مع استمرار الأصوات المطالبة بتنحي الرئيس المصري مبارك عن الحكم، وارتفاع نداءات بمحاكمته وصولاً إلى إعدامه، ظهور أصوات ترفض هذه النهاية لحاكم يفترض أنه قدم الكثير لبلاده، وبدأت سيناريوهات عدة ترسم للمرحلة المقبلة في مصر.

القاهرة: يبدو الرئيس المصري حسني مبارك متمسكاً بالقيام بمهامه كرئيس للجمهورية رغم التظاهرات الإحتجاجية الحاشدة والإعتصامات المتواصلة التي تنادي برحيله. وإذا كان الموقف في الشارع المصري يبدو فوضوياً فإن كواليس الأزمة تشهد العديد من النقاشات التي تهدف إلى رسم خريطة للخروج من الأزمة الحالية بأقل خسائر ممكنة للطرفين مبارك من جهة والمحتجين من جهة أخرى.

سعت المعارضة المصرية وعدد من القوى السياسية المتواجدة في الشارع المصري إلى إيجاد مجموعة حلول واقتراح سيناريوهات متعددة لخروج مبارك من السلطة بالتزامن مع الإصلاحات الدستورية والسياسية في البلاد، وذلك في أعقاب يوم أمس الذي حمل شعار quot;جمعة الرحيلquot; حيث تظاهر مئات الآلاف من المواطنين لإسقاط مبارك الذي لا يزال متمسكاً بولايته حتى نهايتها في أيلول ndash; سبتمبر المقبل، مع تعهده عدم الترشح لولاية جديدة وعدم ترشيح ابنه جمال.

بين التنحي والتفويض وتعديل الدستور وحل البرلمان

طرحت سيناريوهات عدة على بساط البحث، منها سيناريو quot;تنحي الرئيس بشكل فوريquot; الذي يعد مطلب القوى المعارضة وخاصة الحركات الإحتجاجية المشاركة في ميدان التحرير ما سيؤدي إلى تهدئة الأوضاع كما يقولون. ويرى خبراء مصريون أن هذا السيناريو سيؤدي إلى تولي رئيس مجلس الشعب رئاسة الجمهورية مع إجراء الإنتخابات الرئاسية خلال الفترة الدستورية، وفقا لشروط المادة 67 من الدستور التي أكد الرئيس مبارك تغييرها. لكن الانتخابات وفق هذه المادة حسب هؤلاء الخبراء ستكون quot;دون منافسة ولن تتاح الفرصة لمرشحين يحققون طموحات شباب مصر في الفترة الحاليةquot;.

أما السيناريو الثاني فهو في حل مجلس النواب وتنحي الرئيس وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا لتسيير شؤون البلاد حتى إجراء انتخابات جديدة. غير أن الخبراء يعتبرون أن هذا السيناريو سيؤدي إلى فراغ دستوري حيث إنه في غياب مجلس الشعب لن يوجد من سيقرر تعديلات دستورية جديدة تتيح إنتخابات رئاسية تنافسية.

ويتعلق السيناريو الثالث في quot;بقاء الرئيس وتعديل الدستورquot; والذي يعتبره العديد من القانونيين الخبراء quot;الأفضلquot; دستوريا وعمليا لتحقيق مطالب الشباب دون اعوجاج دستوري حيث ستكون الأولوية لإجراء التعديلات الدستورية التي تضمن تغيير المادة 76 بشكل يحقق المنافسة. ومن شأن هذه العملية ستستغرق حوالى 75 يوما حتى عملية الإستفتاء بعدها يتم تعديل قانون الانتخابات الرئاسية الذي يحتاج إلى رقابة سابقة من المحكمة الدستورية العليا يمكن بعدها تنحي الرئيس لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو الانتظار لنهاية ولايته حيث سيتم فتح باب الترشح في شهرتموز المقبل.

وفي السيناريو الرابع المتمثل في quot;تفويض الرئيس اختصاصاته لنائبهquot; وفي هذه الحالة يعتبر الخبراء أن التفويض quot;غير دستوريquot; لكن وفقا لنص المادة 83 من الدستور فإنه إذا حل مانع موقت برئيس الجمهورية يحول دون ممارسة مهامه مثل المرض أو السفر فإنه ينيب عنه نائب رئيس الجمهورية.

وإذا فعل الرئيس ذلك بحجة السفر فإنه ليس من حق نائبه حتى بعد التفويض تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو إقالة الحكومة وبالتالي ستجري الإنتخابات الرئاسية في أيلول سبتمبر بشروط المادة 76 نفسها التي تعتبرها المعارضة quot;مجحفةquot;.

لكن هذا السيناريو يعد من السيناريوهات التي بدأ الحديث عنها بقوة بعد أن طرحته quot;لجنة حكماءquot; تشكلت أمس في quot;جمعة الرحيلquot;، ويقضي بتخلي مبارك عن صلاحياته لنائبه عمر سليمان إستناداً إلى الدستور، وأكد ضياء رشوان الباحث في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية وجود محاولات لإيجاد حل يوافق عليه جميع الأطراف ويضمن خروجا آمنا للرئيس من السلطة بما يحفظ كرامته وعدم محاكمته، وذلك استنادا إلى المادة 139 من الدستور، التي من خلالها يتنازل الرئيس عن سلطاته وصلاحياته لنائبه عمر سليمان وأن يبقى في السلطة حتى تنتهي ولايته خلال ستة أشهر. وأن يتولى سليمان بعد القرار إجراء الإصلاحات التي يتم الاتفاق عليها وفقاً لحوار وطني يشارك فيه ممثلون عن كل القوى الوطنية والشبان الذين كانوا وراء إطلاق شرارة الثورة.

ويلقى هذا السيناريو موافقة من قطاع عريض من شباب quot;ثورة ينايرquot;، وبعض القوى السياسية المعارضة ومن ضمنهم أيمن نور زعيم حزب الغد.

وفي المقابل يشير عصام العريان المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، إن موافقة حزبي الوفد والتجمع على الحوار مع النظام أمر يخصهم، ولكنه يؤثرفي وحدة والتفاف القوى السياسية والذي يجب أن يكون موحدا.

وأضاف العريان أن الجماعة لا تقوم بعمل مناورات وموقفها من الحوار لم يتغير، حيث تشترط تنحي الرئيس قبل الدخول في أي مناقشات، نافيا وجود نصف مليون مواطن ممن ينتمون إلى الإخوان في ميدان التحرير، وأكد أن جميع أعضاء الجماعة في مصر يشاركون في التظاهرات كمصريين.

من جهته يعتبر منير فخري عبد النور سكرتير عام حزب الوفد أن الحزب وافق على البدء في حوار مع عمر سليمان لعمل إصلاحات دستورية وتشريعية خاصة بتعديل المواد 76 و77 والمطالبة بإضافة المادتين 88 و93، وعمل إصلاحات تشريعية أخرى تتعلق بتغيير النظام الانتخابي وحل مجلسي الشعب والشورى.

وأضاف عبد النور، أن على مبارك أن يرحل بعد مطالبة مجلس الشعب بعمل إصلاحات دستورية واتخاذ إجراءات انتقال السلطة وذلك في مدة أقصاها 60 يوما، مشيرا إلى وجود فتاوى دستورية كثيرة قدمتها القوى محل بحث من جانب قوى المعارضة تهدف للإسراع بالخروج من الأزمة الراهنة مثل المواد 139 أو 75.

وتوقعت لجنة الحكماء التي تضم مفكرين وشخصيات بارزة، التوصل إلى حل قريباً حيث إن سليمان quot;أبدى قبولاً واستعداداًquot; لمناقشة الاقتراح الذي تضمن أيضاً تعهداً ألا تطرح جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; مرشحاً للرئاسة. لكن رئيس الوزراء أحمد شفيق استبعد قبول تفويض صلاحيات الرئيس، مؤكداً أن المرحلة الانتقالية تتطلب وجود الرئيس quot;لأسباب تشريعيةquot;.

سيناريوهات أميركية

يبدو أن هذا الإقتراح قد أتى بديلاً لتنحي الرئيس مبارك الفوري عن صلاحياته، وهو ما سبق أن طرحته الإدارة الأميركية على القيادة المصرية بعد أن لمست تمسك النظام بإكمال الرئيس ولايته. ونقلت صحيفة quot;واشنطن بوستquot; عن مسؤولين في الإدارة الأميركية أن اقتراح تفويض سليمان نقله كل من نائب الرئيس جوزيف بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس ورئيس هيئة الأركان مايكل مولن إلى نظرائهم المصريين. لكن يبدو أن لدى واشنطن أكثر من سيناريو لبدء المرحلة الإنتقالية في مصر.

وكانت صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; ومحطة quot;سي ان انquot; نقلتا أن اصطدام اقتراح تنحي الرئيس مبارك فوراً بمعارضة من شخصيات في القيادة المصرية، جعل واشنطن تركز على ضرورة تأليف حكومة انتقالية quot;تتشكل من عناصر في نظام مبارك وممثلين عن المعارضةquot;، يكون للجيش quot;دور رئيس كضامن لهاquot;.

لكن الدوائر الرسمية المصرية استبعدت أن يلقى اقتراح تفويض الصلاحيات قبولاً لدى مبارك أو سليمان، على أساس أن وجود الرئيس quot;يُسهل من إتمام عملية الإصلاح لدواع دستوريةquot;.

ولفتت صحيفة نيويورك تايمز إلى وجود نقاش يخوضه مسؤولون أميركيون ومصريون ويشير إلى أن نائب الرئيس المصري عمر سليمان وكبار قيادات الجيش يبحثون في تدابير لتقليص سلطات مبارك الرئاسية واحتمال إخراجه من القصر الرئاسي في القاهرة، دون تجريده من الرئاسة مباشرة، وتبدأ عندها حكومة انتقالية برئاسة سليمان التفاوض مع رموز المعارضة لإصلاح الدستور وبدء مرحلة تغييرات ديقراطية.

وأوضح مسؤولون أميركيون أن من بين الأفكار المطروحة للنقاش الإقتراح على مبارك للانتقال إلى مقره في منتجع شرم الشيخ، أو أن يبدأ عطلة طبية سنوية يتجه فيها إلى ألمانيا لمتابعة الفحوص الطبية، وهي خطوة من شأنها أن توفر خروجاً مشرفاً وإزاحته بفعالية كلاعب سياسي مركزي، وهو ما قد يلبي المطالب الرئيسة للمتظاهرين في شوارع القاهرة.

خروج مشرف لمبارك

من جهته دعا رئيس الحكومة أحمد شفيق المجتمعين في ميدان التحرير الى quot;إنهاء تظاهراتهم في سلام بعد أن تمت الاستجابة لأكثر من 90 في المئة من مطالبهمquot;، معرباً عن أمله في أن يتم التغيير والانتقال السلمي للسلطة quot;بأسلوب متحضر وكريم يليق بمصر وشعبهاquot;.

وقال شفيق في مقابلة تلفزيونية أمس إنه يستبعد أن يقبل مبارك تفويض صلاحياته لنائبه. ورأى أن quot;لا داعي لتنحي الرئيس، اننا نحتاج لبقاء الرئيس لأسباب تشريعية. ووجوده نوع من صمام الأمانquot;. وأضاف أن مبارك يجب أن يكمل ولايته من أجل quot;تحقيق خروج مشرفquot; له، مؤكداً أن الكثير من المصريين يؤيدون ذلك.

وأشار إلى أن quot;الغالبية ترى أن تنتهي الأمور بتكريم طبيعي لرئيس أدى مدة سلطة طويلةquot; وأن يتم ذلك quot;بأسلوب متحضر يتناسب مع طبيعة الشعب المصريquot;. وأضاف رداً على الدعوات الدولية إلى التنحي: quot;هناك شيء اسمه الكرامة، للخارج أن يعبر عن رأيه، لكن عندما يطالبون بتنحي مبارك الآن فهذا غير مقبولquot;.


وإذا كان المحتجون في ميدان التحرير أعلنوا عن quot;أسبوع الصمودquot;، فإن هذا يظهر إصرارهم على البقاء حتى تحقيق مطالبهم وبالتالي لا يمكن التخمين بنتائج أي من السيناريوهات على المدى القريب. لكن من المؤكد حتى الآن أن مبارك باق في منصبه ومتمسك بذلك، في حين ارتفعت صيحات تدعو إلى إجبار الرئيس على الرحيل بالقوة وسط اقتراحات بينهم بالتحرك إلى قصر الرئاسة.
لكن كما تعددت السيناريوهات فإن تعدد التوجهات لدى المعتصمين يجعل التخمين بخطة تحركهم صعبا، وأبسط مثال على غياب توجههم الموحد تعدد لجان الحكماء التي تشكلت للتفاوض مع النظام، إذ أعلن عن لجنة تضم 20 شخصاً يمثلون الأحزاب المختلفة وجماعة الإخوان المسلمين و4 يمثلون التيارات الشبابية، فيما كانت تشكلت لجنة تضم 25 من الشخصيات العامة برئاسة المفكر أحمد كمال أبو المجد. وأفيد بأن لجنة تشكلت تضم من بين أعضائها البرادعي والعالم المصري الحاصل على جائزة نوبل أحمد زويل.

لكن هذا إن دل على خلاف بين صفوف المعارضة فإنه قد يوحي بأنه بين السيناريوهات المطروحة وصمود المحتجين أو إنقسامهم قد تتواصل النقاشات من الآن حتى سبتبمر دون نتيجة مرضية للجميع.