إذا كان الموقف الروسي الرسمي يتسم بالحذر الواضح حيال التطورات التي تشهدها الساحة المصرية منذ أكثر من أسبوع، فان المهتمين بشؤون المنطقة ومصر على وجه الخصوص يرسمون التكهنات حول ما ستنتهي إليه الازمة وسط حديث عن صعود نجم عمرو موسى وتوقعات بأن يتسلم الرئاسة بعد حسني مبارك.


Opposition demonstrators sleep in Tahrir Square ...

إجازة سريعة للمعتصمين في ميدان التحرير

تتابع روسيا التطورات المتسارعة في مصر باهتمام مشوب بالقلق نظرا لما يرتبط به البلدان من علاقات واسعة، خاصة انه يتواجد أكثر من 70 ألف مواطن روسي بأرض الكنانة.

واذا كان الموقف الرسمي يتسم بالحذر الواضح، فإن المهتمين بشؤون المنطقة ومصر على وجه الخصوص يرسمون التكهنات حول ما ستنتهي إليه التطورات في مصر وفي عموم المنطقة في حال رحيل الرئيس المصري حسني مبارك من الساحة السياسية.

وفيما يرى البعض أن لدى مبارك فرصة سانحة للتمسك بالسلطة، يؤكد آخرون أن أيامه ما زالت معدودة. كما يراهن العديد من المحللين المهتمين بالشأن المصري في موسكو على الدور المهم الذي يمكن للجيش المصري ان يؤديه في مصر، ويحذرون من تداعيات سيطرة الإسلاميين على السلطة.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن الأربعاء الماضي أن بلاده quot;لا ترى فائدة في فرض الحلول الجاهزة على مصرمن الخارج، أو في إصدار أي نوع من الإنذاراتquot;، إذ على القوى السياسية المصرية أن تتوصل الى اتفاق في ما بينها بمعزل عن التدخل الخارجي.

وتابع: quot;نحن مهتمون بأن تكون مصر بلدا مستقرا، ومزدهرا، وديمقراطيا، كي يتم التوصل الى تسوية كافة القضايا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية في الجمهورية وبأسرع وقت ممكن وبطرق سلمية. وإن زمام القرار في ذلك يبقى في أيدي السياسيين المصريين والشعب المصريquot;.

بدوره، شكك خبير الشؤون المصرية مدير معهد افريقيا التابع لاكاديمية العلوم الروسية البروفسور ألكسي فاسيلييف بآفاق بقاء الرئيس حسني مبارك في منصبه حتى الخريف المقبل. وفي الوقت نفسه لاحظ فاسيلييف على مدونته على الانترنت ان مبارك ينوي ان يواصل ممارسة وظائف رئيس الدولة حتى الانتخابات في ايلول- سبتمبر.

وقال فاسيلييف المستشرق الروسي المعروف ومؤلف الكتاب quot;مصر والمصريونquot; quot;انني أشك في انه سيتمكن من التمسك بالسلطة حتى الخريف. ولست على ثقة بذلك حتى بـ 50 بالمئةquot;. وأكد ان استقالة مبارك في الوضع الناشئ أمر حتمي. ومن وجهة نظره يمكن ان يحدث ذلك خلال بضعة ايام أو بعد فترة طويلة نسبيا. ويدور الحديث عن 60-90 يوما وهو ما ذكره الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. ولدى ذلك اعتبر الخبير ان عمرو موسى هو احد المرشحين المحتملين الى منصب الرئاسة.

وفي الوقت نفسه لا يفترض الخبير الروسي ان يغدو المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي رئيسا جديدا. ويعتقد فاسيلييف ان quot;البرادعي هو طفل محبوب لوسائل الاعلام الغربيةquot;. وحسب تقديراته لا يمكن ان يقبل بجدية انسان لم يقم في مصر خلال 20 عاما quot;وليست له لا قاعدة اجتماعية ولا قاعدة سياسيةquot;. ومع ذلك - كما أكد الخبير - المفاجآت ممكنة في العالم ولا يمكن ان نستخدم في السياسة كلمة أبداquot;.

وحسب توقعاته ستكون السلطة الجديدة في مصر بالتأكيد معادية لأميركا ويمكن ان يكون فيها العنصر الديني كبيرا وحتى سائدا. ومع ذلك فان quot;العنصر الدينيquot; الذي يمكن ان يدخل في السلطة في مصر quot;ليس المتطرفين الذين يصورهم البعض على هذا النحوquot;. وقال إن وصول الاسلاميين الى السلطة ستكون له عواقب جدية.

ويرى خبير المعهد الروسي للأبحاث الإستراتيجية آجار كورتو في حديث لراديو روسيا العالمي انه لا يمكن الظن بأن كل سكان مصر يمقتون رئيسها. ولمبارك أنصاره في المجتمع المصري. وهم ليسوا قليلين، هذا أولا. وثانيا، كلهم مستعدون للقيام بأعمال حاسمة. فمن هم هؤلاء الأنصار؟ يمكن افتراض أنهم أتوا من الريف إذ إنهم ظهروا في ميدان التحرير راكبين الخيول. ومن المعروف أن الريف يؤيد دائما سلطة قوة راسخة ولا يسير في ركاب الثوار والعناصر التي تتطلع إلى الإصلاحات.

ومن يعتقد أن سقوط النظام القائم في مصر لا مفر منه، يتعين عليه أن يأخذ في الحسبان احتمال تعزز مواقع حسني مبارك والحكومة عندما ستبدأ المباحثات حول تعديلات دستورية وتغييرات في هيئات السلطة. ويرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الأزمة السياسية في مصر يجب أن تحلها قوى البلد السياسية.

وقال: إننا لا نرى جدوى فرض النصائح من الخارج أو توجيه الإنذارات..وليس هناك سبيل آخر. فيعيش البلد انشقاقا. واقتصاده مشلول عمليا. ويهرب السياح من مصر، ما يؤدي إلى تقلص مداخيلها. كما نشأت صعوبات في مجال التموين حتى أن البعض بدأوا يتحدثون عن خطر الجوع. ومن المبين أن استفحال الوضع من مصلحة الراديكاليين الإسلاميين وحدهم. فمثلا تسعى جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; استغلالا للمشاكل التي يصطدم بها البلد للوصول إلى السلطة أو للحصول على مناصب مهمة في هيئات السلطة على أقل تقدير، ما قد يؤدي إلى عواقب خطرة جدا بالنسبة إلى مصر والشرق الأوسط عموما.

بدورها، كتبت صحيفة quot;روسيسكايا غازيتاquot; شبه الرسمية الروسية أنه لم يبق زعيم واحد في العالم إلا وشكك في قدرة الرئيس المصري على البقاء في السلطة في بلاده.

وباتت الدول المجاورة، والشريكة والحليفة لمصر تلمح بأن مستقبل مبارك لم يعد يحظى بالأهمية بالنسبة إليها، وراح الجميع يطرح سؤالا أهم من هذا السؤال بكثير بالنسبة الى المنطقة عموما وهو: من الشخصية التي ستترأس مصر عقب مبارك؟ وأشارت الصحيفة الى أنه ومنذ يوم الأربعاء الماضي بدأ نجم سياسي جديد يلمع في سماء الساحة السياسة المصرية وهو عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، إذ بدا نجم موسى يبرق بحدة طمست بصيص كافة النجوم السياسية الأخرى المنافسة له في سماء السياسة المصرية.

وفي الواقع ان لدى موسى الكثير من المقومات التي يمكن لها أن تكون حاسمة خلال الانتخابات الرئاسية المصرية. ويبدو ان العالم العربي مستعد لتأييد ترشيح موسى، ناهيك عن أن الغرب على معرفة تامة بموسى، وهو على استعداد دائم للجلوس معه الى مائدة المفاوضات.

ويرى المحلل السياسي الروسي كورتوف quot;أنه إذا ما تطورت الأحداث على هذا المنوال فإن العالم بأكمله سيصبح هشا، لأن كافة الإتفاقيات السابقة تقوم على أن السلطات المصرية كانت تسير عنوة بالإسلاميين،وغير آبهة بإرادة جزء كبير من العالم العربي من خلال توقيعها على اتفاقية السلام مع اسرائيلquot;.

وبات الخبراء الروس يتكهنون باشتعال الأحداث في مناطق أخرى من العالم العربي. ويرى جريجوري ميرسكي الذي نقلت مقتطفات من حديثه صحيفة quot; البراهين والوقائعquot; الروسية أن الجزائر من بين الدول المرشحة لاندلاع الأحداث فيها، حيث اجتاحت الجمهورية في التسعينات حرب أهلية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 200 ألف شخص. ويفضل الكثيرون من الجزائريين حالة الإستقرار في ظل البطالة، وارتفاع الأسعار، واستبداد السلطات على اندلاع حرب جديدة في البلاد.

ونوه ميرسكي بأن في البحرين بات ابناء الطائفة الشيعية متذمرين من المضايقات طويلة الأمد التي يتعرضون لها هناك، إلا أن المستوى العالي للمعيشة في الدولة يجعل الثورة فيها ضئيلة الإحتمال. أما الأردن فإن ميرسكي يرى أنه لدى الشعب الأردني المقومات التي تحضه على التذمر، إلا أن المملكة محكومة من قبل الملك المنحدر من الأسرة الهاشمية وهي أسرة الرسول العربي محمد. وثانيا فإن حماية نظام الملك الأردني ملقاة على عاتق الحرس الملكي المكون من البدو، والشركس بالمناصفة، إذ أن البدو والشركس مستعدون لبذل الدماء فداء للملك، وتصديا للمنتفضين.

كما نقلت الصحيفة عن رئيس معهد الشرق الاوسط يفغيني ساتانوفسكي وهو عضو الهيئة العليا للمؤتمر اليهودي الروسي ورئيسه سابقا، قوله إنه يتوقع تفاقم الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. وتابع: quot;إن الأوضاع في الجزائر أسوأ مما هي عليه في مصر، وفي اليمن أسوأ مما هي عليه في الجزائر، حيث إن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يواصل حكمه للبلاد لفترة أطول من حكم مبارك لمصر، وأن الأوضاع في اليمن تزداد تعقيدا جراء تفاقم الحاجة الى المياه، حيث تشير التوقعات الى أن العاصمة صنعاء ستخلو من مياه الشرب بعد ثلاث سنوات. والصومال قد تشققت الى أجزاء، وجاء الآن دور السودان في التمزقquot;.