باتت اللجان الشعبية التي شكّلها المواطنون في مصر لحماية منازلهم وممتلكاتهم هي البديل الوحيد لإستمرار إختفاء رجال الشرطة من الشوارع، وسط خوف واستياء البعض منها، نظرًا إلى قيام quot;البلطجيةquot; بنصب كمائن مشابهة لها لسلب المواطنين.


القاهرة: أي كان محل إقامتك في القاهرة فستجد اللجان الشعبية ساهرة ليلاً لتأمين المكان، وهي لجان شكلها المواطنون من أهالي كل شارع منذ ليل الجمعة 28 يناير/كانون الثاني، بعد إختفاء رجال الشرطة من الشارع، في أعقاب إنسحاب وزارة الداخلية من الشارع، بعد فشلها في مواجهة العدد الكبير من المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لاستمرار الرئيس المصري حسني مبارك في الحكم.

وقد لجأ الأهإلى إلى اللجان الشعبية بعد انتشار عمليات السلب والنهب من قبل عدد من البلطجية، حيث قسموا الليل إلى ورديات في ما بينهم، يتناوبون خلاله على السهر، ويقومون بتفتيش السيارات المارة، والإطلاع على بطاقات الهوية الشخصية للمواطنين العابرين في الشارع بعد بداية سريان حظر التجوال.

تتشكل اللجان الشعبية في غالبيتها من الشباب الذين يحملون الأسلحة البيضاء والعصي والأسلحة التي عثر عليها في أقسام الشرطة بعد تحطميها. ويقوم أعضاء اللجان بإيقاف المارة وتفتيشهم والتأكد من هوياتهم قبل السماح لهم بالمرور، ونجحت هذه الطريقة في إحباط عدد كبير من عمليات السرقة التي كان يقوم بها البلطجية.

ولعب أعضاء اللجان الشعبية دورًا حيويًا لدى انتشار قوات الجيش في الشارع بعد إنسحاب عناصر وزارة الداخلية، فقاموا بتعريف رجال الشرطة على مواقع المصارف والمنشآت الحيوية لتأمينها نظراً إلى عدم علم قوات الجيش بأماكنها عند انتشارهم للمرة الأولى.

كما سلّم أعضاء اللجان الشعبية العديد من أصحاب السوابق والسجناء والمواطنين الذين لا يحملون بطاقات هوية، إلى فرق الجيش التي تحتجزهم في نقاط الشرطة العسكرية، حيث تبحث عن هويتهم وتسلمهم إلى الجهات المعنية.

وللبلطجية لجانهم أيضاً
في المقابل، استغل من باتوا يعرفون بـquot;البلطجيةquot; الفكرة، وأخذوا يشكلون ما يشابه اللجان الشعبية على الطرق السريعة حول القاهرة، فيقومون بإيقاف المواطنين خلال سيرهم على اعتبار أنهم من اللجان الشعبية ويقومون بالإستيلاء على أموالهم تحت تهديد السلاح.

وارتفعت شكاوى عديدة محتجة على اللجان الشعبية، بعد قيام عدد كبير منها بتفتيش المواطنين بطريقة مستفزة وإجبارهم على التفتيش مرات عدة في مسافات متقاربة، مما يؤدي إلى وقوع العديد من المشادات، التي تنتهي إما بالتهدئة من قبل الحكماء أو بإسالة الدماء بين الطرفين في حالات نادرة.

يقول محمد أبو العلا إنه بحكم عمله في أحد المحال التجارية التي لا يلتزم أصحابها بقرار حظر التجوال رغبة منه في تحقيق مبيعات أفضل، يضطر إلى العودة لمنزله في ساعة متأخرة من الليل، مما يدفعه للمرور عبر اللجان الشعبية.

ويوضح أن هناك أفراداً لا يمكن الوثوق بهم بسبب ملابسهم وطريقة تعاملهم، إلا أنه يضطر للإستجابة لمطالبهم في النزول من سيارة الأجرة وخضوعه للتفتيش الذاتي وإظهار بطاقة هويته الشخصية، لافتًا إلى أنه كثيراً ما كان أفراد اللجنة الشعبية ينزلون ركاباً عائدين إلى منازلهم، ويجعلون سيارة الأجرة تغادر من دونهم. وعن رد فعله ومن معه، يؤكد أبو العلا أنهم لا يستطيعون الحديث نظراً إلى حمل الشباب أسلحة بيضاء، فضلاً عن خوف صاحب السيارة على سيارته، مما يضطره إلى الرحيل.

من جهته يوضح محمد القاضي صاحب سيارة أنه يضطر إلى فتح صندوق السيارة وتحضير رخصة السيارة ورخصة القيادة ورخصته الشخصية لإظهارها خلال عودته إلى المنزل، لافتًا إلى أنه أحيانًا يخضع للتفتيش الذاتي في لجان يشكّ أصحابها في أصابع يدهم، على حد تعبيره.

ويشرح أنه ينتقل من منطقة المهندسين إلى المعادي عبر الطريق الدائري، مما يجعله يمر بكمائن متعددة في المهندسين وحتى صعود الطريق الدائري، موضحاً أنه يحاول الهروب من الكمائن في الطريق العادي باستخدام السرعة الزائدة على الطريق الدائري فلا يتوقف لأي شخص حتى لو سمع دوياً لإطلاق النار. وأكد أنه يفعل ذلك بعد سماعه الكثيرين يتحدثون عن وجود العديد من قاطعي الطرق يقومون بإطلاق الأعيرة النارية للسطو على المواطنين.

ويشير القاضي إلى أن العديد من مقار وقوف اللجان الشعبية تغيرت بعد اليوم الأول، وأصبح شباب كل منطقة يتفقون على كلمة سر في ما بينهم أو إشارات حتى يتمكن المواطنون من المرور بسهولة بعد إتمام عمليات التفتيش عند أول لجنة بحيث يستقبلك شباب اللجنة الثانية بإبتسامة، مؤكدًا على أن عبارة quot;ربنا معاكم يا رجالةquot; تثير حماس الشباب، وتجعلهم يشعرون بتقديرك لهم ولدورهم في حفظ الأمن.

محمد فتوح أحد الشباب المشاركين في اللجان الشعبية يؤكد أن تكرار عمليات التفتيش لا يجب أن يزعج المواطنين لأنه ضمان لهم ولأمنهم الشخصي، مشيرًا إلى أن هناك عددًا من البلطجية تم اكتشافهم بعدما مروا على عدد من اللجان. وطالب المواطنين تفهم ما يحدث بشكل جيد وquot;إدراك خوفنا على أسرنا وبيوتناquot;، مذكرًا بما حدث في شارع جامعة الدول العربية وقيام البلطجية بالإستيلاء على ممتلكات المواطنين وإقتحام المنازل وترويعهم والإستيلاء على ممتلكاتهم.

مطالب بعودة الوزارة لاستلام مهامها
من جهته رأى الخبير الأمني محمد حلمي أن ما يحدث في الشارع المصري، ويطلق عليه اسم لجان شعبية، هي حالة من الفوضى والعبثية، مؤكدًا أن غالبية المشاركين يقومون بفعل ذلك نظرًا إلى حبهم في السلطة التي حصلوا عليها فجأة بعد غياب وزارة الداخلية.

وطالب حلمي بعودة وزارة الداخلية إلى الشارع المصري مرة أخرى في أسرع وقت ممكن لإنهاء حالة الفوضى التي تسيطر على الشارع والمواطنين، مؤكدًا على أن اللجان الشعبية تفتقد حتى معايير الأمان التي تضمن الحد الأدنى من السلامة.

وتساءل حلمي quot;ماذا سيفعل المواطن عندما يجد من يقوم بتفتيشه يحمل سلاحًا آليًا؟quot;، مضيفًا أنه quot;بالتأكيد سيعشر بالرعب تجاهه، خاصة وأن عدداً من الشباب المشاركين أغلقوا شوارع بكاملها، وحولوا الطرق إلى طرق بديلة لإثبات قوتهم، مستنكرًا الحديث عن عودة الداخلية إلى الشارع نهارًا واختفائها ليلاً.