف القانون لخدمة ما يسمى بالأهداف الأمنية، ومنها ملاحقة العشرات من الاسماء والشخصيات، سواء كانوا من المواطنين العاديين او رؤساء الأحزاب، ما خلق خللاً في توازن السلطات.

واضاف السيسي في حديث خاص لـ quot;إيلافquot;، ان خلل توازن السلطات الذي سببه قانون الطوارئ، ينحصر في ما يعرف بازدواجية النظام القضائي quot;القضاء العادي، والاستثنائي والمقصود به إحالة المدنيين على القضاء العسكري في قضايا العنف والتطرفquot;، وعزز ذلك سلطات رئيس الدولة، ما كرس لمفهوم فكرة quot;الفرعونية السياسيةquot;، التي كان الدكتور جمال حمدان أول من أصّل لها في مصر.

ويرى السيسي في حديثه لـ quot;إيلافquot; ان العمل بقانون الطوارئ لا ينبغي ان يكون ممتداً، إذ إن اسمه يوحي بأنه مخصص لأوقات الطوارئ، التي تمر فيها البلاد بحالة امنية متردية سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، وعليه فإن تمديد العمل به تحت مسمى quot;الطوارئ او مكافحة الارهابquot; يعد مخالفة صريحة للدستور المصري، إذ إن الدستور يوصي بتحديد العمل بهذا القانون بمدة اما اذا تجاوزها فيكون مخالفاً.

إعادة النظر

من جانبه يرى استاذ القانون يحيى الجمل في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; ان الفترة المقبلة في تاريخ مصر الحديث تقتضي ضرورة اعادة النظر في قانون الطوارئ، وعدم العمل به الا في ظروف امنية وسياسية خاصة جداً، غير انه استبعد اقدام الحكومة المصرية على تلك الخطوة بشكل مباشر.

وشاركه في الرأي الدكتور طارق فهمي الذي اكد لـ quot;إيلافquot; انه قد تلجأ الحكومة الى حزمة من القوانين البديلة لقانون الطوارئ، ولكنها لن تخرج في اطار العام عن مضمون القانون نفسه، كما هو الحال مع القانون المعروف بقانون الإرهاب، فعلى الرغم من تغيير المسمى، الا ان المضمون واحد ولم ولن يتغير.

واضاف الدكتور فهمي: quot;اتصور ان الفترة المقبلة التي ستلي ما تشهده مصر اليوم من توترات على الصعيدين الداخلي وربما الخارجي أيضا، ستُجبر الحكومة على مواصلة العمل بقانون الطوارئ في محاولة لكبح جماح التيارات السياسية المعارضة، وان كان المعلن هو التعاطي مع المرحلة المقبلة في مصر بأدوات حاسمة تفادياً للفوضىquot;.